البنك المركزي السوري يواصل ضخ الدولارات في سوق الصرف لوقف تدهور الليرة

تراجع احتياطي القطع الأجنبي والإنتاج النفطي والسياحة والاستثمار وراء التراجع الكبير للعملة السورية

البنك المركزي السوري يواصل ضخ الدولارات في سوق الصرف لوقف تدهور الليرة
TT

البنك المركزي السوري يواصل ضخ الدولارات في سوق الصرف لوقف تدهور الليرة

البنك المركزي السوري يواصل ضخ الدولارات في سوق الصرف لوقف تدهور الليرة

بكثير من القلق والحذر يتابع السوريون ارتفاع سعر الليرة السورية مقابل الدولار بسرعة جراء التدخل اليومي للبنك المركزي في سوق الصرف، وبعد أن تدهورت قيمة الليرة على نحو سريع على وقع اشتداد المعارك وتراجع قوات النظام في شمال البلاد ومواقع أخرى نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، حيث تجاوز سعر الدولار الـ315 ليرة، ما استدعى تدخلا إسعافيا من قبل البنك المركزي الذي قرر عقد جلسات تدخل يومية تراجع فيها سعر الدولار إلى ما دون 300 ليرة ليصل يوم أمس إلى نحو 256 في السوق السوداء، بينما حدد البنك سعر ما دون 220 ليرة للدولار.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر خاص تأكيده أن «الجهات المعنية مستمرة بالتدخل في سوق العملات الأجنبية. وأنها بدأت بضخ القطع الأجنبي في المحافظات عبر عدد من شركات الصرافة بسعر 215 ليرة سوريا للدولار الواحد». ولفت المصدر إلى أن وزارة الداخلية تقوم بإجراءات مشددة لمكافحة تهريب العملات الأجنبية، في وقت أكدت فيها الوكالة الرسمية وفي تصريح سابق لمصدر خاص «وجود زيادة كبيرة وواضحة في كميات القطع الأجنبي الواردة إلى سوريا»، عزتها إلى «تحويلات المغتربين السوريين من الخارج». حيث أشار المصدر الخاص بوكالة (سانا) إلى منح الحكومة السورية تراخيص عمل لشركات جديدة تعمل في صرافة وتحويل أموال، مع تسهيل إجراءات الترخيص.
وكانت صحيفة «الوطن» المحلية الموالية للنظام قد ذكرت أن أربع شركات صرافة وتحويل أموال تقدمت بطلب شراء الدولار من البنك المركزي أول من أمس، للاستفادة من «شريحة التدخل الجديدة التي حددت أسعار صرف الدولار فيها بين 215 و225 ليرة، وهذه الشركات هي الديار والمتحدة ومونيتا ودياب». وبحسب صحيفة «الوطن» تبيع شركة الصرافة مونيتا الدولار «بكميات مفتوحة للمواطن على بطاقته الشخصية، وبسعر 220 ليرة للدولار، وذلك كون الشركة استفادت من الشريحة الجديدة التي طرحها المصرف المركزي بهدف تعزيز قيمة الليرة السورية». وحدد البنك المركزي سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بـ35.‏236 ليرة سوريا كسعر وسطي للمصارف و17.‏236 ليرة كسعر وسطي لمؤسسات الصرافة.
وكانت الحكومة السورية قد أغلقت الكثير من شركات ومحلات الصرافة في حملة عنيفة شنتها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لملاحقة المتعاملين بالدولار، واعتقال المتاجرين به وحتى المتعاملين به من المواطنين، بزعم ضبط السوق والحفاظ على قيمة الليرة التي خسرت الكثير من قيمتها خلال أربعة أعوام من الحرب، لتبلغ ذروة تدهور غير مسبوقة نهاية أبريل الماضي، لتعود وتسجل تحسنا بعد تدخل البنك المركزي، الأمر الذي يقرأه السوريون تلاعبا من قبل النظام لسحب العملة من السوق لصالح كبار التجار المرتبطين بالنظام.
وفي الأسبوع الأخير بدأت بعض شركات الصرافة ببيع الدولار مباشرة للمواطنين بسعر 220 ليرة وبكميات مفتوحة، بحسب ما ذكرته صحيفة «الوطن»، في حين باعت شركات أخرى الدولار للمواطنين بسعر 235 ليرة وبكميات مفتوحة أيضًا تتجاوز 10 آلاف دولار، على حين واصلت شركات أخرى بيع المواطنين كميات لا تتعدى 200 دولار بسعر 252.5 ليرة، في حين امتنعت شركات ومؤسسات أخرى عن بيع الدولار. ورأت «الوطن» أن «الضخ المفتوح والاستثنائي للدولار عزز من قوة الليرة وأثار موجة من المشاعر الإيجابية في السوق»، متوقعة ارتفاعًا أكثر في قيمة الليرة خلال الأيام القليلة المقبلة، باعتبار أن توفير الدولار بسقوف مفتوحة للمواطنين عبر شركات الصرافة «يقوض السوق السوداء ويجعل سعر الصرف الحقيقي هو سعر التدخل، لكونه متاحًا لأكبر شريحة تطلبه». ليبقى التحدي الأبرز للبنك المركزي مهمة تثبيت الأسعار عند المستوى المعقول، وهذا ما يشكك به السوريون الذين تابعوا خلال السنوات الأربع الماضية، مسلسلا مشابها في ارتفاع صاروخي لسعر الدولار أمام الليرة وتراجع تدريجي، كانت خلاله أسعار السلع الأساسية ترتفع بشكل جنوني ولا تتراجع مع تحسن قيمة الليرة، التي تتعرض قيمتها لنزيف مستمر جراء تراجع احتياطي البنك المركزي من القطع الأجنبي من نحو 19 مليار دولار في نهاية 2010 إلى دون 4 مليارات دولار. هذا بالإضافة إلى تراجع الإيرادات النفطية بما قيمته 4 مليارات دولار، نتيجة انخفاض الإنتاج من 400 ألف إلى دون 200 ألف برميل يوميا، مما أفقد خزينة الدولة نحو 25 في المائة من إيراداتها وفق تقرير المركز الوطني السوري للتنافسية. هذا ناهيك عن تراجع الحركة السياحية بأكثر من 90 في المائة من 2010. إذ تراجعت عائدات القطاع من 319 مليار ليرة إلى ما دون 4 مليارات في 2014. وتقلصت الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من 3 مليارات عام 2010 إلى صفر في نهاية 2014. إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، والعقوبات التي فرضت عام 2014 على روسيا واستمرار العقوبات على إيران، وتراجع أسعار النفط عالميا، وخفض كل من موسكو وطهران دعمهما المالي للنظام في سوريا والذي كان يتم على شكل تحويلات نقدية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.