ظلام في الكويت.. والربط الخليجي ينيرها من الدمام

بعد انقطاع تيارها الكهربائي.. الهيئة تمدها بـ1650 ميغاوات خلال ساعة

مركز التحكم التابع لهيئة الربط الكهربائي في مدينة الدمام كما بدا أمس ({الشرق الأوسط})
مركز التحكم التابع لهيئة الربط الكهربائي في مدينة الدمام كما بدا أمس ({الشرق الأوسط})
TT

ظلام في الكويت.. والربط الخليجي ينيرها من الدمام

مركز التحكم التابع لهيئة الربط الكهربائي في مدينة الدمام كما بدا أمس ({الشرق الأوسط})
مركز التحكم التابع لهيئة الربط الكهربائي في مدينة الدمام كما بدا أمس ({الشرق الأوسط})

شهدت بعض مناطق دولة الكويت انقطاعا مفاجئا للكهرباء ظهر أمس الأربعاء، في الوقت الذي ارتفعت به درجة الحرارة لتتجاوز حدود الـ45 درجة مئوية، واستمرت حالة انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعة كاملة، حتى أسعفتها هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجية، من مركز التحكم الرئيسي بمدينة الدمام، لتضج الحياة من جديد في كافة مناطق الكويت.
وبدأت القصة في تمام الساعة الحادية عشرة والثلث، حيث فقدت شبكة دولة الكويت نحو 2000 ميغاوات، نتيجة فقد كامل لتوليد محطة الصبية الغربية، بحسب ما يفيد الحساب الرسمي لهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي على شبكة «تويتر»، والذي أكد أنه جرى التعامل مباشرة وبصورة عاجلة مع هذه الأزمة.
إذ بلغ الدعم الفوري من هيئة الربط إلى شبكة الكويت 1650 ميغاوات، مما أدى إلى تفعيل دوائر الحماية، وتفيد الهيئة بأنه «تم إعادة توصيل شبكة الكويت بشبكة الربط الخليجية في الساعة الحادية عشرة و35 دقيقة، ومن ثم إعادة توصيل الدائرة رقم 2 بين محطتي الزور والفاضلي الكويتيان». وبعد ذلك، تمت إعادة الأحمال المفقودة بشبكة الكويت تدريجيا، حتى تمت إعادة جميع الأحمال عند تمام الساعة 12 و30 دقيقة (أي بعد مرور ساعة على الانقطاع).
من ناحيته، يوضح المهندس أحمد الإبراهيم، الرئيس التنفيذي لهيئة الربط الكهربائي الخليجي، أنه «تمت إعادة الخطوط الكهربائية بين محطتي الفاضلي والزور بعد التأكد من سلامة الخطوط وجاهزية الشبكتين للربط مرة أخرى»، ويشير الإبراهيم إلى أن هيئة الربط أثبتت وبسرعة الدعم اللحظي للشبكة إمكانية دعم أي من الدول الأعضاء في حالات الطوارئ.
ويضيف الإبراهيم بالقول «الهيئة كانت وما زالت تدعم جميع الدول في حالات الانقطاعات الكهربائية، حيث وصل عدد حالات الدعم إلى أكثر من 1200 حالة منذ بدأ الربط في عام 2009». مشيرا إلى أن مركز التحكم التابع للهيئة يقع في المركز الرئيسي للهيئة بمدينة الدمام (شرق السعودية).
في حين تقدم الإبراهيم بالشكر باسم كامل منسوبي هيئة الربط الكهربائي الخليجي إلى قادة مجلس التعاون الخليجي على دعمهم المستمر ومتابعتهم لجميع أعمال الهيئة، مؤكدا أن هيئة الربط الكهربائي الخليجي بدأت مؤخرا بدراسة توسعة شبكة الربط الكهربائي الخليجي لتتلاءم مع حجم الشبكات الخليجية.
أمام ذلك، ضجت شبكات التواصل الاجتماعي نهار أمس بتقديم عبارات الشكر والعرفان للهيئة الخليجية، حيث أبدى مغردون كويتيون امتنانهم للجهود الناجحة في إمداد دولة الكويت بالكهرباء خلال فترة لا تتجاوز الساعة، مع التأكيد على وصف الهيئة بأنها «مشروع خليجي حقيقي وناجح».
وبحسب ما أظهرت وسائل إعلام كويتية، فلقد شمل انقطاع التيار عدة مناطق بالكويت منها (مبارك الكبير، وصباح السالم، وحولي، وصباح الناصر، والقرين)، كما انقطعت الكهرباء عن مناطق (جابر العلي، وعبد الله السالم، والعدان والعارضية) إلى جانب عدد من المناطق الأخرى، حتى عاد التيار الكهرباء إلى بعض المناطق بصورة تدريجية، نتيجة تدخل هيئة الربط الخليجي.
تجدر الإشارة إلى أن تم تأسيس «هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية» واعتماد نظامها الأساسي في عام 2001، كشركة مساهمة مملوكة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ومقرها الدمام، وتقدر استثماراتها بنحو 11.25 مليار ريال يتم تمويلها من خلال الشبكات الكهربائية بنسبة 35 في المائة بينما الـ65 في المائة الأخرى يمولها القطاع الخاص.
وتهدف هيئة الربط الكهربائي إلى ربط شبكات الطاقة الكهربائية بين الدول الأعضاء عن طريق توفير الاستثمارات اللازمة لتبادل الطاقة الكهربائية لمواجهة فقدان القدرة على التوليد في الحالات الطارئة وتخفيض احتياطي التوليد بالأنظمة الكهربائية وتحسين اعتمادية نظم الطاقة الكهربائية اقتصاديا في الدول الأعضاء وتوفير أسس تبادل الطاقة الكهربائية بين تلك الدول بما يخدم النواحي الاقتصادية ويدعم موثوقية الإمداد الكهربائي والتعامل مع الشركات والهيئات القائمة على مرافق الكهرباء وغيرها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)