قليلون في العالم عربي يعرفون أن المطرب المصري الشهير محمد عبد المطلب، انطلق من القدس، بعد أن كان أحد أعضاء «الكورال» في فرقة محمد عبد الوهاب، قبل أن يشتهر في القاهرة بعد ذلك، وهو ما أكد عليه في حديث إذاعي مسجل له، بقوله: «بدايتي الفنية كانت في فلسطين قبل أن أشتهر في القاهرة».
وقلة فقط ربما يعلمون حكاية الأغنية التي كانت وراء شهرة فريد الأطرش، وأعني «يا ريتني طير وأطير نحوك»، فهي من ألحان الفلسطيني يحيى اللبابيدي، وكان منحها لإيليا بيضا، ولكن عندما سمعها بصوت فريد الأطرش، منحه إياه، وكانت نقطة انطلاقه إلى النجومية على المستوى العربي.
أما اللبنانية لور دكاش، فسجلت أغنيتها الشهيرة «آمنت بالله» في استوديوهات بمدينة يافا، في حين كان لكل من المطربة منيرة المهدية، ومحمد عبد الوهاب، وكذلك أم كلثوم التي لقبت بـ«كوكب الشرق» في حيفا، زيارات متكررة إلى يافا والقدس وحيفا، ولهم تسجيلات كثيرة، خاصة في استوديوهات يافا والقدس، وكان ذلك قبل نكبة عام 1948.
هذا غيض من فيض المعلومات التي كشفها نادر جلال، مسيّر مؤسسة «نوى» للتنمية الثقافية، وتعنى بـ«النبش» عن التراث الموسيقي الفلسطيني والعربي في فلسطين، وبالتحديد في مرحلة ما قبل النكبة، وإعادة الحياة إليه، عبر إصداره في أسطوانات تقدمها الفرقة التي تحمل اسم المؤسسة، وتضم أكثر من ثلاثين عازفا وعازفة، ومطربا ومطربة، من مختلف أنحاء فلسطين، كما كان الحال عليه في أسطوانتي «روحي الخماش» و«محمد غازي»، وقدمتهما الفرقة في عروض حية أكثر من مرة في الكثير من المدن الفلسطينية.
وكان مسرح الحمراء في يافا، وفق جلال، يستضيف عروضا فنية عربية بارزة، كونه يتميز باتساع مساحته، وبنيته التحتية المهيأة للعروض الجماهيرية، إضافة إلى عروض أفلام كفيلم «نشيد الأمل» لأم كلثوم. فالعروض الموسيقية لكبار الفنانين العرب وخاصة المصريين، وكذلك الأفلام، كانت تنطلق في القاهرة، وتكون محطتها الثانية فلسطين (يافا، أو حيفا، أو القدس)، مستعرضا صورا تدلل على ما أدلى به.
وقال، في ندوة ضمن فعاليات أسبوع الاحتفال بيوم الكتاب العالمي في مدينة رام الله: شهدت فلسطين، ما قبل النكبة، نموا في أكثر من مجال على صعيد التنمية الفنية، كتأهيل الموسيقيين، حيث كانت إذاعتا «هنا القدس» و«الشرق الأدنى»، ترسلان العاملين في فرقهما المتنوعة للدراسة في معهد فؤاد الأول في القاهرة، ومنهم: روحي الخماش، وحليم الرومي، ورياض البندك، ويحيى السعودي، ويحيى اللبابيدي، ومحمد غازي، وغيرهم، لينهوا دراستهم هناك، ومن ثم يعودون للارتقاء بمستوى فرق الإذاعات. ففي القدس وحدها كانت هناك ثلاث فرق أوركسترالية، غير فرق الموسيقى العربية، والفرق التي تقدم الموسيقى الغربية بتنوعاتها.
وتشتت الموسيقيون الفلسطينيون والعرب العاملون في إذاعتي هنا القدس والشرق الأدنى، كما حال الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، عقب الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 (النكبة) إلى الأقطار العربية المجاورة، وإلى أقطار في أوروبا وغيرها، وساهم الكثير منهم في نهضة المشروع الموسيقى لتلك الدول، لافتا إلى أن النكبة أتت لتطيح بهذا المشروع الموسيقي النهضوي في فلسطين.
وضرب جلال مثالا على ذلك، المنتج والمخرج الفلسطيني صبري الشريف، وكان مسؤولا عن القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى بيافا مطلع أربعينات القرن الماضي، وخرج بأهمية الانطلاق من التراث الشعبي الفلسطيني وتراث المنطقة وإعادة توزيعه أوركستراليا، مستفيدا من التجربة الأوروبية، فاستقدم مدحت عاصم وعبد الحليم نويرة من مصر، وقدم عملان في هذا الإطار، واعتبرهما إلياس سحاب بداية المسرح الغنائي في فلسطين، الذي استكمل فيما بعد ببيروت، عبر تجربة الشريف مع الأخوين رحباني، وأخرج الكثير من أعمالهما بمشاركة فيروز، وفيلمون وهبي، وزكي ناصيف، وغيرهم، فخصص جزءا من موازنة إذاعة الشرق الأدنى للأخوين رحباني، لتقديم تجارب موسيقية تنسجم ورؤيته التي انطلق فيها بعملين من يافا، بل إنه كان وراء تأسيس مهرجانات بعلبك، وكان مدير الإنتاج لفرقة الرحابنة حتى نهاية سبعينات القرن الماضي.
المدن الفلسطينية كانت محط أنظار المطربين العرب.. وحيفا لقبت أم كلثوم بـ«كوكب الشرق»
محمد عبد المطلب انطلق من القدس.. ولور دكاش سجلت «آمنت بالله» في استوديوهات يافا
المدن الفلسطينية كانت محط أنظار المطربين العرب.. وحيفا لقبت أم كلثوم بـ«كوكب الشرق»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة