منطقة الشرق الأوسط تفرض ثقافتها على صناع الترف خلال رمضان

بيوت عالمية تستعين بمواهب محلية للترويج لها

مصممة المجوهرات فاليري ميسيكا حضرت خصيصاً من باريس لتحتفل بالمناسبة مع ضيفاتها
مصممة المجوهرات فاليري ميسيكا حضرت خصيصاً من باريس لتحتفل بالمناسبة مع ضيفاتها
TT

منطقة الشرق الأوسط تفرض ثقافتها على صناع الترف خلال رمضان

مصممة المجوهرات فاليري ميسيكا حضرت خصيصاً من باريس لتحتفل بالمناسبة مع ضيفاتها
مصممة المجوهرات فاليري ميسيكا حضرت خصيصاً من باريس لتحتفل بالمناسبة مع ضيفاتها

حفلات إفطار وسحور وسط أجواء تقليدية، وحملات تسويقية بنكهة رمضانية تُروج لساعات جديدة ومجوهرات حصرية، فضلاً عن أزياء مغزولة بالذهب أو بالخط العربي، بعض من الإغراءات التي توجهت بها بيوت الأزياء والمجوهرات العالمية لسوق الشرق الأوسط بمناسبة شهر رمضان. لحد الآن فإن الخبر ليس جديداً، حيث اعتاد صناع الترف التوجه إلى السوق العربية خلال الشهر الفضيل لما تُحققه لهم من أرباح سريعة. الجديد أن طرق الطرح والتواصل مع هذا الزبون تغيرت بشكل جذري هذه السنة. اختفت الوجوه الغربية التي كانت تُروج لأزياء تتسم بالحشمة وإكسسوارات تُكملها، وحلت محلها وجوه عربية متألقة في مجالات عملها. اختفت أيضاً كاميرات كبار المصورين وحلت محلها كاميرات بعيون محلية، الأمر الذي أصبغ على هذه الحملات نكهة تقترب من روح المنطقة أكثر وتلمس وجدانه.

الممثلة والفنانة وكاتبة السيناريو سارة طيبة في حملة «مونبلان»

حتى فيما يتعلق بالأزياء، كانت المشكلة في الماضي تكمن في اكتفاء المصممين باللعب على المتوفر لديهم، مع إضافة إيشاربات أو تطويل التنورات أو زيادة أكمام، لكي تتلاءم مع مفهوم الحشمة كما يتصورونها. في أحسن الحالات كان اجتهادهم يتمخض عن فساتين مستوحاة من العباءات والقفاطين والجلابيات. وحتى هذه كانت تُقدم بلغة تجارية غربية باردة تخلو من أي مشاعر من شأنها أن تلمس وجدان المتلقي. لكن شتان بين الأمس واليوم. فالعلاقة لم تعد قائمة على مجرد بائع ومستهلك، بل على احترام ثقافي، وهو ما بات يحتاج إلى تسويق ذكي مغلف بإطار إنساني أكثر حميمية يُولد الولاء على المدى البعيد. وهنا لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه شباب المنطقة. فهم الذين فرضوا هذا الاحترام باعتزازهم ببيئتهم واحتفالهم بثقافتهم في كل المحافل الفنية والإبداعية.

المغني ومؤلف الأغاني السعودي حمزة هوساوي بطل حملة «مونبلان» الرمضانية

أما ما أكدته معظم بيوت الأزياء والمجوهرات العالمية التي شاركت زبائنها احتفالهم بمناسبة رمضان هذا العام، فهو أنها فهمت عقلية ونفسية زبائنها أخيراً، وخرجت من بُرجها العاجي لتتوجه له بشكل مباشر مستعينة بشخصيات عربية. تقول جوديث ميلغروم مصممة علامة «ماج» لـ«الشرق الأوسط»، عن أهمية التفاعل مع الأسواق المحلية بشكل مباشر ومشاركته احتفالاته بمناسباته الخاصة، قائلة: «هذا المبدأ يتماشى مع توجهي الفني في كل الأحوال، فتصاميمي مستوحاة من هنا وهناك بما في ذلك الشرق بألوانه الدافئة وأقمشته المترفة، وهو ما يُسهل عليّ عملية التواصل معه». ترجمت جوديث هذا القول في مجموعة رمضانية خصت بها المنطقة، تضم خمسة فساتين طويلة بألوان ناعمة وتفاصيل بعيدة عن التكلف، حرصت أن تعرضها مؤثرتان محليتان هما هلا وبسمة حمزة. موقع «ماتشزفاشن» اللندني، الذي استقبل في السنوات الأخيرة أسماء عربية وشرقية، قدم بدوره لزبوناته وزبائنه على حد سواء، خيارات انتقاها خبراء متخصصون بعناية شملت تصاميم محتشمة ومريحة من إبداع مصممين من أمثال إميليا ويكستيد وتولر مارمو وغيرهما حتى تُسهل على المتسوق مهمته.

دار «إيترو» الإيطالية أيضاً قدمت تشكيلة حصرية  استلهمت نقشاتها من المنطقة العربية

أما مصممة المجوهرات فاليري ميسيكا، فطارت من باريس إلى دبي لحضور حفل سحور أقامته في خيمة تقليدية أطلقت عليه عنوان «ليلة ميسيكا»، واستضافت فيها ست سيدات من المنطقة يتميزن بشخصيات مستقلة ويجمعهن حب الجمال والأناقة، نذكر منهن المغنية الإماراتية ألماس والشيف السعودية سما جاد والممثلة الكويتية إيمان الحسيني وغيرهن، بينما تولى تصوير الأمسية المخرج الإماراتي عبد الله الكعبي والمصور التونسي معز عاشور.
دار «لورو بيانا» أيضاً قدمت تشكيلة محدودة بالتعاون مع الفنان الإماراتي مطر بن لاحج، تحتفل بالخط العربي الذي يعشقه. في هذه التشكيلة زين قفاطين وعباءات وشيلات وبدلات مصنوعة من الكتان والكادي الحريري بكلمات مُعبرة. كانت هناك أيضاً إكسسوارات وأحذية، بألوان وجلود خصت بها الدار منطقة الشرق الأوسط. الجميل فيها أن الخط العربي الذي تفنن فيه مطر يأخذ أشكالاً متعددة للتعبير الفني، مع قاسم مشترك بينها هي كلمة «حب» التي تختزل كل ما هو جميل ونبيل حسب رأي الفنان والدار الإيطالية، على حد سواء، وتم تطريزها بشكل متكرر وبحبكة أنيقة في الكثير من القطع. أحياناً عند أطراف الأكمام وأحياناً عند الجيوب والحواشي. وفي هذا الإطار، يقول الفنان مطر بن لاحج، إن أكثر ما شجعه على هذا التعاون أنه «يرتكز على ذوق متجذر ورفيع، كما على احترام عميق لثقافة الشرق الأوسط».

قدمت دار «لورو بيانا» تشكيلة محدودة بالتعاون مع الفنان الإماراتي مطر بن لاحج تحتفل بالخط العربي

وفي منطقة البلد التاريخية في جدة بمعمارها المميز وتقاليدها المتجذرة في التاريخ، احتفلت «مون بلان» بحلول الشهر الكريم بتسليط الضوء على موهبتين شابتين من جدة، وهما الممثلة والفنانة وكاتبة السيناريو سارة طيبة، والمغني ومؤلف الأغاني حمزة هوساوي. صورت فيلماً قصيراً يرصد لحظات شخصية عايشاها في وقت واحد. جاء الاختيار حسب ما قاله فرنك جوهيل، رئيس دار «مون بلان» في الشرق الأوسط والهند وأفريقيا، إن الإبداع بكل أشكاله، خصوصاً الكتابة، يدخل في جينات الدار، ويعد جزءاً من تاريخها، لهذا كان من الطبيعي وبهذه المناسبة أن «نظهر عمق الإبداع الإقليمي ومواهبه الشابة على أمل إلهام الناس وتحفيزهم على الكتابة».

قدمت علامة «ماج» مجموعة رمضانية تضم خمسة فساتين طويلة بألوان ناعمة وتفاصيل بعيدة عن التكلف

من الحملات اللافتة أيضاً، التي طُرحت بمناسبة الشهر الفضيل حملة دار «أي دبليوسي شافهاوزن» التي تبرز بطلين من العالم العربي هما ريما الجفالي، أول سائقة سباقات سيارات سعودية محترفة على الإطلاق، وعبد الله راجحي، الذي يمتهن الطيران من باب الشغف والحب.
تم تصوير هذه الحملة في المملكة العربية السعودية على خلفية صحراوية وتقاليد تثير الحنين، تبدأ بالاستيقاظ قبل شروق الشمس لتناول السحور، وتصل ذروتها عند غروب الشمس حين تجمعهم طاولة الإفطار. بين الفجر والمغرب تتبع عدسة تصوير المخرجة التونسية أمل غيلاتي، بطلي الحملة الرمضانية أثناء رحلتهما عبر العالم، بين السحب والأرض، خلف عجلة القيادة وفي قمرة القيادة، وفي معصم كل واحد منهما ساعة من مجموعة آي دبليو سي: ساعة بيغ بايلوت بيربتشويل كالندر توب غان نسخة «صحراء موهافي» (IW503004) بعلبة من السيراميك بلون الرمال، وساعة بايلوت كرونوغراف توب غان سيراتانيوم (IW388106) المصنوعة من السيراتانيوم كما يشير اسمها، وهي مادة تُكسبها خفة شديدة في الوزن.

ريما الجفالي أول سائقة سباقات سيارات سعودية محترفة وعبد الله راجحي بطلا حملة «آي دبليو سي شافهاوزن»

 



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».