مساعدات أميركية بقيمة 270 مليون دولار وصواريخ «هيمارس» تغيِّر من وتيرة الحرب في دونباس

سوليفان: الفجوة بين قدرات روسيا العسكرية وأهدافها في أوكرانيا تتزايد كل شهر

قاذفة صواريخ «هيمارس» الأميركية (أ.ف.ب)
قاذفة صواريخ «هيمارس» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

مساعدات أميركية بقيمة 270 مليون دولار وصواريخ «هيمارس» تغيِّر من وتيرة الحرب في دونباس

قاذفة صواريخ «هيمارس» الأميركية (أ.ف.ب)
قاذفة صواريخ «هيمارس» الأميركية (أ.ف.ب)

يؤكد مسؤولون دفاعيون أميركيون، أن القوات الأوكرانية، تمكنت في الأيام والأسابيع الأخيرة، بعد استخدامها الناجح لمنظومات «هيمارس» الصاروخية، من استهداف أكثر من 100 هدف عسكري روسي «عالي القيمة». ويؤكد هذا الإعلان، ادعاءات سابقة للجيش الأوكراني، عن استهداف مواقع روسية، كان عددها أقل. وقال مسؤول دفاعي كبير، مساء الجمعة، إن أوكرانيا قصفت بالفعل أكثر من 100 هدف عسكري، بما في ذلك مواقع القيادة، ومستودعات الذخيرة، ومواقع الدفاع الجوي، والرادار وعقد الاتصالات، ومواقع المدفعية بعيدة المدى. في هذا الوقت، قال جون كيربي منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي، إن الولايات المتحدة قدمت حزمة جديدة بقيمة 270 مليون دولار، تشمل أربعة أنظمة صواريخ «هيمارس»، ما يرفع عددها إلى 16. وتتضمن الحزمة أيضاً 36 ألف طلقة من الذخيرة لمدافع الهاوتزر، وما يصل إلى 580 طائرة من دون طيار من طراز «فينيكس غوست»، ما يرفع قيمة المساعدات الأميركية الإجمالية إلى 8.2 مليار دولار حتى الآن. وقال كيربي إن إمداد أوكرانيا بالأسلحة، «هو عملية مستمرة»، وتتم «في الوقت الفعلي تقريباً، حيث نواصل متابعة الأحداث في ساحة المعركة والتحدث مع الأوكرانيين حول ما يحتاجون إليه». ويطالب المسؤولون الأوكرانيون بالعشرات من أنظمة «هيمارس» لمساعدتهم في شن هجوم مضاد على القوات الروسية. غير أن كيربي امتنع عن ذكر الحد الأقصى الذي ستقدمه الولايات المتحدة من تلك المنظومات، علماً بأن رئيس أركان القوات الأميركية الجنرال مارك ميلي، كان قد أشار قبل يومين إلى احتمال أن يصل العدد قريباً إلى 20 منظومة. وقال كيربي: «كما سمعتني أقول مرات كثيرة، نحن في حوار دائم مع الأوكرانيين، كل يوم تقريباً على مستويات مختلفة في التسلسل القيادي، ونتحدث عن احتياجاتهم من القدرات حتى نتمكن من الاستجابة قدر الإمكان».
وأشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالمساعدة العسكرية الأميركية الجديدة، ممتدحاً دور منظومات «هيمارس» في تغيير مسار الحرب في إقليم الدونباس، من خلال عمليات التسليم المقبلة للمزيد من الصواريخ والمركبات والطائرات من دون طيار. وذكر زيلينسكي في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، السبت: «أشكرك أيها الرئيس بايدن على حزمة المساعدات الدفاعية الجديدة لأوكرانيا. الأسلحة القوية، ذات الأهمية الحاسمة، ستنقذ أرواح جنودنا وتسرع من تحرير أرضنا من المعتدين الروس. أنا أقدّر الصداقة الاستراتيجية بين بلدينا. معاً لتحقيق النصر!».
من جانبها، حذرت روسيا أميركا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) من أن إمداد الأسلحة لأوكرانيا لن يؤدي إلا لإطالة أمد الحرب.
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي يوم الجمعة، خلال مشاركته في منتدى «آسبن» الأمني: «إن الفجوة بين القدرات العسكرية الروسية وأهدافها في أوكرانيا، تتزايد مع مرور كل شهر». وأضاف أن الفضل يعود إلى كل من الأوكرانيين، و«الكم الهائل من الأسلحة المتطورة والتدريب عليها التي قدمتها الدول الغربية». وقال سوليفان إنه لو كان مسؤولاً أوكرانياً كبيراً، فإنه سيطلب المزيد من الأسلحة لبلده، كما فعل الرئيس زيلينسكي وإدارته. وقال: «من لن يكون وطنياً لبلده؟»، «هذه هي وظيفتهم». وأكد سوليفان أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة لديها «نقص في الإمداد» لأوكرانيا.
في هذا الوقت، قال مسؤول دفاعي أميركي كبير، إن القوات الأوكرانية، نجحت في الضغط على القوات الروسية، التي تكبدت ما لا يقل عن 15 ألف قتيل عسكري منذ فبراير (شباط)، وتعاني من مئات القتلى والجرحى كل يوم، وفقاً لتقديرات أميركية وغربية. وكشف المسؤول الدفاعي للصحافيين مساء الجمعة، أن تلك الخسائر تشمل مقتل آلاف الضباط من رتب عدة والكثير من الجنرالات. وأكد أن أوكرانيا قصفت بالفعل أكثر من 100 هدف عسكري روسي «عالي القيمة»، بما في ذلك مواقع القيادة، ومستودعات الذخيرة، ومواقع الدفاع الجوي، والرادار وعقد الاتصالات، ومواقع المدفعية بعيدة المدى. وقال إنه بينما تواصل روسيا إطلاق آلاف القذائف المدفعية يومياً، فإن موسكو «لا تستطيع الاستمرار في ذلك إلى الأبد»، بعدما زجّت بنحو 85 في المائة من جيشها في الحرب، وتركت مناطق أخرى من روسيا من دون قوات عسكرية. وأضاف: «لقد استهلكوا الكثير من ذخائرهم الأكثر ذكاءً... قدراتهم تزداد غباءً». وفيما تكرر روسيا القول إنها تمكنت من تدمير بعض منظومات «هيمارس»، أكد المسؤول أن القوات الروسية لم تتمكن حتى اليوم من إصابة أي منظومة صاروخية من طراز «هيمارس»، (التي تتمتع بقدرة تحرك وهروب عالية)، على الرغم من أنه «من المحتمل أن يحالفهم الحظ، ويفعلوا ذلك في مرحلة ما». وأضاف أن البنتاغون يرى مؤشراتٍ على أن الجيش الروسي يحاول التكيف مع الهجمات الأوكرانية، للتخفيف من قدرة الجيش الأوكراني على الهجوم، عبر تحريك قواته بشكل متكرر واستخدام التمويه لإخفاء الوحدات والأسلحة. ورغم ذلك، قال إن تأثير هذه التكتيكات «لا يبدو جيداً... نحن نعلم من الطريقة التي يقاتل بها الروس أنهم بحاجة إلى شخص ما ليخبرهم بما يجب عليهم فعله، وعندما تكون قادراً على قتل الشخص الذي يعطيك الأوامر، يمكنك منعهم أيضاً من مواصلة الحرب»، في إشارة إلى عمليات التمرد التي تحصل في الكثير من الوحدات الروسية التي يرفض أفرادها مواصلة القتال. وكرر المسؤول الدفاعي تأكيدات المسؤولين الأميركيين، الذين أشاروا إلى أن صواريخ «هيمارس» ليست حلاً عجائبياً، وليست «رصاصة فضية»، ستقلب موازين المعركة، لكنها تجعل من الصعب على روسيا القيام بعمليات هجومية، فيما المعلومات تشير إلى أنها بدأت حفر الخنادق في مكان تموضعها، ما يشير إلى أن الهجوم قد لا يتواصل. وقال المسؤول إن روسيا لم تحقق مكاسب كبيرة الأسبوع الماضي، وإن القوات الأوكرانية بدأت في استعادة أجزاء من بعض القرى حول مدينة خيرسون الجنوبية، التي استولت عليها روسيا في الأيام الأولى من الحرب. وأضاف أنه تجري مناقشات مع الحلفاء حول كيفية إمداد أوكرانيا بطريقة مستدامة وطويلة الأجل، بما فيها تقديم الطائرات، الأمر الذي كان قد أشار إليه رئيس أركان القوات الجوية الأميركية الجنرال تشارلز براون، قبل أيام.
وكتبت المخابرات العسكرية البريطانية في تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، السبت: «تسببت الضربات الأوكرانية الإضافية في إلحاق المزيد من الأضرار بجسر (أنتونيفسكي) الرئيسي، على الرغم من أن روسيا أجرت إصلاحات مؤقتة. واعتباراً من الجمعة كان من شبه المؤكد أنه مفتوح لبعض حركة المرور». وتابعت المخابرات: «لم يكن من الممكن التحقق من مزاعم المسؤولين الأوكرانيين بأن روسيا تستعد لبناء جسر عائم عسكري بديل عبر نهر دنبرو»، وأضافت المخابرات: «يعطي الجيش الروسي أولوية للحفاظ على قدرته العسكرية الخاصة بالجسور، لكن محاولةً لبناء معبر على نهر دنبرو ستكون عملية محفوفة بمخاطر عالية للغاية».


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

أصدرت محكمة فيدرالية أميركية، الخميس، حكماً يدين 4 أعضاء من جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، أبرزهم زعيم التنظيم السابق إنريكي تاريو، بتهمة إثارة الفتنة والتآمر لمنع الرئيس الأميركي جو بايدن من تسلم منصبه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام دونالد ترمب. وقالت المحكمة إن الجماعة؛ التي قادت حشداً عنيفاً، هاجمت مبنى «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، لكنها فشلت في التوصل إلى قرار بشأن تهمة التحريض على الفتنة لأحد المتهمين، ويدعى دومينيك بيزولا، رغم إدانته بجرائم خطيرة أخرى.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

أدانت محكمة أميركية، الخميس، 4 أعضاء في جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، بالتآمر لإثارة الفتنة؛ للدور الذي اضطلعوا به، خلال اقتحام مناصرين للرئيس السابق دونالد ترمب، مقر الكونغرس، في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وفي محاكمة أُجريت في العاصمة واشنطن، أُدين إنريكي تاريو، الذي سبق أن تولَّى رئاسة مجلس إدارة المنظمة، ومعه 3 أعضاء، وفق ما أوردته وسائل إعلام أميركية. وكانت قد وُجّهت اتهامات لتاريو و4 من كبار معاونيه؛ وهم: جوزف بيغز، وإيثان نورديان، وزاكاري ريل، ودومينيك بيتسولا، بمحاولة وقف عملية المصادقة في الكونغرس على فوز الديمقراطي جو بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترمب، وفقاً لما نق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الأربعاء، انتقادات لقرار الرئيس جو بايدن، عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك خلال جولة يجريها الملياردير الجمهوري في اسكتلندا وإيرلندا. ويسعى ترمب للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل، ووصف قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج ملك بريطانيا بأنه «ينم عن عدم احترام». وسيكون الرئيس الأميركي ممثلاً بزوجته السيدة الأولى جيل بايدن، وقد أشار مسؤولون بريطانيون وأميركيون إلى أن عدم حضور سيّد البيت الأبيض التتويج يتماشى مع التقليد المتّبع بما أن أي رئيس أميركي لم يحضر أي مراسم تتويج ملكية في بريطانيا. وتعود آخر مراسم تتويج في بري

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

هناك شعور مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والاكتئاب والسكري والوفاة المبكرة والجريمة أيضاً في الولايات المتحدة، وهو الشعور بالوحدة أو العزلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

TT

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)
يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)

قوبل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد بتصريحات أميركية مرحبة ومحذرة في الوقت نفسه. فهذه اللحظة التي انتظرها الأميركيون كثيراً وعملوا عليها من خلال تطويق الأسد ومحاصرته بالعقوبات والضغوطات الاقتصادية والسياسية، فاجأتهم بتطوراتها المتسارعة، وخاصة أنها حصلت على يد تنظيم مدرج على لوائح الإرهاب الأميركية، وهو «هيئة تحرير الشام»، وزعيمها أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بأحمد الشرع، والذي وضعت أميركا مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يتقدم بمعلومات عنه. بالمقابل، يقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب محذراً: «سوريا ليست معركة الولايات المتحدة، ولا يجب أن تتدخل فيها»، في موقف سلّط الضوء مجدداً على أسلوبه المختلف في إدارة الأزمات.

يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، كيفية تعامل إدارة بايدن مع الأمر الواقع في سوريا، وما إذا كانت سترفع «الهيئة» من لوائح الإرهاب، بالإضافة إلى توجهات إدارة ترمب المقبلة، وما إذا كان سينفذ وعوده السابقة بسحب القوات الأميركية من هناك.

سقوط صادم

فاجأ السقوط السريع لنظام الأسد الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

فاجأ سقوط الأسد السريع الكثيرين في واشنطن، كالسفير الأميركي لدى سوريا والإمارات ثيودور قطّوف الذي أعرب عن صدمته حيال مجريات الأحداث وتسارعها، مشيراً إلى أنه على الأرجح أن «هيئة تحرير الشام» لم تتوقع أيضاً أن تحقق هذا النوع من النجاح بهذه السرعة. ويعتبر قطّوف أن ما جرى أثبت «ضعف الأسد وعدم ولاء قواته العسكرية والأمنية».

من ناحيته، وصف السفير الأميركي السابق لدى البحرين ونائب المبعوث السابق للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» ويليام روبوك، سقوط الأسد بـ«التحول الصادم والمثير للدهشة». واعتبر روبوك أن رفع الغطاء الإيراني والروسي عن الأسد تركه «مكشوفاً وضعيفاً جداً»، مشيراً إلى أن «هيئة تحرير الشام» بدأت بهذا الهجوم في البداية على أنه هجوم صغير في حلب، ثم حققت نجاحاً تلو الآخر. وأضاف: «حتى قبل يوم أو يومين من سقوط دمشق، كان البعض يعتقد أنه قد تمر أسابيع، لا بل شهور، على السيطرة عليها، غير أن الأمر حدث في يوم واحد فقط».

الأسد وبوتين في اجتماع بالكرملين يوم 24 يوليو 2024 (رويترز)

ويقول الكولونيل أنتوني شافر المسؤول الاستخباراتي السابق في وزارة الدفاع الأميركية ومستشار حملة ترمب السابقة، إن سبب الأحداث المتسارعة يعود إلى تحييد العنصرين الأساسيين في الدفاع عن الأسد، وهما «حزب الله» وروسيا؛ ما أدى إلى «بقاء جيش غير فعال وهزيل تحت إمرته انهار بسرعة فائقة». لكن شافر يسلّط الضوء في الوقت نفسه على الدور التركي، وتحديداً دور الرئيس رجب طيب إردوغان، مشيراً إلى أنه «رأى فرصة مع خسارة دعم روسيا وتراجع قوة (حزب الله) كوسيلة لاستعادة نفوذ تركيا». وأضاف: «السؤال الآن: ماذا نفعل حيال تركيا؟ فتركيا حليف في (الناتو)، لكنها غالباً ما تعمل باستقلالية ومن دون اعتبار للمصالح الأميركية. وبرأيي، هذا ما حصل هنا».

القوات الأميركية ومصير «قسد»

مقاتل من «قوات سوريا الديمقراطية» في مطار القامشلي يوم 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يشدد قطّوف على الدور الكبير الذي لعبته تركيا في الأحداث، مشيراً إلى وجود «همّين رئيسين لإردوغان» هما «أولاً عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والذين يبلغ عددهم 3 ملايين لاجئ، وهذه مسألة سياسية محلية تشكل ضغطاً هائلاً على إردوغان. وثانياً بالطبع تزايد سلطة الأكراد في شرق سوريا لدرجة تقلقه، وهو الآن قادر على مواجهتهم».

ومع تزايد الحديث عن احتمال سحب ترمب القوات الأميركية البالغ عددها نحو 900 عنصر في شمال شرقي سوريا، يعرب قطّوف عن قلقه حيال مصير حلفاء الولايات المتحدة الأكراد، مضيفاً: «أخشى أننا سنتخلّى مرة أخرى عن حلفائنا الأكراد الذين تم التخلي عنهم مرات عديدة من قبل إدارات عديدة، من ضمنها إدارة هنري كيسنجر في سبعينات القرن الماضي».

ويشارك روبوك الذي عمل عن قرب مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في إدارة ترمب الأولى، هذا القلق، مشدداً على أنهم كانوا «شركاء قيّمين وتحملوا الكثير من الخسائر». وأضاف: «أنا قلق حيال توجه قرار الولايات المتحدة. أعتقد أن تركيا تقود الوضع حالياً، والولايات المتحدة تتمتع بعلاقة قريبة لكن صعبة مع تركيا من بعض النواحي، وأنا لست متأكداً أننا سنكون حازمين وأقوياء بما فيه الكفاية في إيصال رسالتنا إلى تركيا، ومفادها أننا نريد الحفاظ على أمان هذه القوة لكي تستمر بالقتال ضد (داعش) في شمالي شرقي سوريا». وأشار روبوك إلى أن «تركيا تملك نفوذاً كبيراً في الوقت الحالي، وهذا ما يضع الأكراد في موقف صعب». ويتحدث شافر عن المسألة الكردية فيصفها بـ«المعقدة جداً»، ويضيف: «ليس من العدل أن يتم استخدامهم كحليف رئيس وشريك قتال فعال، ثم يتم تجاهلهم مجدداً». لكن شافر الذي عمل مستشاراً لترمب يرجح أن الرئيس المنتخب سيعيد تقييم الدور الأميركي في سوريا، وسيعيد النظر في قواعد القوات الأميركية من حيث التكلفة، مشيراً إلى أنه سينظر كذلك في احتمال «تنفيذ المهمة من القاعدة الأميركية في أربيل وفي الأردن».

عودة «داعش»؟

مسلح من الفصائل يقف أمام الجامع الأموي في دمشق يوم 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

ويحذر الكثيرون من أن سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا سيعني عودة تنظيم «داعش». ويتوقع روبوك الذي لعب دوراً أساسياً في مكافحة التنظيم في إدارة ترمب، أن «يعود التنظيم». ويضيف: «عندما يزول الضغط أعتقد أن الفوضى والاضطرابات في سوريا ستكون مثل الأكسجين لـ(داعش). إن (هيئة تحرير الشام) هي الخصم الآيديولوجي لـ(داعش)، لكن لا أراهم قادرين على مواجهة هذا التحدي في الأشهر المقبلة».

ويشكك روبوك في أن تتمكن «قوات سوريا الديمقراطية» من التصدي لـ«داعش» أو البقاء في حال انسحاب الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة بقاء هذه القوات في عهد ترمب.

من ناحيته، يتحدث شافر عن تحدٍّ آخر يواجه الولايات المتحدة، وهو سجناء «داعش» في سوريا والذين يصل عددهم إلى قرابة 50 ألفاً، بحسب تقييم للسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، فيقول: «سنضطر إلى مواجهة هذه القضية مباشرةً، وهو ما لم ترغب إدارة بايدن في التعامل معه. فهناك مشاكل متعلقة بالاحتجاز غير المحدود، والتي يجب أن نجد حلاً لها، وهي (مشاكل) مشابهة للنقاش المرتبط بـ(غوانتنامو)».

الجولاني ولوائح الإرهاب

الجولاني في صورة أرشيفية له في 28 يوليو 2016 عندما كان زعيماً لـ«جبهة النصرة» (أ.ف.ب)

وفي ظل تطورات الأحداث وسيطرة زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بأحمد الشرع، على المشهد، يدعو روبوك إلى رفع تصنيف «تحرير الشام» كمنظمة إرهابية أجنبية، وإلى رفع القيود الاقتصادية «القاسية جداً» على سوريا.

ويفسر هذه المقاربة قائلاً: «يجب أن نكون ملتزمين، وأن نحاول العمل مع حلفاء تعاونوا معنا في التحالف العالمي ضد (داعش)، وإشراك حلفائنا من الخليج؛ فهم لاعبون مهمون جداً ولديهم مصالح كبيرة في سوريا، وأعتقد أن الشعب والحكومة في سوريا لديهما مصلحة في بناء مجموعة أوسع من الأصدقاء بدلاً من الاعتماد على تركيا».

من ناحيته، يتوقع شافر «انقساماً في السياسة» فيما يتعلق بالتعاطي مع «الهيئة»، مشيراً إلى أن ترمب «سيحاول تحديد ما يجب القيام به لتشكيل تحالف، والقيام بما هو ضروري لإعادة الحوكمة إلى المنطقة»، محذراً: «إن لم نكن حذرين فسيعود تنظيم (داعش)، فهذا ما يحصل حالياً في أفغانستان». ويضيف شافر: «يجب أن نكون حذرين جداً عندما نساعد في إسقاط حكومة، قد تكون حكومة لا تعجبنا، لكن على الأقل هي تملك بعض السيطرة على الأراضي. فزعزعة الاستقرار هي الخطر الأكبر للاستقرار الإقليمي، ولكل من يعيش في هذه المناطق أيضاً».

ويتحدث شافر عن الجولاني، معرباً عن شكوكه في الصورة التي يعرضها حالياً، فيقول: «هناك تقارير صادرة حول هذا الرجل، هذا الإرهابي الذي يريد الانتقام من أعداء (هيئة تحرير الشام)، ومن ضمن ذلك قتل بعض الأشخاص. آمل أن أكون على خطأ، آمل أن يكون رجل الدولة الذي يظهره للجميع، لكن أعتقد أن الأمور ستكون أشبه بكاسترو في 1960-1961 حين ظن الجميع أنه سيكون الرجل المناسب، لكنه أصبح حاكماً توتاليتارياً».

ويغوص قطّوف في تفاصيل هذه المقاربة، فيقول عن أميركا وسياساتها: «نحن لا نجيد هندسة المجتمعات أو بناء الدول. إذا كان التاريخ الحديث قد علّمنا شيئاً، فيجب أن يكون هذا ما استنتجناه». ويستكمل قطّوف: «لا يمكننا فرض النتائج من خلال فوهة البندقية. يجب أن يكون لدينا قوة موثوقة عندما تصل إلى طاولة المفاوضات». وعن الجولاني يقول قطّوف: «عندما نتحدّث عن المتطرفين أو عن شخص في السلطة يقدم جانباً جيداً للعالم، نكتشف بعدها أنه شخص مختلف تماماً في الواقع. عموماً، من خلال تجربتي، فإن الثورات تميل إلى أن تأكل أبناءها، وغالباً ما يكون أكثر العناصر تشدداً لهذه الثورات هو الذي يصل إلى المسرح».