«قوى التغيير» متفائلة بانتخابات المغتربين وتخشى ارتفاع وتيرة «الترهيب والترغيب»

لبنانيون في مركز اقتراع بساحل العاج أول من أمس (إ.ب.أ)
لبنانيون في مركز اقتراع بساحل العاج أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

«قوى التغيير» متفائلة بانتخابات المغتربين وتخشى ارتفاع وتيرة «الترهيب والترغيب»

لبنانيون في مركز اقتراع بساحل العاج أول من أمس (إ.ب.أ)
لبنانيون في مركز اقتراع بساحل العاج أول من أمس (إ.ب.أ)

يتكئ كثيرون من اللبنانيين على مشهد الانتخابات النيابية التي شهدتها دول الاغتراب في الأيام الماضية، ليبنوا عليه توقعاتهم لما ستكون عليه الانتخابات العامة في الداخل الأحد المقبل. لكن وفيما يعد البعض أنه من المبكر الحسم بنتائج الاستحقاق في الخارج قبل فرز صناديق الاقتراع، يُجمع عدد من الخبراء بالشأن الانتخابي على أن الجو العام كان لمصلحة «قوى التغيير»، خصوصاً في الدوائر حيث الأكثرية المسيحية.
وبلغت نسبة اقتراع المغتربين التي جرت يومي الجمعة والأحد في 58 دولة نحو 60 في المائة، وفق أرقام أولية أعلنتها وزارة الخارجية الاثنين. وصوت نحو 130 ألف مغترب لبناني من أصل 225 ألفاً مسجلين في عملية الاقتراع في الخارج.
ويعتبر وزير الداخلية السابق مروان شربل، أنه «لا يجوز المقارنة بين نسبة الاقتراع في الخارج وأي نسبة متوقعة للاقتراع في الداخل اللبناني»، لافتاً إلى أن «نسبة المشاركة التي تم تسجيلها كان يمكن أن تكون أكبر لو تم النظر بـ3 عوامل أساسية؛ العامل الأول، اللوائح الانتخابية التي أرسلت إلى الخارج باللغة العربية، علماً بأن كثيراً من اللبنانيين المقيمين في دول الاغتراب إذا كانوا يتحدثون العربية فبعضهم لا يجيد قراءتها. أما العامل الثاني فمرتبط بتوزع أفراد العائلة الواحدة على أكثر من قلم، وثالثاً، عدم اعتماد التصويت الإلكتروني، باعتبار أن من تسجل إلكترونياً للمشاركة في الانتخابات لم يتمكن من الانتخاب إلكترونياً».
ويشدد شربل على أن «أي تأثير ملحوظ لانتخابات المغتربين هو حصراً في المناطق المسيحية نظراً لتأثير العدد»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «تم رصد تصويت الأغلبية المسيحية في الخارج لمصلحة (قوى التغيير)، وبدرجة ثانية الأحزاب، أبرزها (القوات)، يليها (التيار الوطني الحر)، فـ(الكتائب اللبنانية)». ويضيف: «لا نستبعد أن تنسحب حماسة اللبنانيين في الخارج للتصويت لـ(قوى التغيير) على اللبنانيين في الداخل، مع ترجيحنا أن يتجاوز عدد النواب التغييريين الجدد الـ10».
أما الخبير الانتخابي ربيع الهبر، فيعتبر أن نسبة التصويت المرتفعة في الخارج كانت متوقعة، مرجحاً أن تتجاوز المشاركة في الاستحقاق النيابي يوم الأحد المقبل عتبة الـ45 في المائة. ويرى الهبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «حماسة الناخبين في الاغتراب موجودة لا شك داخل لبنان أيضاً، بحيث إن الكثيرين تواقون للتغيير»، مضيفاً: «الجو العام في الداخل والخارج على حد سواء جو تغييري، وهو لا شك ليس جواً مؤيداً بكثافة لـ(التيار الوطني الحر) كما كان الحال عام 2005، حيث شهدنا تسونامي برتقالياً، ولكن الفارق أننا لن نكون بصدد تسونامي تغييري».
مصادر قيادية في حزب «القوات اللبنانية» قسمت بدورها المشهد الاغترابي إلى 3 مستويات، فاعتبرت أن «الحماسة التي أبداها اللبنانيون للاقتراع تُسقط فكرة الدائرة 16 (التي تحصر انتخاب المغتربين بـ6 نواب) التي كانت بمثابة مؤامرة على المغتربين الذين يتمسكون بالشراكة الحقيقية بالانتخاب مع المقيمين». وأشارت المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عملية اقتراع اللبنانيين في دول الاغتراب حصلت بعيداً عن الترهيب والترغيب والتهديد، وحوالي 85 في المائة من المغتربين صوتوا للقوى السيادية القادرة على صناعة التغيير بعيداً عن الأكثرية الحالية الحاكمة المتمثلة بـ(العهد) و(حزب الله)». وأضافت: «أما نحن كـ(قوات)، فقد نجحنا بإثبات أننا جسم تنظيمي له حيثية ممتدة في كل دول العالم، لذلك فإن كل صوت تغييري يجب أن يذهب للفريق السياسي القادر على تحقيق ما يجب تحقيقه من خلال حضوره التنظيمي وتصميمه وقدراته».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».