انتفاضة المرأة الإيرانية: اعتقال ابنة هاشمي رفسنجاني وافراط في قمع المتظاهرين

76 قتيلاً ومئات الموقوفين... والأمم المتحدة طالبت طهران باحترام حق التجمع السلمي

إيرانيات يتظاهرن في طهران (أ.ف.ب)
إيرانيات يتظاهرن في طهران (أ.ف.ب)
TT

انتفاضة المرأة الإيرانية: اعتقال ابنة هاشمي رفسنجاني وافراط في قمع المتظاهرين

إيرانيات يتظاهرن في طهران (أ.ف.ب)
إيرانيات يتظاهرن في طهران (أ.ف.ب)

اشتدت المسيرات المناهضة للنظام في العاصمة طهران وعدة مدن أخرى قابلتها قوات الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين وتوقيف المئات أبرزهم فائزة هاشمي رفسنجاني في الليلة الـ11 على اندلاع الاحتجاجات التي انتشرت كالنار في الهشيم في أنحاء البلاد، بعد موت الفتاة الكردية مهسا أميني في ظروف غامضة في أثناء احتجازها لدى الشرطة. واعلنت مواقع تابعة لـ»الحرس الثوري» توقيف فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، على خلفية دعمها للاحتجاجات. وذكرت قناة «فيلق القدس» على شبكة تلغرام أن فائزة هاشمي أوقفت أثناء مشاركتها في تجمعات احتجاجية شرق طهران. ولكن وكالة «تسنيم «التابعة لـ»الحرس الثوري» نقلت عن مصدر مطلع ان أحد الأجهزة الامنية اعتقلها بسبب «تحريض مثيري الشغب على إثارة الفوضى».وأظهرت التسجيلات المتداولة على شبكات الاجتماعي، نزول عدد كبير من الإيرانيين في مختلف أحياء طهران رغم المخاطر والأجواء الأمنية المشددة، بموازاة تجدد الاحتجاجات في مدينة سنندج مركز محافظة كردستان وكبريات المدن مثل تبريز وأصفهان وكرج والأحواز. والتفّ المتظاهرون حول شعار «المرأة والحياة والحرية» وشعارات أخرى ضد المؤسسة الحاكمة، واستهدفت على وجه خاص المرشد الإيراني علي خامئني. وأظهر الكثير من تسجيلات الفيديو مطاردة عناصر شرطة مكافحة الشغب التي استخدمت الذخائر الحية لكبح المحتجين، بينما كانت هناك نساء يلوحن بحجابهن فيما حرقته بعضهن أيضاً.
ونشر حساب 1500 صورة المختص بتتبع الاحتجاجات الإيرانية، مقطع فيديو من مدينة كرمان جنوبي البلاد، يُظهر فتيات يحرقن الحجاب، بينما ترتدي إحداهن قميصاً مكشوفاً من دون كمّين.

                                                         ...وأخريات يتظاهرن في مدينة يزد (أ.ف.ب)
وبدورها، نقلت «رويترز» عن التلفزيون الرسمي الإيراني أن الشرطة اشتبكت مع من وصفتهم بـ«مثيري الشغب» في بعض المدن وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
وأظهر تسجيل فيديو دويّ هتاف «الموت للديكتاتور» في سماء مناطق عدة من طهران وتبريز، وذلك في تكرار لظاهرة ترديد الهتافات من الشقق وسطح المباني السكنية في العاصمة. كما ردد المتظاهرون شعار «الموت لخامنئي» في مدينة سنندج. وفي مدينة يزد، ثالث أكبر معقل للمحافظين، ردد المحتجون شعار «هذا عام الدم سيسقط سيد علي».
وأظهرت مقاطع أخرى إطلاق قوات مكافحة الشغب النار على متظاهرين في مدينتي سنندج وسردشت الكرديتين. وسُمعت هتافات للمحتجين في أحد مقاطع الفيديو من طهران «سأقتل من قتلوا أختي».
وكانت الاحتجاجات قد بدأت صباح (الاثنين) بإضراب عام للطلاب وأساتذة الجامعات الذين طالبوا بإطلاق سراح المعتقلين. وقال أستاذ في جامعة «شريف» الصناعية إن صفوف الدراسة تبقى معلقة حتى يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين. ودعا طلاب الجامعات الإيرانية أساتذتهم إلى الانضمام إلى الاحتجاجات. وأضرب طلاب الجامعات من الدراسة، في وقت دعت اللجنة التنسيقية للمعلمين إلى إضرابات يومي الاثنين والأربعاء هذا الأسبوع.
ونشرت قناة «بي بي سي» الفارسية، تسجيل فيديو يُظهر مطاردة 12 ضابطاً لأحد المتظاهرين في مدينة شيراز على ما يبدو. ويُظهر الفيديو تعرض المحتجين للضرب بالهراوات والصواعق الكهربائية.
ولا تزال السلطات تواصل قطع شبكة الإنترنت للهاتف الجوال، كما اشتكى المستخدمون من انقطاع الخدمة بشكل كامل في بعض المدن. وفقاً لمرصد «نتبلوكس» لمراقبة انقطاعات الإنترنت على «تويتر» ومصادر في إيران، حتى تجعل من الصعب على المتظاهرين نشر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

دعم متزايد

ودعت متحدثة باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (الثلاثاء) رجال الدين الذين يحكمون في إيران إلى «الاحترام الكامل للحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات».
وقالت رافينا شمدساني في بيان، إن التقارير تشير إلى «اعتقال المئات، منهم مدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون ونشطاء مجتمع مدني وما لا يقل عن 18 صحافياً». وجاء في البيان أن «الآلاف انضموا إلى المظاهرات المناهضة للحكومة في أنحاء البلاد على مدار الأيام الأحد عشر الماضية. وردّت قوات الأمن في بعض الأحيان بالذخيرة الحية».
وقالت منظمة حقوق الإنسان لإيران، ومقرها أوسلو، في أحدث إحصائية لها إن 76 شخصاً قُتلوا في حملة القمع، وكانت الحصيلة التي أشارت إليها المنظمة 57 شخصاً. وفي وقت سابق (السبت) قال التلفزيون الرسمي إن عدد القتلى يبلغ 41 شخصاً، لكن تسجيلات الفيديو تشير إلى سقوط عدد أكبر من القتلى.
وتخطت الاعتقالات 1800 شخص حسب أرقام نشرتها وسائل إعلام حكومية ومنظمات حقوقية. وقال قيادي في شرطة سمنان (الاثنين) إن قوات الأمن أوقفت 155 شخصاً من المشاركين في الاحتجاجات. وقبل ذلك أعلن المدعي العام في محافظة مازنداران (الأحد) أن الاعتقالات شملت 450 شخصاً، وقال قيادي في شرطة محافظة جيلان (السبت) إن عدد الاعتقالات وصل إلى 739 شخصاً، وذكرت شبكة حقوق الإنسان في كردستان (السبت) أن الاعتقالات وصلت إلى 435 شخصاً. ولاحقاً قال ناشطون إن الاعتقالات في مدينة أشنويه التي شهدت توتراً (الأحد)، تخطت 100 شخص. وأعلن اتحاد طلبة جامعة طهران (الأحد) أن قوات الأمن اعتقلت 60 طالباً في طهران. ونشر المحامي البارز سعيد دهقان في طهران، صور أربعة من زملائه الذين اعتقلتهم السلطات.
وبدورها أكدت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين، اعتقال ما لا يقل عن 20 صحافياً في طهران.
من جهته، قال وزير الصحة بهرام عين اللهي، إن 72 من سيارات الإسعاف تعرضت للتخريب خلال عشرة أيام من اندلاع الاحتجاجات. وقال ناشطون في الأيام الأخيرة إن قوات الأمن تستخدم سيارات الإسعاف لنقل المعتقلين. وأظهر مقطع فيديو على الأقل إنقاذ موقوفين في سيارة إسعاف عالقة وسط نيران.
وأقر رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي، بشن حملة اعتقالات واسعة في إيران، عندما أشار إلى احتمال وجود أبرياء بين المعتقلين، ووعد بإطلاق من «لم يرتكبوا مخالفات منخفضة». وهدد إجئي بملاحقة قضائية للفنانين والمشاهير الذين أعربوا عن تضامنهم مع المحتجين.
من جانبه، قال قائد «فيلق القدس» في محافظة جيلان محمد عبد الله بور، إن قوات الأمن «اعتقلت عدداً كبيراً من منفذي وقادة أعمال الشغب». وقال إن «القضاء سيتعامل بجدية مع هؤلاء».
وقال بيان لـ«الحرس الثوري» في جيلان إنه اعتقل 12 شخصاً لـ«إقامة جلسات سرية بهدف استقطاب الأعضاء وتنظيم أعمال تخريبية في المحافظة»، مضيفاً أن الموقوفين «كانوا يخططون لمهاجمة مراكز حكومية وأمنية حساسة، وإثارة أعمال شغب في مدينة رشت والمدن المجاورة».
وفي نيويورك، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في لقاء نظيره الكوبي إن «الجمهورية الإسلامية لديها المهارات اللازمة لكبح الاحتجاجات ومواجهة أي تدخل خارجي واستغلال مشاعر الناس».
وقال عبد اللهيان إن الشرطة الإيرانية «ليس لديها خيار إلا التصرف بطريقة متناسبة» إذا «أضرم (محتجون) النار في سيارات إسعاف أو سرقوا أموالاً من البنوك»، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ».
ونقل موقع «إن بي آر» الإلكتروني عن الوزير قوله «إن معظم المحتجين تقودهم وترشدهم قنوات جيدة التنظيم». ومن دون أن يقدم دليلاً، كرر مزاعم سابقة لمسؤولين إيرانيين بأن «عناصر خارجية من بينها قنوات تلفزيونية فضائية ومواقع إلكترونية تشجع المحتجين على اللجوء إلى العنف».
وذكرت قناة «بي بي سي» الفارسية أن مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة قدم شكوى ضد مسؤولين أشاروا إلى قضية مهسا أميني خلال خطابهم في الجمعية العامة.

انقسام برلماني

وقالت ممثلة طهران في البرلمان زهره لاجوردي إن «الأعداء يريدون إثارة القضايا الهامشية، لإثارة الاضطرابات والنزاع في البلاد لصرف الأنظار عن نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى نيويورك، لكنها فشلت». وعلى النقيض، قال جلال رشيدي كوشي، العضو بلجنة الشؤون الداخلية، إنه ما دامت لم تتعامل الحكومة مع القضايا الحالية بموضوعية، فلن يسير أي من الأمور في البلاد بصورة صحيحة. وأضاف أن نظريات المؤامرة والاتهامات والعنف والنفاق السياسي لن تحل الاضطرابات أو تحرك البلاد إلى الأمام.
ووصف النائب المحافظ المتشدد محمود نبويان، المحتجين بـ«الزبد على سطح الماء» و«النجاسة». وقال في تصريح لوكالة «مهر» الحكومية إن «الشعب بحضوره سيطرد هذه النجاسات من رداء النظام».
وكان نبويان يشير في تصريحاته إلى المسيرات المضادة التي نظّمتها جهات حكومية وقوات «الباسيج» التابعة لـ«الحرس الثوري»، الأحد والجمعة، على غرار المظاهرات المضادة التي نظّمتها السلطات ضد احتجاجات الموجة الخضراء التي اجتاحت إيران لفترة ثمانية أشهر بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2009. وقال نبويان إن «من يقومون بأعمال الشغب أشخاص يسعون وراء الفحشاء والشهوة في المجتمع وسيتم إيقافهم». وأضاف: «الناس لديها مشكلات اقتصادية كثيرة لكن نرى أن أعمال الشغب لم تطرح المطالب الاقتصادية».
ويخشى حكام إيران من تجدد الاضطرابات التي شهدتها البلاد عام 2019 احتجاجاً على ارتفاع أسعار البنزين، والتي كانت الأكثر دموية في تاريخ إيران. وذكرت «رويترز» أن تلك الاحتجاجات شهدت سقوط 1500 قتيل.

تضامن المشاهير

والتحق نجم المسلسلات الكوميدية سيامك أنصاري إلى قائمة الممثلين والمخرجين الإيرانيين الذين أعربوا عن تأييدهم للاحتجاجات. وخاطب أنصاري المحتجين عبر حسابه على «إنستغرام»، قائلاً إن «حق إيران ليس الهراوات والحرب والعقوبات وانعدام العدالة وقلة الاحترام». وقال: «الفن أصغر من شجاعتكم».
بدوره، التحق المخرج الإيراني أمير نادري بمخرجين وممثلي سينما أعربوا عن تضامنهم مع الاحتجاجات الإيرانية. وأشاد نادري في رسالة بخط يده بالشباب «الذين يضحّون بأنفسهم من أجل الحرية». وكتب «أنا فداء من يضحون بأنفسهم بهذه الطريقة من أجل الحرية... الأشجار تثمر وستثمر».
وقال المخرج والممثل المسرحي ماني حقيقي، في مقطع فيديو على «تويتر» إن الجمهورية الإسلامية تحتفل منذ 40 عاماً بمناسبات لإحياء ذكرى العصيان المدني في يونيو 1963 وثورة فبراير (شباط) 1979 التي أسقطت نظام الشاه لكنها الآن تمنع العصيان المدني. وأضاف: «أرى سفطسة وتناقضاً في مطالب المسؤولين الإيرانيين بسيادة القانون». وأضاف: «صحيح أن الناس يجب أن يخضعوا للقانون لكن بشرط أن تبعية أهل القانون للناس».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

ضربات وقائية على طاولة ترمب لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)
TT

ضربات وقائية على طاولة ترمب لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

يدرس الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، خيارات لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، بما في ذلك إمكانية شن غارات جوية استباقية، مما يشكل خرقاً للسياسة الأميركية القائمة على احتواء طهران بالدبلوماسية والعقوبات.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن فريق ترمب الانتقالي يناقش تداعيات ضعف موقف إيران الإقليمي وسقوط نظام الأسد في سوريا، بالإضافة إلى تدمير إسرائيل لميليشيات مثل «حزب الله» و«حماس».

وقال مسؤولون انتقاليون إن ضعف موقف إيران الإقليمي، والكشف عن تقدم الجهود النووية لطهران، قد أديا إلى تفاقم المناقشات الداخلية الحساسة. ومع ذلك، لا تزال جميع المداولات حول هذه القضية في المراحل المبكرة.

تساؤلات حول نوع الضغوط التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وقال شخصان مطلعان على محادثاتهما، إن ترمب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمات هاتفية حديثة، بأنه قلق بشأن اندلاع حرب نووية إيرانية في عهده، مما يشير إلى أنه يبحث عن مقترحات لمنع هذه النتيجة.

ويريد ترمب خططاً تتوقف عن إشعال حرب جديدة، خصوصاً تلك التي يمكن أن تجرَّ الجيش الأميركي، حيث إن الضربات على المنشآت النووية في طهران لديها القدرة على وضع الولايات المتحدة وإيران على مسار تصادم.

وتمتلك إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب وحده لبناء 4 قنابل نووية، مما يجعلها الدولة الوحيدة غير النووية التي تنتج 60 في المائة من المواد الانشطارية التي تقترب من درجة الأسلحة، ولن يستغرق الأمر سوى بضعة أيام لتحويل هذا المخزون إلى وقود نووي صالح للأسلحة.

وقال مسؤولون أميركيون، في وقت سابق، إن الأمر قد يستغرق من إيران أشهراً عدة لنشر سلاح نووي.

وقال أشخاص مطلعون على التخطيط إن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب يبتكر ما يطلق عليها استراتيجية «الضغط الأقصى 2» ضد النظام الإيراني، وهي استكمال لنهجه في فترة ولايته الأولى، الذي ركز على العقوبات الاقتصادية الصارمة.

وهذه المرة، يقوم الرئيس المنتخب ومساعدوه بوضع خطوات عسكرية يمكن أن تكون محوريةً لحملته المناهضة لطهران، وإن كانت لا تزال مقترنةً بعقوبات مالية أكثر صرامة.

قال 4 أشخاص مطلعون على التخطيط إن خيارين ظهرا في المناقشات، بما في ذلك في بعض المحادثات التي جرت مع ترمب.

وأحد المسارات، الذي وصفه شخصان مطلعان على الخطة، يتضمَّن زيادة الضغط العسكري من خلال إرسال مزيد من القوات الأميركية والطائرات الحربية والسفن إلى الشرق الأوسط، ويمكن للولايات المتحدة أيضاً بيع أسلحة متقدمة لإسرائيل، مثل القنابل الخارقة للتحصينات، مما يعزز قوتها الهجومية لإخراج المنشآت النووية الإيرانية عن الخدمة.

والتهديد باستخدام القوة العسكرية، خصوصاً إذا اقترن بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والتي تنجح في شلِّ الاقتصاد الإيراني، قد يقنع طهران بأنه لا يوجد خيار سوى حل الأزمة دبلوماسياً.

عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

والمسار البديل هو السعي إلى استخدام التهديد باستخدام القوة العسكرية، خصوصاً إذا اقترن بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة؛ لدفع طهران إلى قبول حل دبلوماسي، وهذه هي الاستراتيجية التي استخدمها ترمب مع كوريا الشمالية في ولايته الأولى، على الرغم من تعثر الدبلوماسية في نهاية المطاف.

وليس من الواضح أي خيار سيختاره ترمب، الذي تحدَّث عن تجنب حرب عالمية ثالثة، والتوسط في صفقات مع طهران.

في حين أصرَّ ترمب على أنه يسعى إلى تجنب التصعيد الهائل في الشرق الأوسط، فإنه قال لمجلة «تايم»، في مقابلة نُشرت يوم الخميس، إن هناك فرصةً لأن تخوض الولايات المتحدة حرباً مع إيران، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن طهران خطَّطت لاغتياله، وقال: «أي شيء يمكن أن يحدث. إنه وضع متقلب للغاية».

ولم يقم بعض المسؤولين الجدد في الإدارة بعد بإبداء رأيهم الكامل في هذه القضية، وقد تتغير المقترحات المتعلقة بإيران مع تولي المسؤولين الحكوميين مناصبهم، وتوافر المعلومات السرية، وعقد المناقشات مع الحلفاء الإقليميين مثل إسرائيل.

والأمر الحاسم هو أن ترمب نادراً ما يخوض بعمق في التفاصيل المتعلقة بمسائل السياسة الخارجية حتى يتم تقديم خيارات نهائية له ويجب اتخاذ قرار، كما يقول مسؤولون سابقون في إدارة ترمب.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد إجراء 3 مكالمات مع ترمب، قال نتنياهو إنهما «يتفقان على التهديد الإيراني في جميع مكوناته، والخطر الذي يشكِّله».

وقال مسؤولون سابقون إن ترمب درس فكرة توجيه ضربات استباقية للبرنامج النووي الإيراني نحو نهاية ولايته الأولى، بعد وقت قصير من كشف المفتشين الدوليين عن نمو مخزون إيران من المواد النووية لكن ترمب، الذي كان من بين القادة الذين عارضوا بشدة، لم يعلق على هذا الأمر.

وبعد أن ترك منصبه، نفى منذ ذلك الحين أنه فكَّر في العمل العسكري بجدية، مدعياً أن كبار مساعديه وضعوا خطط حرب ودفعوه إلى تفويض ضربة.

وقال مساعدو ترمب والمقربون منه، الذين يدعمون الخيارات العسكرية لولايته الثانية، إن الفكرة الرئيسية ستكون دعم الضربات الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية؛ مثل «فوردو» و«أصفهان»، وربما حتى مشاركة الولايات المتحدة في عملية مشتركة.

ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

يقول كثير من المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين إن هناك شكوكاً كبيرة حول مدى نجاح إسرائيل في شن هجوم منفرد على المنشآت النووية الإيرانية، وبعضها مدفون عميقاً تحت الأرض.

ومع ذلك، يصرُّ بعض حلفاء ترمب على أن الأشهر الأولى من عودته إلى منصبه تُقدِّم له فرصةً نادرةً لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، بينما النظام في وضع ضعيف.

وفكرت إسرائيل لسنوات في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لكنها لم تفعل ذلك، جزئياً؛ بسبب الحذر الأميركي ضدها.

وفي عام 2012، حذَّرت إدارة أوباما نتنياهو من شن هجمات، بينما كانت إيران تبني برنامجها النووي قبل الاتفاق النووي لعام 2015. وقالت إدارة بايدن باستمرار إنها تسعى إلى حل دبلوماسي للتقدم النووي الإيراني.

ستكون المناقشات حول ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية مختلفًة هذه المرة.

وقال غابرييل نورونها، الذي عمل على ملف إيران في وزارة الخارجية خلال إدارة ترمب الأولى: «هناك دعم قوي لإسرائيل لاتخاذ إجراء عسكري كما تراه في مصلحتها، ولا تملك إيران مساحةً كبيرةً قبل أن تصل إلى الخطوط الحمراء لإسرائيل، ولا تزال تبدو عازمة على التصعيد أكثر».

ويقول المسؤولون في فريق ترمب إنهم ينوون فرض العقوبات الحالية وفرض عقوبات جديدة، بما في ذلك إعادة تصنيف الحوثيين المدعومين من طهران في اليمن «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً»، ومنع الدول التي تشتري النفط الإيراني من شراء الطاقة الأميركية.

لكن هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود أكثر من زيادة الضغوط الاقتصادية والمالية؛ لأن إيران «تحاول بنشاط قتل الرئيس ترمب، وهذا يؤثر بالتأكيد في تفكير الجميع عندما يتعلق الأمر بما ستكون عليه العلاقة في المستقبل».

وقدمت إيران للولايات المتحدة تأكيدات بأنها لن تغتال ترمب رداً على أمره الصادر في عام 2020 بقتل الجنرال قاسم سليماني، وهو العمل العسكري الأكثر عدوانية من قبل الولايات المتحدة ضد إيران منذ سنوات.

وأشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أنه منفتح على المحادثات الدبلوماسية مع إدارة ترمب المقبلة، التي تصرُّ على أنه لا يمكن مواجهة شبكة وكلاء طهران بالكامل ما لم يتم حرمان إيران من الموارد الاقتصادية والعسكرية. وقال مسؤول: «إنها رأس الأخطبوط. لن نحلَّ كل هذه القضايا حيث هي. سنحلها في كيفية تعاملنا مع طهران».

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

ويبدو أن الرئيس الإيراني الجديد يستجيب لرغبة ترمب في إبرام اتفاقات رفيعة المستوى، فقد كتب جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، في مجلة «فورين أفيرز»، الأسبوع الماضي: «بزشكيان يأمل في إجراء مفاوضات بشأن الاتفاق النووي... وربما أكثر».

ولكن النهج الدبلوماسي له عيوبه. يقول المسؤولون الإيرانيون إنهم لن يتفاوضوا مع الولايات المتحدة تحت الضغط، وأخبروا المسؤولين الأوروبيين في جنيف، الشهر الماضي، بأنهم لن يتخذوا أي خطوات أحادية الجانب لتقليص برنامجهم النووي.

وفقاً لتقديرات استخباراتية أميركية، صدرت الأسبوع الماضي، تمتلك طهران بالفعل ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج أكثر من 12 قنبلة نووية، وعلى الرغم من أن إيران لا تبني قنبلة حالياً، فإن التقرير قال إنها مستعدة بشكل أفضل للقيام بذلك بفضل الأبحاث التي أجرتها في الأشهر الأخيرة.

لقد أوضح المسؤولون الإيرانيون، منذ فترة طويلة، أن رد فعلهم على أي ضربة سوف يكون طرد مفتشي الأمم المتحدة، والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تلزم إيران بوقف برنامجها النووي.

والدولة الوحيدة التي فعلت ذلك هي كوريا الشمالية، التي بدأت في إنتاج الأسلحة النووية سراً، وهو المسار الذي لمَّحت طهران إلى أنها قد تسلكه.