كيري في كينيا لإنهاء سنوات من العلاقات المتوترة

تقدم واشنطن المساعدة الأمنية ضد المتشددين في البلاد

وزير الخارجية الأميركي يلتقط صورة «سيلفي» مع فيل خلال زيارة إلى «حديقة نيروبي الوطنية» في كينيا أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي يلتقط صورة «سيلفي» مع فيل خلال زيارة إلى «حديقة نيروبي الوطنية» في كينيا أمس (أ.ب)
TT

كيري في كينيا لإنهاء سنوات من العلاقات المتوترة

وزير الخارجية الأميركي يلتقط صورة «سيلفي» مع فيل خلال زيارة إلى «حديقة نيروبي الوطنية» في كينيا أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي يلتقط صورة «سيلفي» مع فيل خلال زيارة إلى «حديقة نيروبي الوطنية» في كينيا أمس (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، إلى نيروبي، بعد سنوات من الخلاف بين البلدين، لإجراء محادثات حول التعاون الأمني قبل الزيارة المتوقعة للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مسقط رأس والده.
وكانت هذه الزيارات لكبار المسؤولين الأميركيين، الأخيرة قامت بها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في أغسطس (آب) 2012 غير واردة منذ فترة طويلة، بسبب الاتهام الذي كان موجها إلى الرئيس الكيني أوهورو كيناتا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقد أسقطت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أخيرا هذه الملاحقات بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والدور المفترض للرئيس الكيني في أعمال العنف التي تلت الانتخابات في كينيا أواخر 2007 ومطلع 2008، لعدم توافر الدليل. ونددت آنذاك بـ«الحملات الواسعة والمنسقة لمضايقة وتخويف الشهود وتهديدهم».
وقال دبلوماسي أميركي للصحافيين الذين يرافقون جون كيري: «لدينا علاقة طويلة مع كينيا منذ أكثر من 50 عاما، مع صلات اقتصادية وثقافية لم تنقطع أبدا».
وأضاف هذا المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، أن الزيارة تهدف «لتعزيز وتعميق العلاقة التي نقيمها مع كينيا وللتحضير أيضا لزيارة الرئيس أوباما التي ستجري في نهاية يوليو (تموز) المقبل».
وسيبقى كيري الذي يصل من سريلانكا حتى اليوم في كينيا ويلتقي الرئيس كيناتا خصوصا.
وبالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية، سيناقش كيري مع المسؤولين الكينيين موضوع التصدي لمتمردي حركة الشباب المتشددة في الصومال، وقال: «نجري مباحثات لنرى كيف يمكننا تقديم دعم إضافي إلى جهود كينيا لمحاربة حركة الشباب».
وقد لقي 148 شخصا منهم 142 طالبا مصرعهم مطلع أبريل (نيسان) الماضي في الهجوم على جامعة غاريسا في شمال شرقي كينيا، وأعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن هذه العملية الانتحارية. وهذا أسوأ هجوم على الأراضي الكينية تتبناه حركة «الشباب» المتطرفة التي يقاتلها الجيش الكيني في الصومال المجاور في إطار قوة سلام أفريقية.
وأكد الدبلوماسي الأميركي لوكالة الصحافة الفرنسية: «نعتبر أن الكينيين يقومون بكل ما في وسعهم. مكافحة الإرهاب مسألة صعبة، وخصوصا في المنطقة. وقد وقعت في كينيا اعتداءات كثيرة، وأثبت اعتداء غاريسا حجم الضرر الذي تلحقه حركة الشباب بالمدنيين الأبرياء».
وتنتقد الصحافة الثغرات في المنظومة الأمنية الكينية. واتهمت السلطات بأنها عجزت عن منع وقوع المجزرة على رغم معلومات تحدثت عن تهديد بشن هجوم وشيك، وبأنها لم تتخذ التدابير الملائمة لحماية الجامعة. وأقرت وزارة الداخلية الكينية بأنها تجاهلت تحذيرات. وتم توقيف تسعة مسؤولين في الأجهزة الأمنية في الجامعة عن ممارسة مهامهم وقد توجه إليهم تهمة الإهمال الجنائي. وسيناقش كيري أيضا مسألة حقوق الإنسان مع محاوريه، فيما تنتقد منظمات المجتمع الأهلي باستمرار التجاوزات التي ترتكب باسم مكافحة «الإرهاب». وأكد المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لوكالة الصحافة الفرنسية: «نستمر في طرح قلقنا على صعيد حقوق الإنسان والديمقراطية».
ومن المرتقب أن يقوم أوباما المولود من أم أميركية وأب كيني في يوليو المقبل بزيارة هي الأولى إلى كينيا بصفته رئيسا. وستكون زيارته الرابعة إلى أفريقيا جنوب الصحراء منذ وصوله إلى البيت الأبيض قبل أكثر من ست سنوات.
وفي نيروبي، سيشارك في «القمة العالمية لريادة الأعمال» التي سيشارك فيها أكثر من ألف رئيس مؤسسة سيأتون من أفريقيا ومن بلدان أخرى من أجل التركيز على الابتكار في القارة. ولا تحتل الولايات المتحدة إلا المرتبة الثالثة على صعيد المبادلات التجارية مع أفريقيا، بعد الاتحاد الأوروبي والصين.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.