أثارت أنباء متداولة على مدار الأسبوع الماضي عن إلغاء شركة «ميتا» (فيسبوك سابقاً) تعاقداتها السابقة مع عدد من ناشري الأخبار في الولايات المتحدة الأميركية، تساؤلات حول أسباب الإلغاء، وتأثيره على صناعة الأخبار. وفي حين قلل بعض الخبراء من شأن تأثير القرار على الصحف والمواقع الأميركية، شدد آخرون على «خطورة» الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للدخل والترويج للمحتوى الخبري.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية نشرت خلال الأسبوع الماضي أن شركة «ميتا» أخبرت «ناشري الأخبار»، بأنها «لن تدفع لهم بعد الآن لقاء نشر المحتوى الخاص بهم، ضمن باب الأخبار على (فيسبوك)». ونقل موقع «أكسيوس» عن ناطق باسم شركة ميتا قوله إن «معظم الناس لا يأتون إلى (فيسبوك) من أجل الأخبار. وكشركة تجارية، ليس من المنطقي الإفراط في الاستثمار بالمجالات التي لا تتوافق مع تفضيلات المستخدم».
تعليقاً على قرار شركة «ميتا»، قال رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرّب الإعلامي السوري العامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، إن القرار اتخذ بعدما عانت من تراجع في أرباحها. وأردف خلال تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «خدمة الأخبار ليست من الخدمات الأساسية التي يقدمها (فيسبوك)... ولكن مع ذلك سعت الشركة المالكة إلى توسيعها ودعمها، وهو ما أحاط سلوكها بالغموض من حيث زيادة الدعم أو التخفيف منه سواءً مالياً أو انتشاره جغرافياً». وتابع الغوري أن «الشركة دفعت خلال الفترة الماضية أكثر من 100 مليون دولار لمنتجي الأخبار حول العالم، قبل أن تقرر الامتناع عن تجديد عقودها مع الناشرين في أميركا».
بدوره يرجع إيهاب الزلاقي، رئيس التحرير التنفيذي لـصحيفة «المصري اليوم» اليومية الخاصة في مصر، الأسباب التي دفعت «فيسبوك» لتوقيع هذه الاتفاقيات، إلى «الضغوط على الشركة في مواجهة تزايد الأخبار الزائفة. وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «المنصة الزرقاء تعرضت لضغط شديد، خاصة إبان الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة، واتهمت بنشر الأخبار الزائفة، ولذا جاءت هذه الاتفاقات بهدف تخفيف حدة الضغوط، عبر التعاقد مع جهات إعلامية كبرى لها مصداقية في السوق».
وللعلم، وقعت شركة «ميتا» عام 2019 عقوداً بعشرات الملايين من الدولارات مع مؤسسات إخبارية أميركية مثل الـ«نيويورك تايمز» والـ«وول ستريت جورنال» والـ«واشنطن بوست». وحسب ما نشرته المواقع الأميركية تجاوزت قيمة الصفقات 100 مليون دولار، منها دفع «ميتا» بموجب الصفقة 20 مليون دولار لـ«نيويورك تايمز»، و10 ملايين دولار لـ«وول ستريت جورنال»، بجانب 3 ملايين دولار لشبكة «سي إن إن» التلفزيونية، كما وعدت الشركة «بعقد صفقات مماثلة مع صحيفة (الغارديان) ومجلة (الإيكونوميست) البريطانيتين عام 2020»، وفقاً لموقع «أكسيوس». إلا أن هذا الاهتمام تغير، ولن يصار إلى تجديد التعاقد مع نحو 50 ناشراً أميركياً. وفي هذا السياق نقلت «وول ستريت جورنال» الأميركية عن كامبل براون، نائبة رئيس شركة «ميتا» للشراكات الإعلامية، قولها إن «الشركة تتجه إلى تحويل الموارد بعيداً عن منتجاتها الإخبارية، لدعم المزيد من المبادرات الإبداعية».
عودة إلى الزلاقي الذي يرى أن «هذه الخطوة لن تؤثر على ناشري الأخبار في الولايات المتحدة، خاصة أن معظم من شملتهم الصفقات مؤسسات لها نماذج اقتصادية واضحة، تعتمد على اشتراكات الجمهور وليس على مواقع التواصل الاجتماعي». ويشير إلى أن «الصفقات التي عقدتها شركة ميتا كانت لمصلحتها أكثر مما كانت لمصلحة ناشري الأخبار في أميركا». كذلك يضيف الزلاقي أن «ميتا لم تواجه نفس الضغوط التي دفعتها إلى الدخول في هذه الصفقات، كما أنها بدأت تحول نموذجها الاقتصادي بشكل كامل نحو الميتافيرس، وبالتالي، فإن قرارها يبدو منطقياً».
إلا أن الغوري لا يوافق على ذلك، ويرى أن «إلغاء الصفقات سيؤثر على العاملين في هذا المجال، سواءً في إنتاج المحتوى الإخباري بجميع أشكاله، أو المواقع التي تعتمد على منصة (فيسبوك) في تحقيق عائدات بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال توجيه زوار المنصة إلى مواقعهم وتحقيق زيادة في عدد الزيارات وحجم الإعلانات». ويتوقع من «هذا التخفيض في الميزانية المخصصة للأخبار جعل الكبار يبتعدون عن هذه الصناعة، وهو ما يعطي الفرصة لمن يرضون بأجور أقل، أو أحياناً بالعمل المجاني كفرصة للظهور والانتشار... وهذا الأسلوب ربما يجر معه انخفاض في مستوى جودة الأخبار بل ومصداقيتها أيضاً».
جدير بالذكر هنا، أنه في بداية العام الماضي حظرت شركة «ميتا» على مستخدمي موقعها في أستراليا مشاركة واستعراض المحتوى الإخباري، رداً على قانون مقترح في أستراليا من شأنه أن يجعل عمالقة التكنولوجيا يدفعون مقابل المحتوى الإخباري. وكان موقف «ميتا» حينها أنه «لا ينبغي أن تدفع مقابل المحتوى الذي يضعه الناشرون طواعية، وينشرونه على منصاتها»، ولكن مع إقرار القانون في أستراليا «جرى إبرام الصفقة»، مما يعني أن هذه المدفوعات أصبحت جزءاً من التزامات «ميتا» في المنطقة. وبالعكس، بينما توقف «ميتا» دعمها للأخبار في أميركا، فإنها «ستحافظ على المدفوعات لناشري الأخبار في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا، حيث جرى تضمين هذه المدفوعات في القوانين»، بحسب موقع «سوشيال ميديا توداي».
عربيا الوضع مختلف، كما يقول الزلاقي، «فالمواقع العربية لم تدخل في صفقات مشابهة، بل تعتمد على العائدات من فيديوهات البث المباشر، أو مشاركة عائدات الإعلانات للمواضيع المنشورة على المنصة مباشرة». ويضيف أن «فيسبوك يتعامل مع المواقع العربية كمنتج محتوى، وهو ما يجعلها لا تتأثر بمثل هذه الصفقات... وإن كانت هذه المواقع تظل تحت رحمة المنصة الزرقاء، التي يمكن أن تغير سياستها بين لحظة وأخرى، وتقلل أو تزيد العائدات»، مطالباً المواقع العربية بأن «تغيّر نماذجها الاقتصادية أسوة بما هو معمول به في المواقع الأميركية الكبرى». ويدعم الغوري هذا الرأي بقوله إن سياسة «ميتا» في التقشف بعد إنفاقها الكثير من الأموال على مشروع الميتافيرس تعطي انطباعاً أنه «متجه نحو إيقاف كل الخدمات التي لا تشكل موارد رابحة».
وحقاً، يشير ديمون كيسو، الأستاذ بكلية الصحافة في جامعة ميسوري الأميركية، إلى «خطورة» الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الاعتماد على زيادة الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي يضع صناع الأخبار في خطر، في ظل انعدام التوافق بين رسالة الإعلام، ورسالة عمالة التكنولوجيا، لذلك يتوجب على الصحافيين الحذر عند الدخول في مثل هذه الشراكات».
أخيراً، نشير إلى أنه في منتصف العام الماضي لدى إطلاق «ميتا» نشرتها الإخبارية، اعتبرت الشركة أنها «تهدف إلى دعم الصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين». وأوضحت كامبل براون، في بيان صحافي أصدرته بهذا الشأن، أن «فيسبوك تريد دعم الصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين على تسهيل عملهم، ولذا سنطلق في الولايات المتحدة منصة جديدة لتقوية الصحافيين المستقلين ومساعدتهم على الوصول للجماهير، وتنمية هذا الجمهور، وسنبدأ العمل من خلال شراكات مع عدد محدود من الصحافيين المستقلين». واليوم، يقدر المراقبون خسائر «ميتا» من الاستثمار في «الميتافيرس» بنحو 2.8 مليار دولار.
إلغاء تعاقدات «ميتا» مع «ناشرين»... بين «تراجع» الأخبار ودعم المبدعين
إلغاء تعاقدات «ميتا» مع «ناشرين»... بين «تراجع» الأخبار ودعم المبدعين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة