د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليس حباً في ماكرون لكن كرهاً في لوبان

بمجرد إعلان نتيجة الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي أنتجت فوز الرئيس الفرنسي بفارق بسيط مع منافسته الشعبوية ماري لوبان، التي صعدت معه إلى المنافسة في الجولة الثانية، ولكن المفاجأة في الانتخابات الفرنسية ستكون في جولتها الثانية، ستكون في تصويت كثيرين من معارضي ماكرون له، وسيكون شعارهم «ليس حباً في ماكرون، ولكن كرهاً في ماري لوبان»، فالانتخابات الفرنسية رغم فوز الرئيس الحالي ماكرون بفارق ضئيل للمرحلة التالية فإن الانتخابات جعلت من الشعبويين «الفائز» الشريك للانتقال إلى المرحلة الثانية، ولا يفصلهم عن ماكرون سوى فارق بسيط لا يتجاوز 2 في المائة في سابقة خطيرة جعلت منهم الصوت الثاني، ويكاد يكون الصوت الأول مكرراً في الجمهورية الخامسة، جمهورية الحرية والعدل والمساواة والمواطنة، بينما شعاراتهم تختلف وتتعارض مع ما قامت عليه الثورة الفرنسية من شعارات، أسست للجمهورية الأولى في التاريخ، جمهورية صباح الخير يا أخي المواطن، والتي نفضت عن فرنسا غبار بسكويت ماري أنطوانيت وعجرفتها أمام الجائعين لرغيف الخبز، وأسقطت حصن الباستيل، هي اليوم تنتكس بظهور أصوات شعبوية، لم تعد مجرد أقلية لا تذكر، إلى أن أصبحت الرقم الثاني في الانتخابات الفرنسية.
فرضية وصول الشعبوية ماري لوبان للسلطة في فرنسا، وخطابها المشبع بالعداء للتعايش السلمي مع المهاجرين والأجانب في فرنسا، الذي ورثته من أبيها في حزب، جميع بين صفوفه ممن اتفقوا على العداء للأجانب، هو الكابوس المخيف لكثيرين ممن يمتلكون حق التصويت، فرغم ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، في الجولة الأولى، لا أعتقد أن العزوف عن المشاركة سيكون سائداً في الجولة الثانية، خاصة مع صعود ماري لوبان للجولة الثانية، ما يعنى أننا سنكون أمام نازية أو فاشية جديدة، رغم نكران ماري لوبان لهذه الصفات، لكن يبقى مشروعها الانتخابي المبنى على العداء للغريب والأجنبي يتقاطع مع النازية والفاشية التي تؤمن بتفوق ما تسميه الجنس الآري.
المفهوم الشعبوي يتقاطع مع مفهوم العنصرية بدءاً من النرجسية وحب الذات وإقصاء الآخر والزعم بملكية الوطن (الأرض) وطرد السكان الأصليين والزعم «بانحياز» الرب لطرف دون آخر والعيش في قوقعة الجنس «المتفوق» إلى الزعم بسيادة الجنس الآري وتصادم الحضارات وتفوقها وانتشار مفهوم العرق السيد Master Race ونظرية تفوق الجنس، كما كان يؤمن النازي أدولف هتلر والفاشي موسيليني، وهو ما تسير ماري لوبان على نهجه، ولو بشكل مختلف، ولكن بمفهوم واحد.
رغم الصورة السوداوية في تزايد التيار الشعبوي، فإن المطمئن هو أن غالبية المجتمع الفرنسي ليست على وفاق مع خطاب ماري لوبان وباقي الشعبويين، بل هناك أصوات طالبت بالتصويت لماكرون في الجولة الثانية كرهاً في ماري لوبان وخطابها الشعبوي.
معركة قد تضع فرنسا أمام خيارين، إما الشعبويين أو ماكرون. الأمر الذي جاء لصالح ماكرون، رغم سياساته المتناقضة ومعاييره المزدوجة، خاصة حين قال إن الرسوم المسيئة للرسول والإسلام حرية رأي، في حين اشتد غضباً من الصحافة الروسية على رسوم مسيئة لأوروبا، وقال: «إنها ليست حرية رأي»، إلا أنه يبقى خياراً من بين أفضل السيئين للبعض.
الوصول إلى قصر الإليزيه في المرحلة الحالية لن يكون للشعبويين، رغم تنامي تيارهم، بدءاً من حزب لا يكاد يحصد أصوات منتسبيه، إلى أن أصبح له أصوات خارج منتسبيه، يمكن أن تمكنه من المنافسة على الترتيب الثاني، إن لم يكن الأول مكرراً، ما يعتبر مقلقاً، خاصة أن التيار الشعبي أصبح يتزايد في أوروبا، مع صعود رؤساء ووزراء شعبويين يجاهرون بما يؤمنون به من خطاب الكراهية.
رغم خطاب العداء للشعبويين، فإن فرنسا بلد «صباح الخير الأخ المواطن»، فرنسا الحرية والعدل والمساواة، لن تنتكس ويحكم قصر الإليزيه فيها من يعيدها إلى حظيرة ماري أنطوانيت وسجن الباستيل.