الأنبار.. بوابة «داعش» إلى العراق

التنظيم المتطرف استغل اعتصامات أهلها ضد المالكي لبسط سيطرته

مقاتلون من أبناء العشائر يحملون أسلحة خفيفة في الرمادي لم يستطيعوا الصمود أمام هجوم {داعش} ({الشرق الأوسط})
مقاتلون من أبناء العشائر يحملون أسلحة خفيفة في الرمادي لم يستطيعوا الصمود أمام هجوم {داعش} ({الشرق الأوسط})
TT

الأنبار.. بوابة «داعش» إلى العراق

مقاتلون من أبناء العشائر يحملون أسلحة خفيفة في الرمادي لم يستطيعوا الصمود أمام هجوم {داعش} ({الشرق الأوسط})
مقاتلون من أبناء العشائر يحملون أسلحة خفيفة في الرمادي لم يستطيعوا الصمود أمام هجوم {داعش} ({الشرق الأوسط})

لم يكن يعلم مئات الآلاف من أبناء الأنبار أن خروجهم للتظاهر ومن ثم الاعتصام ونصب الخيام وقطع الطريق الدولي السريع الذي يربط بغداد بسوريا والأردن للمطالبة بإسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الطائفية سيستغله تنظيم داعش للتسلل إلى مدن المحافظة. وجاءت الفرصة السانحة للتنظيم المتطرف أوائل العام الماضي عندما تدخلت القوات الحكومية وبأمر من القائد العام للقوات المسلحة (المالكي) وأحرقت خيام المعتصمين، وبعدها داهمت منزل النائب وأحد قادة الاعتصامات أحمد العلواني في منطقة البو علوان وسط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، واقتاده إلى بغداد بعد قتل شقيقه.
كل هذه التطورات جعلت تنظيم داعش يترك صحراء الأنبار، التي دخلها عن طريق سوريا وأرسى فيها قواعده ومعسكرات لتدريب مقاتليه، والاتجاه صوب مدن المحافظة وكسب تعاطف الأنباريين الرافضين لسياسات المالكي.
وفعلاً ومع مطلع عام 2014 كان الظهور الأول لتنظيم داعش في العراق في مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) خلال استعراض عسكري لقواته، وسرعان ما أصبحت الفلوجة أول مدينة عراقية يسيطر عليها التنظيم المتطرف.
وبعد سيطرته على الفلوجة، أعلن تنظيم داعش الحرب لإقامة ما يسمى «دولة الخلافة» وشن مسلحوه هجومًا واسعًا على معظم بلدات ومدن الأنبار القريبة من الحدود السورية، وكذلك تلك القريبة من بغداد في محاولة كانت تهدف إلى عزل محافظة الأنبار واقتلاعها بشكل كامل من السيطرة الحكومية ومحاصرة القوات داخلها. وفعلاً سيطر مسلحو التنظيم على مدن القائم والرطبة وحصيبة أمام تقهقر واضح وانسحاب مريب من جانب القوات العراقية.
وأعقب ذلك تمدد المسلحين من غرب الأنبار شرقًا ليسيطروا على بلدات قريبة من بغداد، ومنها الكرمة وأجزاء من ناحية عامرية الفلوجة. وبين القائم على الحدود السورية وعامرية الفلوجة على الأطراف الغربية لبغداد أن التنظيم استولى على مدن عانه وراوة في يونيو (حزيران) الماضي، وهيت في أكتوبر (تشرين الأول). بعدها ركز «داعش» اهتمامه على أطراف مدينة الرمادي فسيطر على مناطق الجزيرة وأحياء التأميم والقادسية ومنطقة الخمسة كيلو واستقرت قواته فيها وبدأ بشن كثيرا من الهجمات على مركز المدينة الذي يضم المجمع الحكومي لمحافظة الأنبار إلى أن سيطر عليها بالكامل منتصف الشهر الماضي، تاركا خمس مدن فقط من أصل 41 مدينة في المحافظة تحت سيطرة القوات الحكومية وهي حديثة والبغدادي والنخيب وعامرية الفلوجة والحبانية. ونظرا لأن مناطق «داعش» تفصل بين هذه البلدات، فإن التنقل في ما بينها يتم عبر جسر جوي تقوم السلطات العراقية بنقل المواد الغذائية والطبية والتجهيزات العسكرية عبره بين فترة وأخرى. أما الطريق البري الدولي السريع الرابط بين العراق وسوريا والأردن، فهو يقع تحت سيطرة مسلحي تنظيم داعش الذي يستولى على الشاحنات التي تنقل مواد للحكومة العراقية، ويأخذ من سائقي الشاحنات التي تنقل البضائع والمواد الغذائية للتجار العراقيين، ضريبة دخول.
وفتح التنظيم المتطرف في الأنبار معسكرات للتدريب واستقبال المقاتلين والمتطوعين الأجانب القادمين عبر سوريا إلى العراق. كما فتح طرقا برية تربط الأنبار بمحافظتي صلاح الدين ونينوى لتسهيل انتقال مسلحيه.
ويعد سقوط مدينة الرمادي بيد مسلحي تنظيم داعش الضربة الأقوى التي تلقتها حكومة بغداد منذ هجومه الكاسح قبل سنة، بل كان سقوط مدينة الرمادي أشد وقعًا من احتلال الموصل كون الرمادي تحتوي على سدود ونواظم تتحكم بسير نهر الفرات الذي يمر عبر أراضي ومدن الأنبار لمسافة تزيد على 500 كيلومتر قبل أن يتجه النهر ليروي محافظات جنوب العراق.
وأتاح اجتياح مسلحي تنظيم داعش لمدينة الرمادي السيطرة على ثلاثة سدود ليضم المياه إلى ترسانته الحربية، فقد أغلق التنظيم بوابات تلك السدود مما منع تدفق مياه نهر الفرات إلى مناطق شرق الرمادي ومدن الجنوب وتسبب بهلاك وتجفيف مساحات زراعية شاسعة ودق ناقوس الخطر بإعلان مناطق في الجنوب، خصوصا أهوار الناصرية، مناطق منكوبة.
سكان في مدن الأنبار قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنهم فقدوا ثقتهم بقدرات الجيش العراقي باستعادة مناطقهم ومدنهم من مسلحي تنظيم داعش خصوصا بعد الانهزامات المتكررة لقوات الجيش أمام المسلحين وتسليمهم مدن بكاملها دون مقاومة تذكر كانت بدايتها في الموصل وآخرها في الرمادي بعد أن انسحبت قوات النخبة قبل دخول المسلحين بساعات.
من جانبها، تشكو الحكومة المحلية في الأنبار ومجلسها من عدم جدية الحكومة المركزية في الدفاع عن الأنبار ورفضها تسليح أبناء الأنبار ومقاتلي العشائر وتجهيزهم بالسلاح من أجل محاربة تنظيم داعش وطرده من المدن التي سيطر عليها، إضافة إلى عدم جدية وفاعلية الضربات الجوية لطيران التحالف الدولي التي لم تغير شيئا على أرض الواقع.
ويختصر فالح العيساوي، نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، لـ«الشرق الأوسط» ما يجري في المحافظة بأنه «مخطط إقليمي مخابراتي دولي لتقسيم المنطقة، والحكومة العراقية على علم بهذا المخطط الذي سيغير حتمًا من خارطة وحكام المنطقة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.