اتفاقية لبنان ومصر لنقل الغاز معلقة على موافقة أميركا وتمويل البنك الدولي

وقعا الاتفاقية التقنية لضخه عبر الأراضي السورية

وزير الطاقة اللبناني يتوسط السفير المصري  وممثل عن السفير السوري بعد توقيع الاتفاق أمس (أ.ب)
وزير الطاقة اللبناني يتوسط السفير المصري وممثل عن السفير السوري بعد توقيع الاتفاق أمس (أ.ب)
TT

اتفاقية لبنان ومصر لنقل الغاز معلقة على موافقة أميركا وتمويل البنك الدولي

وزير الطاقة اللبناني يتوسط السفير المصري  وممثل عن السفير السوري بعد توقيع الاتفاق أمس (أ.ب)
وزير الطاقة اللبناني يتوسط السفير المصري وممثل عن السفير السوري بعد توقيع الاتفاق أمس (أ.ب)

وقّع لبنان ومصر وسوريا أمس، الاتفاق التقني لنقل الغاز المصري إلى لبنان بهدف تشغيل محطة لإنتاج الكهرباء في شمال لبنان، من غير أن تُحسم بعد قضية تنفيذه بالنظر إلى أنه معلق على موافقة أميركية تستثني القاهرة من العقوبات الأميركية المفروضة على التعامل مع دمشق بموجب قانون «قيصر»، كما تنتظر موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع الذي يعول عليه لبنان لزيادة التغذية الكهربائية.
وبموجب الاتفاقية، سيتم ضخ الغاز عبر خط أنابيب إلى محطة كهرباء دير عمار في شمال لبنان، حيث يمكن أن تضيف حوالي 450 ميغاوات إلى الشبكة، أي ما يعادل حوالي أربع ساعات إضافية من الكهرباء يومياً.
لكن الاتفاقية هي تقنية بامتياز، ولا يعني ذلك أنها باتت جاهزة للتنفيذ، كونها تنتظر موافقتين، أولهما من البنك الدولي لتمويلها، والثانية من الولايات المتحدة الأميركية لاستثناء مصر ولبنان والأردن من عقوبات قانون «قيصر»، حسب ما قالت مصادر مواكبة لتوقيع الاتفاقية. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الحصول على ضمانات أميركية في الملف المتصل بالعقوبات، والحصول على موافقة البنك الدولي على التمويل «سيطلق الغاز عبر الأنابيب المصرية التي تعبر من سيناء إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية، ومن سوريا إلى شمال لبنان لتشغيل المحطة».
ولم يخف وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض هذه القضية. وقال في كلمة له خلال توقيع الاتفاقية إنه بتوقيعها «يكون لبنان ومصر والأردن وسوريا قد أنجزوا جميع المتطلبات القانونيّة والتعاقديّة والفنّية من أجل السير قدماً نحو تأمين الكهرباء للشعب اللبناني». وأمل أن تكون «كل العقبات قد ذُلّلت من أجل تأمين التمويل من البنك الدولي»، كما «نتطلع للحصول على الضمانات النهائية من الولايات المتحدة خصوصاً لما يتّصل بالعقوبات». وعليه، أكد فياض أن دعم الولايات المتحدة والأسرة الدولية «سيكون جوهرياً لتأمين المتطلبات الباقية من أجل تنفيذ هذا المشروع».
وتتسم الخطة بالدقة، كونها تعطي دمشق عائدات بدل مرور للكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر أراضيها، كما قالت المصادر، ذلك أن سوريا ستقتطع نسبة 10 في المائة من الغاز المصري كحصة لها، و8 في المائة من الكهرباء الأردنية كحصة لها. ويصل الغاز المصري إلى جنوب سوريا، وتستحوذ عليه دمشق وتضخ حصة لبنان من الغاز من حقولها في وسط سوريا إلى شمال لبنان، بالنظر إلى غياب أنابيب نقل مباشرة من جنوب سوريا إلى وسطها حيث يفترض أن يمر الغاز. وأجرت جميع الدول المشاركة بالعملية إصلاحات لخطوط النقل الكهربائية وأنابيب الغاز منذ الشتاء الماضي. وتم إنهاء مشروع تأهيل خط الغاز العربي في جزئه اللبناني بعد تلزيمه إلى شركة TGS المصريّة بحيث أصبح جاهزاً لبدء عمليّة الضخ عبره، حسب ما تقول وزارة الطاقة اللبنانية.
وبحضور فياض، وقّعت المديرة العامة لمنشآت النفط في لبنان أورور فغالي ورئيس مجلس إدارة شركة «إيجاس» المصرية مجدي جلال ومدير عام المؤسسة العامة للنفط السورية نبيه خرستين في بيروت العقد الذي يفترض أن يموله البنك الدولي.
وتتراوح تكلفة المشروع بين 200 و250 مليون دولار سنوياً، ويفترض أن يمول البنك الدولي أول عامين من العقد الذي يتوقع أن يستمر العمل به 18 عاماً. وتقضي الاتفاقية بنقل 650 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من مصر إلى لبنان عبر سوريا لتشغيل محطة الإنتاج الكهربائية العاملة على الغاز في منشأة دير عمار في طرابلس في شمال لبنان.
وقال فياض خلال مؤتمر صحافي مشترك إثر ذلك: «تنطلق أهمية هذا العقد على المستوى الوطني من كونه سيؤمن عند تنفيذه تغذية كهربائية تصل إلى أربع ساعات إضافية في لبنان، وذلك بأفضل تكلفة على الإطلاق»، مشيراً إلى أن «توقيع هذا العقد اليوم يأتي استكمالاً للاتفاقية التي تمت منذ أشهر مع الأردن وسوريا».
ويعد الاتفاق جزءاً من جهود تدعمها الولايات المتحدة لمعالجة انقطاع التيار الكهربائي في لبنان عن طريق نقل الكهرباء من الأردن والغاز الطبيعي من مصر عبر سوريا. ويعد هذا التوقيع الثاني، بعد توقيع مماثل مع الأردن في يناير (كانون الثاني) الماضي لاستجرار الطاقة منه عبر سوريا، في وقت كان يجري مباحثات مع مصر لاستيراد الغاز عبر ما يُعرف بالخط العربي الذي يمر في الأردن وسوريا فلبنان.
ومن المفترض، وفق العقد الموقع مع الأردن الذي لم يبدأ تنفيذه بعد، أن يحصل لبنان على طاقة تترجم أيضاً بساعتي تغذية إضافيتين يومياً. ويستورد لبنان منذ أشهر الفيول أويل من العراق لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء.
وقال فياض أمس إنّه «بتنفيذ هذين المشروعين (مع الأردن ومصر)، نكون قد أنجزنا متطلبات المرحلة الأولى من خطة الكهرباء التي تهدف إلى تأمين التغذية الكهربائيّة بين 8 و10 ساعات يومياً عبر استجرار الكهرباء الأردنية وشراء الغاز المصري واتفاقيّة الفيول العراقي إلى جانب مصادر أخرى من الإنتاج مثل المحطات الكهرومائية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى».
ومن شأن الاتفاقات أن تضيف ما يصل إلى 700 ميغاوات إلى شبكة الكهرباء اللبنانية، حيث تطمح السلطات اللبنانية لتوفير تغذية كهربائية تتراوح بين 8 و10 ساعات يومياً.
وقال فياض إن تأمين زيادة التغذية الكهربائية «يبقى الركن الأساس لمعالجة الاحتياجات اليوميّة للمواطنين اللبنانيين من كهرباء إضافيّة ومياه وخدمات متعدّدة وتخفيض التكلفة المعيشيّة وذلك إلى جانب الانعكاسات الإيجابية على النواحي الاقتصادية والتنموية كافة».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

اللاتماثليّة الجيوسياسيّة على المسرح السوريّ

علم الاستقلال السوري في حلب يوم الجمعة (د.ب.أ)
علم الاستقلال السوري في حلب يوم الجمعة (د.ب.أ)
TT

اللاتماثليّة الجيوسياسيّة على المسرح السوريّ

علم الاستقلال السوري في حلب يوم الجمعة (د.ب.أ)
علم الاستقلال السوري في حلب يوم الجمعة (د.ب.أ)

مثلّثات من دول غير عربية تتصارع جيو - سياسياً على المسرح العربيّ. يتركّز الصراع حالياً على محور الهلال الخصيب. يُلقّب هذا المحور بمحور اللاستقرار المُستدام. وهذا أمر يعني أن الاستقرار فيه هو حالة استثنائيّة، بدءاً من العراق، وصولاً إلى لبنان وفلسطين، ومروراً بسوريا. وإذا رأينا أن المثلث الجيوسياسيّ التاريخي التقليديّ مؤلّف من روسيا وإيران وتركيا، فإن إسرائيل هي جزء من مناطق الهلال الخصيب، وهي لاعب أساسيّ في الصراع الإقليميّ، لكن الصراع يدور أيضاً في داخلها، الأمر الذي يؤكّد ديمومة لا استقرارها، أسوة ببقية دول الهلال، غير أن الفارق التاريخيّ بين فلسطين الأمس وإسرائيل اليوم هو أن إسرائيل اليوم ارتقت في دورها الجيوسياسيّ لتصبح لاعباً إقليميّاً مهمّاً؛ فهي في النادي النووي، ولكن بغموض (كونها لا تُقر بذلك علناً). هناك قدرية جغرافية، كما تاريخيّة، تتحّكم في الصراع الجيوسياسيّ بين هذه الدول؛ فهذه الدول تحمل في جيناتها الحلم الإمبراطوري القديم، ولديها مشاريع إقليميّة لا تخفيها، وتسعى إلى مناطق نفوذ. وإذا كانت غالبيتها إمبراطوريات قديمة، فإن إسرائيل تسعى، بحسب بعض الدراسات، إلى إنشاء إسرائيل الكبرى. وفي حين أنها غير قادرة على احتلال الأرض لإنشاء إمبراطورية بالمعنى التقليديّ، إلا أنها من دون شك تسعى إلى امتلاك القدرة على التأثير في محيطها المباشر، كما في بقية المنطقة.

جنود إسرائيليون يضعون صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على عربتهم قرب الحدود الإسرائيلية - السورية يوم السبت (أ.ف.ب)

الصراع الجيوسياسيّ - المثلث الأكبر

ربما يمكن قول إن حالة العداء بين كل من روسيا وإيران وتركيا هي الحالة المُستدامة، لكن تقاطع المصالح في بعض الأوقات قد يؤدّي إلى التعاون. ويعود هذا السبب إلى القرب الجغرافيّ، أو حتى التماسّ المباشر. تظهر هنا منطقة القوقاز منطقة صراع تاريخيّ بين هذه الدول؛ فهي تجاور المثلث الإمبراطوري جغرافياً، وهي من ضمن مناطق النفوذ المشتركة. إذن، هناك تضارب وتقاطع سلبيّ مستمرّان في المسلَّمات الجيوسياسيّة لهذه الدول. وفي هذه الحالة، يبدأ الصراع يأخذ شكلاً خفياً وظاهراً في الوقت نفسه. ولأن هذه الدول لا تريد المواجهة المباشرة، فهي تذهب إلى مسرح ثانويّ لتصفية الحسابات. وبذلك تسعى هذه الدول إلى رسم وخلق واقع لا تماثليّ تستغل فيه ضعف الفريق الآخر المؤقّت كما الدائم، بالإضافة إلى التخطيط للقدرة على النكران، وخلق واقع وظروف لا تورّطها مباشرة، مع تجنّب خرق المسلَّمات الجيوسياسيّة الحيويّة لهذا الفريق كيلا تتحوّل اللاتماثليّة إلى مواجهة مباشرة.

بعض الأمثلة

تتعاون إيران مع روسيا في أوكرانيا، لكنها على خلاف جوهريّ معها في أرمينيا حول معبر «زنغزور»؛ لأنه يتناسب مع مصالح تركيا، بحيث يصل هذا الممر أذربيجان بالمقاطعة الغربيّة الآذريّة نخجوان، الأمر الذي يفتح الباب أمام حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان للذهاب من إسطنبول إلى بحر قزوين عبر هذا المعبر ودون عوائق تُذْكر. وإذا سمحت إيران بالتنفيذ، فإن هذا الأمر سيقطع الطريق عليها نحو الشمال عبر أرمينيا ومنها إلى روسيا.

بنت إيران منذ عام 1983 حالة لا تماثليّة في المنطقة عبر مشروع ما يُسمّى بمحور المقاومة. كانت إسرائيل المُتضرّر الأكبر من هذا المشروع، لكن، بعد بدء الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، بدأ هذا المشروع اللاتماثليّ يهدد الأمن القومي التركيّ، خصوصاً بعد وصوله إلى مناطق النفوذ التركية في الشمال السوري حيث الأكراد. ومع الدخول الروسي على خط الحرب السوريّة في عام 2015، والتموضع العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس، ربما يمكن قول إن أكبر لعبة لا تماثلية بدأت بين الأطراف الثلاثة الأساسييّن، لكن مع دور ثانوي لإسرائيل وعن بُعد.

مرّت الحرب السورية بعدة مراحل. وفي كل مرحلة، كان المثلّث الجيوسياسيّ المؤلَّف من الدول الثلاث يدير اللعبة تماشياً مع الواقع الميداني، وبشكل تجنّب الصدام الكبير والمباشر بينها. فعلى سبيل المثال، وعندما تم الاتفاق على 4 مناطق لخفض التصعيد، حسب منصّة آستانة، قامت سوريا وروسيا، بالتعاون مع إيران، بضرب وإسقاط هذه المناطق بدءاً من الجنوب السوري، وصولاً إلى المنطقة الشمالية التي تضم إدلب، حيث المصالح التركيّة. وبذلك تكون تركيا قد أصبحت في حالة لا تماثليّة مع بقية اللاعبين، الأمر الذي جعلها تقاتل مباشرة وعبر جيشها الرسميّ في إدلب. وتعبيراً عن التحولات في موازين القوى على المسرح السوريّ، شهد المسرح الدبلوماسيّ صورة فريدة من نوعها، وهي جعل الرئيس إردوغان ينتظر بفارغ الصبر دقيقتين أمام باب الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو قبل الاجتماع به في عام 2020. ورداً على هذ الحادثة المذلّة دبلوماسيّاً، جعل الرئيس إردوغان الرئيس بوتين ينتظر على بابه عندما كان في طهران عام 2022، لمدة 50 ثانية قبل الدخول للقائه. ألا تعكس هذه المشاهد حالات اللاتماثليّة بين الاثنين؟ أليست صراعاً جيو - سياسيّاً ولكن بطرق ووسائل أخرى؟ الجواب بلى بالطبع.

قوات روسية تنسحب في اتجاه قاعدة حميميم باللاذقية السبت (رويترز)

بعد زلزال غزّة والحرب الإسرائيليّة على لبنان، وبعد الصدامين المباشرين بين إسرائيل وإيران، وبعد سقوط النظام في سوريا وخروج إيران خاسرة منها، تغيّر المشهد الجيوسياسيّ الإقليميّ. عادت إيران إلى محيطها المباشر. هُدّد الوجود العسكري الروسيّ على الساحل السوريّ وسط مؤشرات على سحب للقوات الروسية من سوريا. تبوأت تركيا صدارة المستفيدين من هذا التحوّل، وبدأت إسرائيل بعملية تموضع جديدة بالاتجاه السوري تحسبّاً للسيناريو السيئ، لكن التحدّي الأكبر هو في قدرة الفصائل المسلّحة السوريّة على إعادة إنتاج نظام سياسيّ جديد، يقوم ويرتكز على التعددية الإثنيّة والدينيّة كما المذهبيّة. فهل هذا ممكن؟ بالطبع ممكن إذا لم تتقاتل هذه الفصائل مع بعضها، خصوصاً أن الحرب السورية لم تعد تفيد أحداً، كما أن تكلفة استمرارها أكبر كثيراً من أرباحها.