التلفزيون الجزائري يبث اعترافات «إرهابيين»... وتوبتهم

عناصر الجماعة أثناء القبض عليهم. الصورة لوزارة الدفاع الجزائرية
عناصر الجماعة أثناء القبض عليهم. الصورة لوزارة الدفاع الجزائرية
TT

التلفزيون الجزائري يبث اعترافات «إرهابيين»... وتوبتهم

عناصر الجماعة أثناء القبض عليهم. الصورة لوزارة الدفاع الجزائرية
عناصر الجماعة أثناء القبض عليهم. الصورة لوزارة الدفاع الجزائرية

بثّت الحكومة الجزائرية تلفزيونياً، السبت والأحد، ما أسمته «اعترافات إرهابيين» تم القبض عليهم في الأسابيع الماضية، شرق البلاد، أكدوا فيها أن العمل المسلح بالجزائر «وصل إلى طريق مسدود».
وجاء في تصريحات متطرفين، يدعى أحدهما بن حميدة رشيد، والثاني زموري عبد الحق، أن حمل السلاح منذ بداية تسعينات القرن الماضي «ثبت أنه مشروع فاشل اعتمد على فتاوى خاطئة، صدرت عن أشخاص لا يعتد بآرائهم». دون أن يذكروا من هم أولئك الأشخاص.
وكانت وزارة الدفاع أعلنت الشهر الماضي إلقاء القبض على عدد كبير من المتشددين، في حملة عسكرية بمنطقة سكيكدة (500 كيلومتر شرق العاصمة). كما تم القضاء على 7 مسلحين، حسبها.
وقال بن حميدة، المعروف حركياً بـ«حذيفة»، إنه التحق بالإرهاب عام 1996 بجبال بومرداس شرق العاصمة، مبرزاً في اعترافاته حول الأعمال المسلحة التي نفذها، أن «ما بقي من مسلحين في معاقلنا أصبحوا معزولين». وأكد أن العمل المسلح «لم يعد يصلح لشيء، وهذا انطلاقاً من تجربتي الشخصية».
وعبّر «حذيفة» عن «شعور بالندم»، داعياً الشباب إلى «الابتعاد عن الطريق الخطأ الذي مشينا فيه، لأن عواقبه غير محمودة». وأكد أنه شارك عام 2011 في عملية سطو فاشلة على بنك بمنطقة تيزي وزو (100 كيلومتر شرقاً)، وتفجير سيارة قرب مركز للشرطة بنفس المنطقة. وبحسب نفس المتطرف «التائب» عن الإرهاب، عاشت عناصر الجماعة التي ينتمي إليها بسككيدة «أوضاعاً معيشية مزرية، دفعتنا إلى اتخاذ قرار بالاستسلام وطلب الأمان، وتسليم السلاح لقوات الجيش، التي عاملتنا بطريقة حسنة، ووفرت لنا الرعاية الطبية الضرورية والغذاء واللباس».
ومن أبرز الذين تم القبض عليهم، حسب وزارة الدفاع، مدني لسلوس، الشهير حركياً بـ«عاصم أبو حيان» (مفتي الجماعة)، وهو من قدامى المنضمين إلى أولى الجماعات المسلحة، التي تشكلت بالجزائر كردّ فعل على تدخل الجيش لإلغاء الانتخابات البرلمانية التي اكتسحتها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» نهاية 1991.
وأكد مدني الأسبوع الماضي، خلال عرض شهادته حول ظروف «الجماعة»، أنه «قرر الحديث طواعية، ولم أتعرض لأي ضغوط، وذلك من منطلق شرعي، فإذا تاب المرء من ذنب عليه إعلانه، فأنا ظلمت الشعب في دماء أبنائه وفي أعراضهم ومالهم».
ونشرت وزارة الدفاع أمس، اعترافات عضوين مسلحين آخرين، جيلالي عبد القادر، المكنى «موسى»، وزروق بلقاسم، المدعو «أبو أنس»، اللذين خاضا لمدة 40 دقيقة في تفاصيل «الأعمال الإجرامية منذ الالتحاق بالإرهاب».
وفي تعليق له، قال الشيخ بوعبد الله غلام الله، رئيس «المجلس الإسلامي الأعلى» (هيئة إفتاء تابعة لرئاسة الجمهورية)، للإذاعة الحكومية، إن المسلحين الذين قدموا اعترافاتهم «أشخاص غرر بهم، بدليل ندمهم على الأفعال التي ارتكبوها، لذلك يمكن اعتبارهم ضحايا أفكار مغلوطة آمنوا بها». وشدد على «الدور المنتظر من العلماء والجمعيات الدينية، لمحاربة الأفكار الدخيلة، في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا والوسائط والتطبيقات، إذ لا بد من وجود منهجية تسمح لنا بمجابهة محتوى هذه الأجهزة والتطبيقات، حتى لا يكون لها تأثير على الشباب الجزائري وعلى وحدة الأمة وحصانتها».
وعام 1995، سنّت الدولة قانوناً سمته «الرحمة»، عرض على «الجماعة الإسلامية المسلحة» عفواً عن أعضائها، مقابل وضع السلاح. واتخذ الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة خطوة مشابهة عام 1999 سماها «الوئام المدني»، ثم في 2006 «قانون السلم والمصالحة»، وكان مشروطاً بعدم التورط في تفجيرات بالأماكن العامة واغتصاب النساء.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.