شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

بعد خروجه عن ظل شقيقه الأكبر

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية
TT

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

اختارت وسائل الإعلام الباكستانية إطلاق وصف خاص على السرعة التي جرت بها أعمال التطوير والتنمية في ظل قيادة شهباز شريف، حاكم إقليم البنجاب - ذلك أنهم يطلقون عليها «سرعة شهباز». ووصفت وسائل الإعلام شهباز شريف بأنه «ساحر»، وذلك في إشارة إلى السرعة التي تمكن من خلالها من تحويل لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان، من مدينة متروبوليتانية قديمة إلى مدينة حديثة تتميز بجسورها المرتفعة وقطارات الأنفاق وحافلات الركاب والطرق الحديثة. أما منتقدوه، فاتهموه بتنفيذ أجندة تنموية تفتقر إلى التوازن، وذلك مع تجاهله مناطق ومدناً أخرى. ويرد شهباز شريف على ذلك بقوله، إنه نجح في بناء منظومة رعاية صحية فاعلة داخل الإقليم تقوم على شبكة واسعة من المستشفيات. وفي ظل قيادته، تمكن الإقليم من مواجهة جائحة كبرى بنجاح، حسبما أكد شهباز شريف.
دخل رئيس وزراء باكستان شهباز شريف ميدان العمل السياسي عام 1988 عندما انتُخب لعضوية مجلس إقليم للبنجاب، أكبر أقاليم باكستان من حيث عدد السكان. ثم انتُخب لعضوية المجلس الوطني الباكستاني عام 1993 وأصبح زعيماً للمعارضة. ومن ثم وقع عليه الاختيار لمنصب حاكم البنجاب، للمرة الأولى في 20 فبراير (شباط) 1997. وبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته باكستان عام 1999، أمضى شهباز شريف وأسرته سنوات في منفى اختياري في المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى باكستان عام 2007.
عُين شهباز حاكماً للإقليم لولاية ثانية عام 2008، في أعقاب فوز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية في الانتخابات العامة الباكستانية داخل إقليم البنجاب. كما انتُخب حاكماً للبنجاب للمرة الثالثة عام 2013 في أعقاب انتخابات عامة وظل في منصبه حتى هزيمة حزبه في الانتخابات العامة عام 2018. ولكن مع ذلك، بقي شهباز شريف كل هذه السنوات في ظل شقيقه الأكبر نواز شريف. ورغم ما يتمتع به من مهارات إدارية ممتازة، نظر كثيرون إلى شهباز شريف داخل عالم السياسية الباكستاني باعتباره مجرد الشقيق الأصغر لنواز شريف.
اللافت، أن شهباز شريف نفسه يبدي القدر ذاته من الولاء تجاه شقيقه الأكبر، ودائماً ما يؤكد أن المكانة التي نالها في عالم السياسة يعود الفضل وراءها إلى نواز شريف.
وأكد العديد من المحللين والمعلقين السياسيين، أن الأصوات الانتخابية التي دفعت بحزب الرابطة الإسلامية إلى سدة الحكم ثلاث مرات منذ عام 1990، مرتبطة بصورة أساسية بنواز شريف. ويرى أصحاب هذا الرأي، أنه رغم أن شهباز شريف قد يكون إدارياً بارعاً، فإن شعبية نواز شريف هي ما أوصلته إلى السلطة.
مع هذا، فإنه بفضل جهوده الدؤوبة نجح شهباز شريف في إيجاد مكان له داخل الساحة السياسية الباكستانية، وبالأخص، بفضل مشاريع البنية التحتية التي أطلقها خلال فترة عمله حاكماً لإقليم البنجاب. وحقاً نجح شهباز في إنجاز هذه المشاريع في وقت قياسي؛ ما أكسبه إشادات واسعة من مختلف أرجاء باكستان، وهكذا بدأت وسائل الإعلام تطلق على السرعة التي أنجزت بها المشاريع «سرعة شهباز».
جدير بالذكر هنا، أنه جرى ترشيح شهباز شريف لمنصب رئيس حزب الرابطة الإسلامية، خلفاً لشقيقه نواز، الذي لم يعد مؤهلاً لتولي هذا المنصب بعدما حرمه قرار من المحكمة العليا من تولي أي منصب عام. ووقع الاختيار على شهباز شريف زعيماً للمعارضة في أعقاب انتخابات عام 2018.
من ناحيتها، هاجمت حكومة عمران خان، شهباز شريف ورفعت مراراً دعاوى فساد ضده. وفي المقابل، وفي أحد خطاباته السياسية داخل المجلس الوطني، أكد شهباز شريف أنه سيستقيل ويبتعد عن العمل السياسي حال إدانته بأي من الاتهامات الموجهة ضده داخل محكمة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مكتب المحاسبة الوطنية تأسس على يد الرئيس الأسبق الجنرال برويز مشرف، للتحقيق في اتهامات الفساد الموجهة إلى سياسيين، خاصة أبناء عائلة شريف. واستمرت حكومة عمران خان في الاعتماد على مكتب المحاسبة الوطنية في توجيه اتهامات إلى عائلة شريف؛ الأمر الذي شكل مصدر التوتر الأول بين المعارضة وحكومة عمران خان.
في ديسمبر (كانون الأول) 2019، جمّد مكتب المحاسبة الوطنية 23 من ممتلكات تخص شهباز شريف ونجله، حمزة شريف، متهماً كليهما بالتورط في غسل الأموال. وفي 28 سبتمبر (أيلول) 2020، ألقى مكتب المحاسبة الوطنية القبض على شهباز وأُدين أمام محكمة لاهور العليا باتهامات تتعلق بغسل الأموال، وظل سجيناً خلال فترة المحاكمة. إلا أن هذا الوضع أسهم في تعزيز المكانة السياسية لشهباز شريف في وقت ظل شقيقه الأكبر خارج البلاد لتلقي العلاج لأكثر عن سنة.
بعد إطلاق سراح شهباز شريف بكفالة بقرار من المحكمة العليا، شرع في العمل على خطة لإسقاط عمران خان من السلطة. واستهدفت خطته الأحزاب المتحالفة مع عمران خان، والتي اعتمد عليها الأخير في التمتع بأغلبية داخل البرلمان. وبالفعل، في 11 أبريل (نيسان) 2022، انتًخب شهباز شريف رئيساً للوزراء في أعقاب التصويت بسحب الثقة من عمران خان.
- بطاقة هوية
ولد شهباز شريف في 23 سبتمبر 1951 وهو ينتمي إلى عائلة شريف السياسية الكشميرية التي تعيش في لاهور وتتكلم البنجابية. كان والده، محمد شريف، رجل أعمال ينتمي للطبقة فوق المتوسطة هاجرت أسرته من كشمير واستقر بها المقام في البنجاب. وتزوج شهباز، نصرة شهباز عام 1973 وأنجبا أربعة أطفال: سلمان وحمزة وشقيقتين توأم، جفريا ورابية.
عام 2003، تزوج شهباز زوجته الثانية تهمينا دوراني. ويعمل شهباز بمجال التجارة ويشارك في ملكية «اتفاق غروب»، شركة كبرى تعمل بمجال صناعة الصلب.
على المستوى السياسي، أمضى شهباز شريف الجزء الأكبر من مسيرته المهنية في ظل أخيه الأكبر، لكن بعض المصادر المطلعة ترى أنه من دون الحنكة السياسية لشهباز شريف التي عملت خلف الكواليس، لم يكن الصعود السياسي لآل شريف ليصبح ممكناً. يذكر أنه على امتداد السنوات الماضية، تولى شهباز شريف إدارة الحملات السياسية لشقيقه الأكبر من خلف الكواليس.
- الصراع مع عمران خان
وفي الوقت الذي اجتذب عمران خان تأييد حشود واسعة داخل مدن باكستانية خلال هذه السنوات، كان شهباز شريف يقدم المشورة لشقيقه الأكبر بأن يبقى ملتزماً بالسياسات التي تركز على التنمية الاقتصادية.
وخلال الأيام السابقة مباشرة للانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) 2013، نجح عمران خان في اجتذاب تأييد أعداد كبيرة خلال مؤتمرات انتخابية عقدها في أرجاء مختلفة من باكستان. ونجح خان في اجتذاب عناصر ذات ثقل سياسي وانضمت له. وتجلى الصعود السياسي لخان في نتائج استطلاع رأي أجري عام 2012 كشفت عن أنه واحد من أكثر السياسيين الباكستانيين شعبية على مستوى البلاد.
ولكن قُبيل عقد الانتخابات التشريعية في مايو 2013، تعرّض خان لإصابات في الرأس والظهر عندما سقط من فوق مسرح أثناء عقد مؤتمر انتخابي. وظهر خان على شاشات التلفزيون من داخل المستشفى قبيل ساعات من عقد الانتخابات ليوجه مناشدة أخيرة للناخبين. وأثمرت الانتخابات أكبر عدد أصوات لصالح حزب خان «تحريك الإنصاف»، ومع ذلك كان مجمل عدد المقاعد التي حصل عليها أقل عن نصف المقاعد التي حصل عليها حزب الرابطة الإسلامية، بقيادة نواز شريف.
يومذاك، اتهم خان حزب «الرابطة الإسلامية» بتزوير الانتخابات. ولكن لم تلقَ دعواته لإجراء تحقيق في الأمر استجابة، الأمر الذي دفع خان وقادة معارضين آخرين لقيادة مظاهرات على مدار أربعة أشهر نهاية عام 2014 من أجل الضغط على شريف كي يتنحى.
من ناحيته، كان شهباز شريف ينصح شقيقه الأكبر بألا يتخذ إجراءات قاسية ضد المظاهرات التي يؤججها عمران خان. وألقى خان خطباً أمام مسيرات وقاد مظاهرات في أجزاء مختلفة من باكستان تطالب باستقالة نواز شريف وإجراء تحقيق محايد حول التجاوزات المالية لنواز شريف وأفراد عائلته.
وأثمرت جهود خان عندما أعلنت المحكمة العليا أن نواز شريف غير مؤهل لتقلد منصب عام لأنه لم يقُل الصدق للشعب الباكستاني أثناء تقلده منصب رئيس الوزراء حول التجاوزات المالية لأفراد عائلته. وبالفعل، أطيح بنواز شريف من المنصب وصدر بحقه لاحقاً حكم بالسجن 10 سنوات. ويعود الفضل الأكبر وراء محاسبة نواز شريف إلى عمرات خان.
وفي انتخابات يوليو (تموز) 2018، ظهر حزب عمران خان كأكبر كتلة داخل البرلمان، في إشارة واضحة إلى أنه المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة في البلاد بمعاونة عدد من الأعضاء المستقلين داخل البرلمان.
داخل البرلمان، نجح شهباز شريف في أن يقض مضجع عمران خان. ونقلت وسائل الإعلام الباكستانية بإسهاب مقتطفات من خطبه أمام البرلمان. وخلال هذه الفترة، تمكن شهباز شريف من تعزيز مكانته السياسية، في الوقت الذي كان شقيقه الأكبر خارج البلاد، وبالتالي خارج المشهد.
في الوقت الراهن، يترأس شهباز شريف حكومة ائتلافية في وقت تنوي المعارضة التحريض على مظاهرات ضد الحكومة بعد إجازة العيد. يذكر هنا، أن شهباز شريف إداري وخبير تنموي، وليس زعيماً شعبياً. وبالتالي، سيجد صعوبة بالغة في مواجهة عمران خان الذي تتزايد شعبيته داخل المناطق الحضرية في باكستان.
ولذلك؛ يبدو أن شهباز شريف عاقد العزم على إنجاز فترة ولايته؛ الأمر الذي يعد بمثابة كابوس لعمران خان. وإذا نجح شهباز شريف في تعزيز قبضته على السلطة واستمر لأكثر من سنة، فإن هذا سيمنحه فرصة تعيين القائد الجديد لأركان الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.