إضراب عام يشل تونس ويعمق الأزمة السياسية المستفحلة

«اتحاد الشغل» حمّل الحكومة مسؤولية الاحتجاجات وهدد بالتصعيد إذا لم تتفاعل مع مطالبه

جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة تونس أمس بمناسبة الإضراب العام (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة تونس أمس بمناسبة الإضراب العام (إ.ب.أ)
TT

إضراب عام يشل تونس ويعمق الأزمة السياسية المستفحلة

جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة تونس أمس بمناسبة الإضراب العام (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة تونس أمس بمناسبة الإضراب العام (إ.ب.أ)

نفذ الاتحاد العام التونسي للشغل، أمس، تهديده بتنفيذ إضراب عام عن العمل في القطاع العام، شلّ المؤسسات والمنشآت العمومية كافة، كما توقفت حركة الطيران والملاحة والنقل والبريد، وكثير من الخدمات بشكل كلي منذ منتصف ليلة الخميس، باستثناء بعض الإدارات العمومية التي واصلت عملها في بعض الولايات (المحافظات). في خطوة يرى مراقبون أنها ستشدد الضغط على الرئيس قيس سعيّد وإدارته، في بلد يعاني أساساً من أزمة سياسية ومالية خانقة.
ومن خلال جولة أجرتها «الشرق الأوسط» في عدد من شوارع العاصمة التونسية والأحياء القريبة منها، لاحظت تذمر كثير من المواطنين نتيجة توقف جل المؤسسات التي تقدم خدمات حيوية، وفي مقدمتها البريد ومقرات شركة الكهرباء والغاز، وخدمات النقل العمومي القليلة التكلفة، ما اضطرهم إلى الاعتماد على سيارات الأجرة والنقل المشترك الخاص، وهو ما خلق ازدحاماً شديداً في المحطات المخصصة لنقلهم.

مطار قرطاج بدا خالياً أمس من المسافرين بعد إقرار الإضراب العام (إ.ب.أ)

وشارك في إضراب أمس آلاف العمال والموظفين من 159 مؤسسة ومنشأة عمومية، احتجاجاً على عدم سحب منشور أصدرته الحكومة، يقضي بمنع تفاوض القيادات النقابية مع ممثلي الحكومة، واشتراطه موافقتها المسبقة، إضافة إلى عدم توصل النقابة لاتفاق مع الحكومة الحالية للدخول في مفاوضات اجتماعية حول الزيادة في الأجور لسنوات 2021 و2022 و2023. وللمطالبة أيضاً بتطبيق كل المطالب المضمنة بمحاضر الاتفاقيات السابقة. كما يسعى «الاتحاد» من وراء هذا الإضراب إلى الضغط على الحكومة، بهدف إلغاء المساهمة التضامنية لفائدة الصناديق الاجتماعية بنسبة 1 في المائة، وإنهاء التفاوض حول القانون العام لموظفي المنشآت والمؤسسات العمومية، إضافة إلى الشروع الفوري في إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية حالة بحالة.
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، خلال كلمة ألقاها أمس بمناسبة الإضراب العام أمام مقر الاتحاد، إن الإضراب نجح بنسبة 96.22 في المائة، وإن الطبقة العمالية كانت حاضرة من كل ربوع تونس «رغم الشيطنة والتخويف» من قبل ما وصفها بالمرتزقة والذباب الأزرق. مشدداً على أن الإضراب العام وجد تضامناً كبيراً من كبرى النقابات في العالم، على غرار الاتحاد الأوروبي للنقابات، والنقابات الأميركية، وكذا الاتحاد الدولي للنقل، ومؤكداً أن كل عمال الموانئ في العالم اتخذوا قراراً بعدم نقل السلع التونسية.
وأضاف الطبوبي موضحاً أن «الحكومة المتعنتة هي التي تتحمل مسؤولية تبعات الإضراب... وهي التي بثت الحقائق المزيفة»، منتقداً حديث الناطق الرسمي باسمها بأن الاتحاد «اتفق معها في محضر جلسة، ثم تراجع عنها». وقال بهذا الخصوص: «أتحدى الحكومة أن تنشر الوثيقة المزعومة... والأرقام التي تم نشرها في علاقة باتفاق 6 فبراير (شباط) الماضي مغلوطة.. والاتحاد لم يطالب بالزيادات كما يدعون، بل بتعديل المقدرة الشرائية». مؤكداً رفضه القطعي لخوصصة المؤسسات العمومية.
ومن جهته، أكد الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، على أن مواصلة التفاوض مرهون بتفاعل الحكومة، مهدداً بأن «الاتحاد» سيصعد إذا لم تتفاعل الحكومة مع مطالبه الخمسة المتعلقة بتطبيق الاتفاقيات السابقة، والتراجع عن المرسوم «عدد 20»، والرفع في الأجر الأدنى وغيرها من المطالب الملحة.
وعلى الرّغم من أن قيادات «الاتّحاد» ظلت تؤكّد أنّ قرار الإضراب «غير سياسي»، فإن هذه الخطوة تتزامن مع انتقادات شديدة توجّه للرئيس قيس سعيّد، الذي تتهمه المعارضة بمسؤوليته عن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، و«احتكار السلطات» في البلاد منذ 25 يوليو (تموز) الماضي، وإقصاء معارضين من حوار وطني، يفترض أن يفضي إلى تعديل دستور 2014، وإقرار هذا التعديل في استفتاء شعبي خلال شهر. وقد رفض اتحاد الشغل بدوره المشاركة في هذا الحوار، معلّلاً قراره بأنّ الهدف منه «فرض سياسة الأمر الواقع»، وإقرار نتائج تمّ «إعدادها من طرف الرئيس». علماً بأنه كان في البداية مسانداً صريحاً للقرارات التي اتخذها سعيّد.
في المقابل، تتهم الحكومة «اتحاد الشغل» بأنه لا يأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي والمالي الذي تمر به البلاد، ويرى مراقبون أن «الاتحاد» يظهر حالياً في موقف قوة لأن السلطة تحتاج إليه لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تقدمت به لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض جديد. ومن أهم النقاط التي تضمنها البرنامج الإصلاحي تجميد كتلة الأجور في القطاع الحكومي، ومراجعة سياسة دعم بعض المواد الأساسية، فضلاً عن إعادة هيكلة عدد من المؤسسات العمومية. لكنّ الاتحاد حذّر في المقابل من «الإصلاحات المؤلمة»، الرامية برأيه إلى إرضاء صندوق النقد الدولي، كما يطالب «بضمانات» لجهة عدم خصخصة الشركات التي تحتكرها الدولة، وفي مقدّمها «ديوان الحبوب» و«شركة فسفات قفصة».
وكانت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني قد اعتبرت في نهاية مايو (أيار) الماضي أنّ الخلافات بين «الاتحاد» والحكومة باتت تعرقل مفاوضات البلاد مع صندوق النقد الدولي، مؤكّدة أنّه «من الصعب جداً» إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية دون دعم المركزية النقابية، خاصة أن اتحاد الشغل يمثّل طرفاً فاعلاً ومهماً جداً في الحياة السياسية منذ تأسيسه في 1946. وقد حصل على جائزة نوبل للسلام للعام 2015 مكافأة له على دوره في حلّ أزمة سياسية حادّة مرّت بها تونس، مهد ما سمّي بثورات «الربيع العربي» في 2011.
لكن هذا الإضراب يمثل «قمة الفشل الجماعي لـ10 حكومات متتالية، وللاتحاد وصندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين لتونس، ذلك أنه لم يصحب الانتقال الديمقراطي تغيير في هيكله الاقتصادي»، بحسب تعيير أستاذ الاقتصاد في جامعة دينيسون في الولايات المتحدة الأميركية، فتحي كبوب.


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

هل ينجح «الاتحاد الأفريقي» في تحقيق اختراق في ملف المصالحة الليبية؟

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
TT

هل ينجح «الاتحاد الأفريقي» في تحقيق اختراق في ملف المصالحة الليبية؟

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)

وسط تجاذبات بين ساسة ليبيا حول «المصالحة الوطنية»، عادت الجهود الأفريقية، ممثلة في رئيس الكونغو برازافيل رئيس اللجنة الأفريقية بشأن ليبيا، دينيس ساسو نغيسو، لإحياء هذا الملف عبر زيارة إلى طرابلس، التقى خلالها محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة.

ويسعى الاتحاد الأفريقي لحلحلة الأزمة السياسية المتجمدة، عبر تجديد مسار «المصالحة الوطنية»، الذي تعطّل بسبب تزايد الخلافات السياسية بين «الشركاء والخصوم».

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)

وفي ظل عدم وجود تقدم ملموس محلياً باتجاه تفعيل المصالحة، وبقاء الانقسام السياسي مسيطراً على المشهد العام في ليبيا، يواصل الاتحاد لقاءاته بـ«السلطة التنفيذية» في طرابلس، ما يطرح السؤال حول مدى إمكانية إحداث اختراق في هذا الملف المعقد.

والتقى مساء الاثنين الوفد الأفريقي، برئاسة ساسو نغيسو، رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة «الوحدة»، لمناقشة المحاور النهائية، قبيل تحديد موعد لعقد مؤتمر للمصالحة.

غير أن قطاعاً كبيراً من المتابعين لملف المصالحة يرى أن العلاقات بين الليبيين «ليست في حاجة إلى مصالحة وطنية، لكن في حال عدم توافق ساسة البلاد على حلّ سياسي، فإن مشروع المصالحة لن ينتهي إلى شيء». وهي الرؤية التي يدعمها فريق كبير من المهتمين بعملية المصالحة في البلاد، من بينهم محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة».

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع المنفي في طرابلس، أوضح نغيسو ما انتهت إليه اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى، التي يترأسها، من خلاصات مع الأطراف الليبية، بالإضافة إلى النتائج التي خرجت بها من الاجتماعات الإقليمية والدولية لبحث المصالحة في ليبيا.

وتحدث نغيسو عن إمكانية استضافة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أطراف المصالحة الوطنية في ليبيا ليوقّعوا بأنفسهم على ميثاق المصالحة، منتصف فبراير (شباط)، وقال برغم عدم وجود مؤشرات ملموسة على تفعيل المصالحة: «نعتقد أننا في الطريق الصحيح، ونتجه نحو المصالحة الوطنية، التي لا بد منها للمضي قدماً نحو الانتخابات».

الدبيبة مستقبلاً في طرابلس الرئيس الكونغولي (حكومة «الوحدة»)

وكان من اللافت تحدث نغيسو أيضاً عن «تواصله مع الأطراف الليبية كافة»، وهو الأمر الذي يراه متابعون أنه قد يسهم في تحريك الملف، شريطة «التقريب بين الأطراف السياسية المنقسمة والمتعارضة في توجهها السياسي».

ومن المنتظر أن يتجه الوفد الأفريقي إلى بنغازي (شرقاً) للقاء باقي الأطراف السياسية هناك، من بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، بهدف إيجاد توافق بشأن «الميثاق» الذي انتهت إليه «اللجنة الأفريقية».

وسبق أن قطع المجلس الرئاسي الليبي، رفقة الاتحاد الأفريقي، خطوات في مسار «المصالحة»، من خلال العمل على عقد «مؤتمر جامع للمصالحة» في مدينة سرت، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، لكن أُجهض هذا التحرك بفعل الأزمات السياسية بين «الشركاء»، ممثلين في السلطة التنفيذية بطرابلس، والمجلس الأعلى للدولة، و«الخصوم» الممثلين في جبهتي غرب ليبيا وشرقها.

وفي زيارة الوفد الأفريقي السابقة في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى طرابلس، لم يذهب إلى بنغازي، وهو الأمر الذي عدّه البعض أنه «لا يسهم في إيجاد حل حقيقي لإنهاء الفرقة والتباعد بين جبهتي شرق ليبيا وغربها».

وفي ليبيا يوجد قانونان لـ«المصالحة الوطنية»، الأول يُعده مجلس النواب، وعلى وشك إصداره، والثاني دفع به «المجلس الرئاسي» إلى البرلمان في فبراير (شباط) الماضي، وينتظر الموافقة عليه، ما يزيد الأمر تعقيداً.

وتقطّعت السبل بين الطرفين الداعيين للمصالحة، بعد أن دخلا في مشاحنات على خلفيات تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وهما يتسابقان حالياً على إدارة ملف المصالحة.

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي، الذي عرفته ليبيا بداية من عام 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022 ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وقبيل أن ينتقل الوفد الأفريقي إلى بنغازي، ناقش مع الدبيبة مستجدات ملف المصالحة، ومقترح الميثاق الذي يهدف إلى توقيع الأطراف السياسية عليه.

وربط الدبيبة بين إجراء انتخابات عامة ونجاح المصالحة، ونقل مكتبه عنه قوله للوفد الأفريقي إن «الانتخابات هي الحل الوحيد للصراع السياسي الراهن»، مشيراً إلى أنه «لا توجد خلافات حقيقية بين الليبيين، لكنها موجودة بين الطبقة السياسية الحاكمة».

الفريق الممثل لسيف الإسلام شارك في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية» قبل أن يعلن انسحابه (صفحة سيف على «تويتر»)

وكانت أطياف ليبية كثيرة قد شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً، لأسباب من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

وسبق أن انسحب ممثلو القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» من المشاركة في ملف المصالحة، رداً على سحب رئيس «المجلس الرئاسي» قراراً ضمّ «قتلى وجرحى» قوات الجيش إلى «هيئة الشهداء».

ويظل نجاح الجهود الأفريقية مرتبطاً بمدى قدرة الاتحاد على فكّ الاشتباك، والانقسام بين الأطراف الليبية، وجمع «المتخاصمين والمختلفين في التوجهات» من عدمه.