أزمة رئاسة العراق: التفاوض «المتعسر» إلى نقطة الصفر

TT

أزمة رئاسة العراق: التفاوض «المتعسر» إلى نقطة الصفر

يغلق مجلس النواب العراقي، اليوم الأربعاء، باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، ومن المرجح أن تبقى اللائحة الجديدة من دون تغييرات جوهرية، مع بقاء أبرز مرشحين على خط التنافس، الرئيس الحالي برهم صالح، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر بارزاني.
ومثلما يُغلق الباب، تعود الفعاليات السياسية إلى نقطة البداية؛ حيث الأوزان منعدمة، والتسويات شبه مستحيلة، بينما تتوقف الأنشطة التفاوضية في بغداد، على أن تفتح مُجدداً في أربيل بين الحزبين الكرديين الرئيسيين: «البارتي» و«الييكتي».
سجل حزب مسعود بارزاني دخولاً متشدداً لما سيكون تفاوضاً مزعوماً، مع غريمه «الاتحاد الوطني»، ذلك أن جميع قادة الحزب يرددون التصريح نفسه: «ريبر بارزاني هو المرشح الوحيد، ولن يكون اسمه محل تسوية مع أي طرف».
وقدر تعلق الأمر بـ«الاتحاد الوطني الكردستاني»، فإنه لا يريد الخروج من أي تسوية محتملة خالي الوفاض؛ لكنه يماثل الحزب «الديمقراطي» في رفع السقوف: «لن نتراجع عن مرشحنا برهم صالح»، حتى مع تأثر ترشيحه بحادثة العفو الخاص عن تاجر مخدرات محكوم بالسجن لسنوات.
وتحت الطاولة، يضع الحزب الذي يقوده بافل طالباني، خططاً بديلة، تتضمن استبدال مرشح آخر من «الاتحاد الوطني» ببرهم صالح، وهو خيار يراه قياديون في الحزب أكبر تنازل يمكن تقديمه في اللحظة الأخيرة، حتى لو عرضت عليهم حقائب وزارية في حكومة بغداد.
ومنذ أول دورة برلمانية، ظفر «الاتحاد الوطني» برئاسة الجمهورية، بينما كان يشغل «الحزب الديمقراطي» وزارات سيادية في الحكومة الاتحادية، فضلاً عن رئاسة الإقليم ورئاسة حكومته، ويرى قياديون في حزب طالباني أن تغيير هذه المعادلة أمر صعب و«خطير».
والمسألة حساسة بالنسبة لحزب طالباني، فالمكتب السياسي يرزح تحت ضغوط هائلة جراء انخفاض شعبية الحزب، وتغير المزاج الشعبي بوجود قوى سياسية ناشئة في معقله السليمانية، كما أن التنازل لبارزاني سيكون لكثيرين من المناصرين المتشددين نهاية حتمية وكارثية لنفوذ الحزب في هذه المدينة.
في أربيل، يبدو التنافس على هذا المنصب أكثر حساسية، فالحزب «الديمقراطي» يحاول كسر العرف السياسي في الإقليم، مصمماً على الوجود في بغداد، على رأس الدولة في قصر السلام، ولأن المحكمة الاتحادية في بغداد أسقطت أبرز أوراق الحزب، بعزل وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، فإن كثيرين يعتقدون أن الأمر تحول إلى «إثبات وجود»، و«رد اعتبار».
لكن المعادلات السياسية لا تنسجم مع هذه النزعة، فتحالف الأغلبية قلق من استمرار هذا الانسداد الكردي الذي قد يكلفه خسارة الجولات المقبلة في البرلمان، لصالح منافسه «الإطار التنسيقي».
وتقول مصادر متقاطعة لـ«الشرق الأوسط»، إن زعيم التيار الصدري «غير مرتاح لإصرار بارزاني على منصب الرئيس»، بينما يتداول قياديون في التيار أفكاراً عن إمكانية «إقناع الحزب (الديمقراطي) بأدوار أكثر أهمية في بغداد من رئاسة الجمهورية».
ونقلت مصادر مقربة من الحنانة، معقل الصدر في النجف، إن «هناك محاولات سياسية للتفاوض مع بارزاني لتغيير المعادلة»؛ لأن الإصرار على المسار الراهن قد يدفع «الاتحاد الوطني» إلى معسكر الإطار التنسيقي، معززاً الثلث المعطل بمقاعد جديدة. ويقول مصدر كردي لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه المحاولات لم تنتهِ إلى نتائج حتى الآن»، وتعلق المصادر الصدرية بالقول: «هذا مقلق للغاية».
ويتحدث سياسيون عراقيون عن احتمالية توسع ملف الرئاسة إلى أزمة بنوية أكبر، فالحزب «الديمقراطي»، وفي حال أصر على موقفه من دون تراجع، قد يوقف الحوار السياسي مع الفعاليات العراقية، وتتعرض مخرجات انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى مخاطر غير محسوبة.
خلال الأيام المقبلة، ستتحرك وفود سياسية إلى أربيل، لاختبار «فرص الأزمة» مع مسعود بارزاني، ورئيس الإقليم مسرور بارزاني الذي يبدو أنه مركز محوري في صياغة المواقف السياسية هذه المرة؛ لكن المفاوضين «لا يدركون بوضوح تام» المسار الذي يعتمده الحزب الكردي لحسم هذا الملف.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.