مكفوفون في مصر يطهون بأربع حواس فقط

دورات تدريبية وتطبيقات تكنولوجية لتعليمهم الطهي

خلال التدريب على استخدام تطبيق «جوا الحلة» (خاص بالشرق الأوسط)
خلال التدريب على استخدام تطبيق «جوا الحلة» (خاص بالشرق الأوسط)
TT

مكفوفون في مصر يطهون بأربع حواس فقط

خلال التدريب على استخدام تطبيق «جوا الحلة» (خاص بالشرق الأوسط)
خلال التدريب على استخدام تطبيق «جوا الحلة» (خاص بالشرق الأوسط)

في مطبخ منزلها، وقفت سارة، أمام موقد الغاز «البوتاجاز» تعلو وجهها ابتسامة خفيفة تتسع تدريجياً مع تصاعد الأبخرة محملة برائحة «محشي» ورق العنب، ارتدت قفازاً حرارياً في يدها اليسرى، ورفعت غطاء الإناء وهي تحافظ على مسافة بينها وبين النار.
وبعد تصاعد البخار برائحة الطعام لتملأ أرجاء المنزل، غرست سارة شوكة صغيرة أمسكتها بيدها اليمنى لتخرج أصبع محشي وضعته في طبق صغير كانت قد جهزته على منضدة مجاورة، تحسست الطبق لمعرفة أبعاده ومكانه.
فرغم أن سارة (28 عاماً) غير مبصرة، فإنها تستخدم أربع حواس هي الشم واللمس والتذوق والسمع كي تدير مطبخها وتطهو أصنافاً متنوعة يمثل أعدادها تحديا كبيراً حتى للأشخاص المبصرين.
أطفأت سارة الموقد، بعدما تأكدت أن الطعام قد نضج وأصبح جاهزاً للتناول، بدأت تتحسس طريقها للبحث عن أطباق السفرة بينما أفراد عائلتها يقفزون فرحاً ودهشة.

                                                                    فتاة كفيفة في مطبخ منزلها (خاص بالشرق الأوسط)
سارة، واحدة من كثيرين - نساء ورجال - التحقوا بالبرنامج التدريبي للطهي الذي أطلقته مبادرة «الوصفة مسموعة» في مصر، ليس فقط لتعلم فنون الطهي، لكن للتخلص من الخوف عند دخول إلى المطبخ، لذلك يبدأ البرنامج بتعليم مبادئ الأمان والسلامة في المطبخ، والتعامل مع التحديات المتنوعة للمكفوفين خلال استخدام الأدوات الحادة، أو استخدام الموقد بما يحمله ذلك من مخاطر عديدة.
البرنامج التدريبي فتح الباب واسعاً أمام «المكفوفين» لإطلاق إبداعاتهم في فن الطهي، وإعداد الأصناف التي طالما حلموا بإعدادها، وتخلصوا من خوفهم خلال دخولهم المطبخ، بل تحول الأمر إلى خطوات روتينية محسوبة، حيث يقومون بكل شيء خلال إعداد الطعام بشكل سلس، ويتفرغون لوضع لمساتهم الخاصة في الأصناف التي يعدّونها.
الدكتورة إيمان الحسيني، مؤسس مبادرة «الوصفة مسموعة» تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «البرنامج التدريبي يبدأ بتعلم مفاهيم الأمان والسلامة خلال الوجود في المطبخ، وعلى رأسها التعامل مع السكاكين والأدوات الحادة، ونار الموقد، فإذا كان الموقد لا يوجد به إشعال ذاتي، يجب استخدام قداحة ذات زراع طويلة كي تكون اليد بعيدة عن النار، وكذلك يجب أن توضع أواني القلي ويكون ذراعها إلى داخل الموقد حتى لا يلمسها الشخص فيصاب بالزيت الساخن».
يبدأ الشخص الكفيف بترتيب المطبخ بنفسه، ووضع كل الأدوات من سكاكين وملاعق وشوك وعبوات الملح والتوابل المختلفة في أماكن محددة، كي يستطيع معرفة مكانها، معتمداً على ذاكرته.

                                                                 ... وتعصر البرتقال (خاص بالشرق الأوسط)
المرحلة الثانية من التدريب، بحسب الحسيني، تتعلق بإعداد أصناف الطعام المختلفة، تبدأ بالأسهل، مثل أنواع السلطات المختلفة، وهنا تعود مجددا مفردات الأمن والسلامة، إذ يتم التدرب على طريقة تقطيع تضمن السلامة وعدم احتكاك السكين بيد الشخص «الكفيف».
وتابعت: «في البداية يستخدم المتدربون (المقص) لتقطيع الخضار، فهو أكثر أمناً، ثم ينتقلون إلى مرحلة السكين، ويجب إمساكها باليد اليمنى، بينما اليسرى تثبت الخضار المراد تقطيعه، وتبلغ حاسة اللمس ذروة استخدامها حيث يستشعر الكفيف ملامسة طرف السكين الحاد لأظافره، ثم يبدأ بالتقطيع قبل مسافة ذلك الملمس بمليمترات، ويكرر ذلك إلى أن يتحول إلى شيء اعتيادي».
وتضيف مؤسس مبادرة «الوصفة مسموعة»: «يتنقل البرنامج ما بين أصناف الطعام الأكثر صعوبة، وخاصة المقلية بكل أنواعها؛ ويعد استخدام الزيت مصدر خوف وقلق كبيرين»، لافتة إلى أن قائمة التدريب تفتح المجال واسعاً للإبداع في أصناف طعام قد يصعب إعدادها حتى على الأشخاص المبصرين، ومنها المحشي بكل أنواعه: ورق العنب، والكرنب، والفلفل، والكوسة، والباذنجان، كما خصص البرنامج دورة خاصة لإعداد أنواع الحلويات المختلفة.

                                                                                    طبق محشي بطريقة مبتكرة
وأطلقت المبادرة مؤخرا تطبيق «جوا الحلة» لشرح وصفات الأصناف المختلفة، كما يتم في الوقت الراهن تحديث التطبيق بإضافة ماسح ضوئي لمعرفة المحتويات المختلفة بالمطبخ، فمثلا يتم تسليطه على عبوات التوابل فينطلق الصوت قائلاً: «فلفل» أو «كمون» فيعرف الشخص الكفيف أن ما بداخل العبوات.
عندما انتهت سارة لطفي، من إعداد «حلة» محشي ورق العنب، بدأت بوضع بعضها في أطباق، وكانت قد طلبت من أمها تركها تعد المحشي كاملاً دون مساعدتها، الجميع مبتسمون، الآن حانت لحظة الحقيقة، خلال أول تذوق لأول محشي تعده سارة، لاقى استحسان أفراد العائلة.
تقول سارة حلمي، التي أصبحت الآن مدربة في المبادرة نفسها لـ«الشرق الأوسط» إن «أول صنف طعام أعدته في حياتها وحدها بدون مساعدة كان معكرونة بالبشاميل؛ وأكثر الأصناف التي كنت أحلم بإعدادها هو السمك المقلي، الآن أصبحت أعد كل الأصناف، وأقف في المطبخ دون خوف». ويستخدم المكفوفون جميع حواسهم في إدارة مطبخهم، والتعرف على محتوياته، ومعرفة ما إذا كان الطعام نضج أم لا؟.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)
أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)
TT

مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)
أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)

قال مسؤول محلي في قطاع الصحة ونشطاء سودانيون إن قوات «الدعم السريع» هاجمت المستشفى الرئيسي الذي ما زال يعمل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بالسودان، اليوم الجمعة، مما أسفر عن مقتل تسعة، وإصابة 20 شخصاً.

وذكر المدير العام لوزارة الصحة بولاية شمال دارفور إبراهيم خاطر، و«تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر»، وهي جماعة مؤيدة للديمقراطية ترصد العنف في المنطقة، إن طائرة مسيَّرة أطلقت أربعة صواريخ على المستشفى، خلال الليل، مما أدى إلى تدمير غرف وصالات للانتظار ومرافق أخرى.

ووفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء، أظهرت صور حطاماً متناثراً على أَسرَّة بالمستشفى ودماراً لحق الجدران والأسقف. وتقول قوات «الدعم السريع» إنها لا تستهدف المدنيين، ولم يتسنَّ الوصول إليها للتعليق.

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» منذ أكثر من 18 شهراً، وأدت إلى أزمة إنسانية واسعة، ونزوح أكثر من 12 مليون شخص. وتُواجه وكالات الأمم المتحدة صعوبة في تقديم الإغاثة.

والفاشر هي واحدة من أكثر خطوط المواجهة اشتعالاً بين قوات «الدعم السريع» والجيش السوداني وحلفائه الذين يقاتلون للحفاظ على موطئ قدم أخير في منطقة دارفور.

ويخشى مراقبون من أن يؤدي انتصار قوات «الدعم السريع» هناك إلى عنف على أساس عِرقي، كما حدث في غرب دارفور، العام الماضي.