اليابان تحيي الذكرى السبعين لانتهاء معركة أوكيناوا.. بعداء معلن لأميركا

استمرت نحو 3 أشهر.. وخلفت نحو 200 ألف قتيل في صفوف الأميركيين واليابانيين

اليابان تحيي الذكرى السبعين لانتهاء معركة أوكيناوا.. بعداء معلن لأميركا
TT

اليابان تحيي الذكرى السبعين لانتهاء معركة أوكيناوا.. بعداء معلن لأميركا

اليابان تحيي الذكرى السبعين لانتهاء معركة أوكيناوا.. بعداء معلن لأميركا

أقامت جزيرة أوكيناوا، الواقعة جنوب اليابان، أمس حفل تأبين لأكثر من 200 ألف شخص من قتلى الحرب، من بينهم أميركيون، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الـ70 لنهاية معركة أوكيناوا خلال الحرب العالمية الثانية.
وحضر آلاف الأشخاص، إضافة إلى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وسفيرة الولايات المتحدة في اليابان كارولين كيندي، الحفل الذي أقيم بحديقة السلام التذكارية بمدينة إيتومان، التي شهدت المرحلة الأخيرة من المعركة. وقال آبي بهذه المناسبة إنه «ينبغي أن نفخر بطريق السلام الذي قررنا المضي فيه على مدار الأعوام السبعين الماضية، وبذل الجهود المتواصلة لإقامة السلام العالمي».
وكانت قوات أميركية قد سيطرت على أوكيناوا عام 1945، بعد واحدة من المعارك التي اعتبرت الأكثر خسائر في الأرواح خلال الحرب العالمية الثانية، التي شهدها المحيط الهادي. وفي عام 1972، وبعد 20 عاما من انتهاء الاحتلال العسكري الأميركي في معظم أنحاء اليابان، عادت أوكيناوا إلى اليابان، ولكن مع بقاء قواعد عسكرية أميركية، لا تزال بينها وبين سكان الجزيرة بعض الاحتكاكات.
ويخصص ما يقرب من 20 في المائة من جزيرة أوكيناوا الرئيسية، التي تقع على بعد 1600 كيلومتر جنوب غربي طوكيو، للمنشآت العسكرية الأميركية، ولذلك يشكو سكان أوكيناوا باستمرار من الضوضاء والحوادث، والتدهور البيئي، وكذا الجرائم العرضية التي يرتكبها أفراد من القوات العسكرية الأميركية.
وتأتي الذكرى السبعون لهذه المعركة وسط معارضة سكان أوكيناوا لبناء قاعدة عسكرية أميركية جديدة شمال الجزيرة، ستحل محل قاعدة فوتينما الجوية التي تتمركز فيها قوات من مشاة البحرية الأميركية، في منطقة من الجزيرة مكتظة بالسكان. وبهذا الخصوص قال تاكيشي أوناغا، حاكم أوكيناوا، أمس، إن المقاطعة الواقعة في الجنوب «تطالب الحكومة المركزية (اليابانية) بشدة بتعليق» البناء.
وقبيل بدء الاحتفالات استقبل المواطنون رئيس وزراء اليابان بصيحات استهجان، وقال له البعض «عد من حيث أتيت»، وذلك في تعبير غير معتاد عن الغضب في الدولة المحافظة. ولطالما عبر سكان جزيرة أوكيناوا الجنوبية، التي شهدت المعركة البرية الوحيدة التي جرت في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، عن استيائهم من اضطرار جزيرتهم لاستضافة عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين والمنشآت العسكرية الأميركية التي تغطي 18 في المائة من أراضي أوكيناوا. وفي هذا الصدد رفض تاكيشي أوناغا، حاكم أوكيناوا، وآلاف من سكان الجزيرة اقتراحا بنقل قاعدة فوتينما لمشاة البحرية الأميركية إلى أراض مستصلحة في منطقة هينوكو في شمال أوكيناوا، وطالبوا بنقلها إلى خارج الجزيرة. وقال أوناغا، الذي فاز في انتخابات العام الماضي لمعارضته نقل القاعدة إلى منطقة هينوكو، في الاحتفال بذكرى المعركة التي قتل فيها نحو 200 ألف من الجنود الأميركيين واليابانيين والمدنيين اليابانيين، إن رأي سكان الجزيرة من القاعدة الجديدة واضح. وأضاف أوناغا للحشود «أدعو الحكومة بقوة لأن تغير سياستها لتخفف عنا الحمل».
وبينما انحنى رئيس وزراء اليابان أمام الورود التي وضعت لتكريم من فقدوا أرواحهم في المعركة، التي استمرت نحو ثلاثة أشهر، وقف رجل مسن يرتدي قبعة سوداء ووجه أصبع الاتهام لآبي، الذي قال في الاحتفال إن على اليابان أن تبذل الجهود لإقرار السلام العالمي، لكن رغم ذلك استمرت صيحات الاستهجان. وأضاف «شعب أوكيناوا يتحمل عبئا ثقيلا من أجل الأمن بهذا التركيز للقواعد الأميركية». واستطرد دون أن يشير مباشرة إلى فوتينما «سنواصل العمل من أجل تخفيف أعبائكم».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»