إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

هل تحكم فرنسا امرأة؟

بعد أسبوع يذهب 48 مليوناً و700 ألف ناخب فرنسي إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد، أو متجدد. هذا هو رقم المسجلين في القوائم. نصفهم سيتكبد عناء النزول من بيته في يوم عطلة لممارسة هذا الحق. وهو قد يفضّل الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم نزل إلى الصالات قبل أيام وفيه تشتغل البطلة رئيسة للجمهورية. منصب أسال لعاب عدد من المرشحات في الماضي، وما زال يسيل. وفي المعركة الانتخابية الحالية أربع منهن من بين 12 مرشحاً. أي الثلث.
عنوان الفيلم «عالم الأمس». وفيه نرى الرئيسة الفرنسية إليزابيت دو رينسي في الأيام الثلاثة الأخيرة من انتهاء ولايتها. إنها مريضة ولا تنوي الترشح لولاية ثانية. كما تود تخصيص وقتها لابنتها. لكن معلومات مؤكدة تصلها بأن فضيحة ستطيح بالمرشح الذي تثق به ليكون خليفتها. سينسحب ويصفو الجو لفوز مرشح اليمين المتطرف. هل تمضي في قرار الاعتزال أم تخوض الانتخابات لقطع الطريق على خصمها؟
لم يحدث أن حكمت الجمهورية الفرنسية امرأة. لكن قصة الفيلم تقترب مما يجري في الواقع. فكم من مرشح اضطر للانسحاب، بسبب فضيحة مالية أو جنسية، بعدما كان قاب قوسين من التتويج؟ وهناك مارين لوبان، أقوى المرشحات الأربع الحاليات. امرأة محنكة ورثت حزبها عن والدها جان ماري لوبان، السياسي الذي كان موصوفاً بالتطرف قبل أن يظهر في الساحة من هو أكثر عنصرية وتطرفاً. إن لها فرصة كبيرة في الصعود إلى الدورة الثانية من الانتخابات. فهل يقطعون عليها طريق «الإليزيه»؟
في الانتخابات الماضية، تواجهت مارين مع ماكرون في الدورة الثانية. وتغلب عليها. يقول الجيران الأوروبيون إن الفرنسيين ما زالوا غير متقبلين لفكرة أن تحكمهم امرأة. كانت إديت كريسون الوحيدة التي شغلت رئاسة الوزارة قبل عشرين عاماً. ولم تبل بلاء حسناً. وبعد تركها المنصب نشرت كتاباً أدرجت فيه، بالأسماء والوقائع، عشرات المواقف السلبية التي قوبلت بها لمجرد أنها امرأة.
كانت آرليت لاغييه، زعيمة حزب النضال العمالي، أول فرنسية ترشح نفسها للانتخابات الرئاسية. حدث ذلك عام 1974 ونالت مليون صوت وبضعة كسور. إنها صاحبة الرقم القياسي في الترشح: ست دورات. في كل دورة تكسب المزيد. وفي الأخيرة منحها ستة ملايين ناخب أصواتهم. ثم تعبت وسلمت الراية لخليفتها ناتالي آرتو، إحدى المرشحات الأربع الحاليات.
اشتهرت آرليت بين الفرنسيين باسمها الأول وبعناد بغل. وظهرت بعدها أسماء نسائية قلائل. أبرزها سيغولين روايال، مرشحة الحزب الاشتراكي التي جمعت 17 مليون صوت. ملايين لم تكن كافية للفوز. غلبها ساركوزي عام 2007. ثم تقلبت السنوات وها هم الاشتراكيون يرشحون امرأة، مجدداً، للانتخابات الحالية. لكن ما أبعد اليوم عن أمس! ذلك أن المرشحة آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، تلعب في الوقت بدل الضائع ولن تنقذها ركلات الترجيح. وبحسب استطلاعات الرأي فإنها لن تحصل على أكثر من 2 في المائة من الأصوات.
أين آرليت، المرشحة العنود التي تجاوزت الثمانين؟ تشير الأخبار إلى أنها تتردد بانتظام على مكتبها في مقر حزبها وتشرف على صحيفته. قالت في مقابلة نشرت حديثاً إنها خاضت ستة انتخابات مع إدراكها بأنها خاسرة. يحتاج الفوز ثورة اجتماعية تنطلق من الأسفل وتمنح السلطة للشغيلة. «إن تحرر العمال لا بد أن يتحقق بأيديهم». هكذا تعلمت من ماركس. تقول أيضاً إن كونها امرأة لم يغيّر من تعامل خصومها معها. وقد تعاملت بعض النساء معها بذكورية أكثر من الرجال. سألتها إحدى الصحافيات، ذات يوم: «لماذا لا تتبرجين؟».