معركة حوثية مستمرة ضد الهوية الجمهورية انتقاماً لنظام الإمامة

الميليشيات اقتحمت مبنى مناضلي الثورة وصادرت مقرين لاتحاد الأدباء

TT

معركة حوثية مستمرة ضد الهوية الجمهورية انتقاماً لنظام الإمامة

تواصل الميليشيات الحوثية الانتقام ممن شاركوا في الثورة التي أطاحت بنظام حكم الإمامة الطائفي في شمال اليمن، في سياق سعيها لطمس الإرث الثقافي والفكري الذي خلَّفته هذه الثورة منذ ستة عقود، حيث اقتحمت، للمرة الثالثة، مقرّ منظمة مناضلي الثورة اليمنية في صنعاء، وطردت العاملين فيه، وصادرت جميع الوثائق والسجلّات التي كانت بداخله.
في السياق نفسه، تواصل الميليشيات التواطؤ مع مسلحين قاموا بالاستيلاء على مقر اتحاد الأدباء والكتاب في محافظة ذمار، كما تلتزم الصمت على تحويل مقر اتحاد الأدباء في محافظة إب إلى صالة للأعراس، بالتزامن مع تسخير وسائل إعلامها للنيل من موروث النضال اليمني المعاصر، وتغيير أسماء المدارس والمستشفيات التي تحمل أسماء رموز الثورة اليمنية، وصولاً إلى ملاحقة مَن شاركوا فيها، ووَقْف رواتب مَن تبقى منهم.
فمنذ أيام، اقتحم مسلحون موالون للجماعة من جديد مبنى منظمة مناضلي الثورة في صنعاء، وقاموا بمصادرته، ومنعوا الموظفين من دخوله، وفق بيان أصدره مثقفون وكُتّاب وناشطون يمنيون، واصفين ذلك بأنه «عمل همجي بامتياز».
وحمّل البيان الحوثيين كل المسؤولية عن مثل تلك الممارسات التي قالوا إنها «لا تليق بسلطة مهما كانت هذه السلطة موغلة في الديكتاتورية»، خصوصاً أن هذه هي المرة الثالثة التي تقتحم فيها العناصر المسلحة مقر هذه المنظمة المعنية بحصر ورعاية المشاركين في الثورة ضد نظام حكم الإمامة في الشمال، والثورة ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب.
إذ سبق أن اقتحم المسلحون المبنى للمرة الأولى في مارس (آذار) 2020، والثانية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته، كما قامت الميليشيات، وبعد مداهمة المبنى، بنهب كلّ محتوياته من وثائق تاريخية وسجلّات ومخطوطات وكل ما يتعلق بتاريخ الذين شاركوا في الثورتين.
- سياسة ممنهجة
يرى سياسي بارز يقيم بمناطق سيطرة الميليشيات أن اقتحام مقر المنظمة يأتي ضمن سياسة ممنهجة تستهدف كل مَن شارك في ثورة 26 سبتمبر (أيلول) عام 1962 للإطاحة بالنظام الإمامي، كما أنه (بحسب تعبيره) امتداد لنهج الاستهزاء والتقليل من أهمية هذه الثورة، من حيث إلغاء الاحتفال السنوي بذكراها، والترويج ليوم الانقلاب على الشرعية باعتباره ثورة، وتغيير المناهج الدراسية باتجاه يقدس نظام حكم الإمامة، مع تغيير أسماء المدارس والمستشفيات التي كانت تحمل أسماء الرموز الذين قادوا الثورة.
ويؤكد السياسي البارز الذي طلب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية أن الحوثيين لا يخفون اليوم سعيهم لإحياء نظام حكم الإمامة الطائفي بكل مكوناته، كما أن خطاباتهم وممارساتهم تُظهِر حقيقة أن مناطق سيطرتهم تحكم بنظام إمامي جديد، على رأسه عبد الملك الحوثي، الذي يعتقد أن لديه حقاً إلهياً في حكم اليمنيين، مضيفاً: «لم يعد هناك أي خجل من الإعلان عن هذا التوجه؛ سواء في خطابات الحوثي أو ما تُسمّى محاضراته، إذ إنهم يمارسون الانتقام من ثورة 26 سبتمبر (أيلول) وكل من شارك فيها أو يتمسك بمبادئها».
- استهداف مقرات الأدباء
عملية الاقتحام لمبنى منظمة الثوار أتت فيما لا يزال مقر اتحاد الأدباء والكتاب في مدينة ذمار (130 كيلومتراً جنوب صنعاء) يتعرض للسطو من قبل مسلحين يقولون إن أحد الأشخاص باع لهم المبنى، وذلك بعد أربع سنوات من محاولة الجماعة الاستيلاء عليه، إلا أن السلطة المحلية السابقة في ذمار كان تقف إلى جانب الاتحاد، لأنها تدرك قيمته التاريخية والثقافية، وفق ما قاله قادة في اتحاد الأدباء.
ويشير أدباء في ذمار إلى أن الحال تغير مع تعيين الميليشيات القيادي محمد البخيتي محافظاً لها، حيث تم اجتياح مقر الاتحاد بالقوة المسلحة، واحتلاله وتزوير وثيقة الملكية وإخراج الأدباء من المقر بالقوة، ووصفوا موقف النيابة والسلطة المحلية هناك بأنه «ليس فقط متخاذلاً، ولكنه كان سلبياً إلى الدرجة التي جعلت احتلال مقر الاتحاد وادعاء ملكيته من قبل الشخص الذي اقتحمه أمراً طبيعياً»، في مرحلة اتسمت بالموقف غير الودي تجاه الثقافة والمثقفين.
وسبق لأدباء ومثقفين أن انتقدوا بشدة تحويل مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في محافظة إب المجاورة إلى قاعة أعراس، واعتبروا أن هذه المواقف لا تنفصل تماماً عن الموقف غير الودي تجاه الثقافة والمثقفين، الذي يبرز في أكثر من مناسبة ليس فقط في صنعاء وذمار وإب، وإنما أيضاً في كل المحافظات.
من جهته، طالَب أحمد ناجي أحمد القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الحوثيين بترك الناس في حالهم، وتساءل عن أسباب حرصهم على أذية الحجر والشجر، مؤكداً أنهم «يجدون صعوبة بالغة في تنفيذ حكم قضائي»، في إشارة إلى قرار محكمة الصحافة في صنعاء بعودة بث إذاعة محلية خاصة، حيث أقدمت الميليشيات على اقتحامها ومصادرة معداتهم رغم صدور الحكم.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.