العقيدة البحرية الروسية لدولة قارية

العقيدة البحرية الروسية لدولة قارية
TT

العقيدة البحرية الروسية لدولة قارية

العقيدة البحرية الروسية لدولة قارية

منذ الحرب بين إسبارطة وأثينا، يتحدث المفكرون الاستراتيجيون عن الصراع الدائم بين قوى البر وقوى البحر. لكن المشترك بين هاتين القوتين، أنهما قوى إمبريالية استعمارية، وبامتياز. فالقوة البحرية تعبر البحار لاستعمار بلدان بعيدة، كما حصل عقب الثورة الصناعية في أوروبا، بسبب الحاجة إلى المواد الأولية. أما القوة البرية فهي تستعمر محيطها المباشر لخلق مناطق عازلة تحميها من قوى برية أخرى، أو حتى حمايتها من القوى البحرية. وعليه، تبدأ النظريات الجيوسياسية في الظهور، مثل نظرية الإنجليزي هالفورد ماكندر حول «قلب العالم الأوراسي»، أو نظرية الأميركي نيكولا سبياكمان حول «الريملاند» الذي يطوق قلب العالم. وانطلاقاً من النظريات الكبرى أعلاه، تظهر عقائد استراتيجية «Strategic Doctrine» لكل دولة. فماذا يعني هذا الأمر؟

- العقيدة الاستراتيجية
تعالج العقيدة الاستراتيجية المتغيرات ضمن الثوابت، وتتأقلم معها. والثابت عادة هو الجغرافيا، والثقافة الاستراتيجية والتاريخ الذي أنتجها. وتُوجه العقيدة رسالة لمن يعنيهم الأمر، وعادة هم الأعداء والمنافسون. وتُحدد العقيدة السلوك المعتمد لتحقيق الأهداف القومية، كما ترسم في الوقت نفسه الخطوط الحُمر للأعداء. ولتحقيق الأهداف، هناك دائماً الحاجة إلى الوسائل اللازمة، والتي بدورها تنتج الاستراتيجية.
على سبيل المثال، شكّل الكتاب الأبيض الإنجليزي العام 1939 «White Paper» سياسة بريطانيا تجاه فلسطين ومسألة قيام دولة فلسطينية، وغيرها من الأمور.
في العام 1980، أصدر الرئيس كارتر عقيدته بعد سقوط شاه إيران، وحدّد فيها أهمية منطقة الخليج للولايات المتحدة الأميركية. وفي العام 1999، أطلق يفغني بريماكوف، رئيس وزراء روسيا السابق، عقيدته عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، والتي تدعو إلى قيام مثلث من الدول يتألف من روسيا، الصين والهند، للتوازن مع أميركا.

- العقيدة البحرية الروسية
وقّع الرئيس بوتين عقيدة القوات البحرية الروسية منذ أيام، وأرسل فيها الكثير من الرسائل. ففيها حدد مصدر المخاطر على الأمن القومي الروسي، والتي تأتي من أميركا وحلف «الناتو» بالتحديد. كما أعلن عن الوسائل المتوافرة لهذه البحرية، ألا وهي صواريخ «زيركون»الفرط صوتية. واتهم الرئيس بوتين أميركا بالسعي الدائم للسيطرة على البحار. لكن، نسي الرئيس بوتين أن أميركا بلد بحري، يطل على محيطين هما الأطلسي والهادي. ونسي أن الرئيس جورج واشنطن قال مرة، إن أميركا دون قوة بحرية لا قيمة لها. ونسي الرئيس بوتين أن تجربة البحرية الأميركية في الحرب العالمية الثانية تعطيها الأفضلية على كل القوى البحرية لكل المنافسين، وضمناً روسيا. ونسي الرئيس بوتين أن أميركا تملك 11 حاملة طائرات، وأساطيلها موزعة على كل أرجاء المياه والمحيطات. لكن الرئيس بوتين لم ينس الهزيمة البحرية الروسية (تسوشيما) في المحيط الهادي ضد اليابان العام 1905. كذلك الأمر، لم ينسَ بوتين رفض بريطانيا آنذاك السماح للأسطول البحري الروسي بالمرور عبر قناة السويس للذهاب إلى شرق آسيا لتعزيز الأسطول الروسي هناك؛ الأمر الذي اضطر الأسطول الروسي إلى الدوران حول أفريقيا. وحين وصل كانت الحرب قد انتهت بخسارة مدوية.

- إذن، لماذا العقيدة الروسية اليوم، ولماذا رفع التحدي؟
• لا تكتمل صورة القوة العظمى التي يسعى لها بوتين إلا باستكمال البُعد العسكري البحري. صحيح أن روسيا بلد قاري، وصحيح أنها كانت تسعى دائماً للوصول إلى المياه الدافئة. ويرى الرئيس بوتين، أن الفرصة اليوم مع التحولات الكبرى في العالم، هي فرصة مناسبة لوضع حجر الأساس للبحرية الروسية.
• يريد الرئيس بوتين قاعدة في البحر الأحمر على شواطئ السودان. فهل سيُسمح له بذلك، خاصة بعد تحديد الرئيس بايدن أهمية البحر الأحمر للاستراتيجية الأميركية، خاصة في مقاله في الـ«واشنطن بوست» قبيل زيارته للمملكة العربية السعودية؟
• من الطبيعي أن يكون لروسيا عقيدة بحرية، فهي تطل على 12 بحراً، وأهمها: البحر الأسود، بحر البلطيق، بحر قزوين، وبالواسطة من سوريا على البحر المتوسط. كما تطل على 3 محيطات، أهمها الهادي والمتجمد الشمالي.
• إن طول الشواطئ البحرية الروسية هو ما يقارب 37650 كلم.
وإذا تجسّد تهديد التغيير المناخي، فقد تتحول روسيا إلى بلد بحري بامتياز، خاصة في المحيط المتجمد الشمالي... لكن كيف؟
• ستصبح طريق الشمال البحرية الروسية هي طريق تجارة الغرب مع الشرق؛ لأنها أقصر وأقل كلفة. فالمسافة من روتردام إلى اليابان لا تزيد على 11500 كلم (23 يوماً) عبر طريق الشمال البحرية، مقابل 23000كلم عبر قناة السويس (35 يوماً).
• من الطبيعي أن يُصدر الرئيس بوتين هذه العقيدة. فالتوقيت مهم جداً له، خاصة على الصعيد الداخلي. فحربه متعثرة في أوكرانيا، وهو معزول تقريباً عالمياً.
• وعندما يعلن هذه العقيدة، فإنما هو يتموضع في لعبة السيطرة على البحار، ، وذلك في وجه التحالفات البحرية الأميركية، خاصة الأوكوس (AUKUS).
• لكن التحدي الأكبر لعقيدة الرئيس بوتين هو كيفية الاستمرار في التصنيع العسكري للأسلحة المتطورة في ظل العقوبات والحظر على روسيا، خاصة التكنولوجيا المتعلقة بالشرائح الذكية. وأيضاً، سيكون التحدي الأكبر في كيفية تأمين الإنفاق المالي على الدفاع، مع اقتصاد يعاني، وهو أقل من الدخل القومي لولاية نيويورك الأميركية (1.9 تريليون لنيويورك مقابل 1.5 تريليون لروسيا).


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».