الأزمة الاقتصادية تذكّر الإيرانيين بموجة الجفاف الكبرى منذ 70 عامًا

تزايد الإنفاق على الحروب وتراجع الأمل في رفع فوري للعقوبات الدولية فاقما التضخم

«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية تذكّر الإيرانيين بموجة الجفاف الكبرى منذ 70 عامًا

«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)

لماذا يتذكر بعض الإيرانيين هذه الأيام موجة الجفاف الكبرى التي ضربت البلاد عقب الحرب العالمية الثانية؟ الإجابة التي وردت في تقارير وشهادات، حصلت «الشرق الأوسط» على جانب منها، تبدو بسيطة: تدهور اقتصادي متزايد يضغط على ملايين الإيرانيين لأول مرة منذ نحو سبعة عقود.
وبينما أشاعت قيادات في نظام طهران أن الاتفاق النووي المزمع مع الدول الكبرى سوف يؤدي لانفراجة تنقذ البلاد من أزمتها المالية، بدأت نذر خلافات في هرم السلطة بعد أن اتضح أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين توقيع الاتفاق ورفع العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد منذ سنوات، وأدت لخسائر بمليارات الدولارات.
يقول أحدث تقرير أعده معارضون إيرانيون بناء على ما قالوا إنها إحصاءات رسمية، إن عدد الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع بنسبة 150 في المائة خلال الفترة بين عامي 2003 و2012، وذلك رغم تضاعف عائدات النفط الإيراني خلال الفترة نفسها. والسبب يرجع، وفقا للتقرير، إلى عدة سياسات، منها تمويل حروب الميليشيات التي تديرها إيران في عدد من البلدان العربية من بينها العراق وسوريا واليمن، والإنفاق على البرنامج النووي، والفساد.
لأول مرة، منذ الاحتجاجات الضخمة في 2009 ضد النظام الإيراني، يعود نشطاء المعارضة في الداخل والخارج لتنظيم الوقفات الاحتجاجية وتنظيم المظاهرات احتجاجا على التضخم. يقول شاهين قبادي، أحد زعماء المعارضة، من منفاه في أوروبا: «تفيد المعلومات من داخل البلاد بأن القوة الشرائية للعمال انخفضت منذ عام 2005 بنسبة 73 في المائة». ويضيف في رده على عدد من أسئلة «الشرق الأوسط»: «معدل البطالة في إيران خرج عن السيطرة. هذا يذكر الإيرانيين بسنوات الجفاف في الماضي».
وتمول إيران حروبا لمصلحتها في المنطقة تقدر بمليارات الدولارات. وتفيد مصادر معارضة من الداخل الإيراني، في اتصال عبر الإنترنت، بأن مشكلة معرفة الأرقام الدقيقة لتمويل هذه الحروب تتعلق بالنظام المالي المتبع من جانب السلطة في طهران، وقدرات مجلس الشورى (البرلمان) المحدودة، بالإضافة إلى قمع أي صوت معارض في الداخل، خاصة من بين أولئك الذين يثيرون قضية إدارة أموال الدولة، والمطالبة بكشف حسابات الإنفاق الداخلي والخارجي.
ومع ذلك، وفقا لمصادر أخرى، بدأت تظهر بعض الأصوات من داخل النظام نفسه تتساءل عن المخصصات المالية وأين تذهب، وجدوى منح حكومات ومتمردين في العراق وسوريا واليمن أموالا ضخمة بينما قيمة العملة المحلية تتآكل والانتعاش المنتظر من وراء الاتفاق النووي يبدو بعيد المنال. وقالت المعلومات إن شبح التململ من الأزمة الاقتصادية وسياسات الرئيس حسن روحاني، المنتخب منذ عامين، انعكس على نظام العضوية في «مجلس صيانة الدستور» الذي يعد بمثابة سلطة عليا في البلاد.
رغم النظام الرئاسي في إيران فإن السلطات الفعلية تقع بين يدي مرشد الثورة، علي خامنئي. وكان ينبغي إنهاء عضوية عدد من نواب البرلمان، ممن يشغلون مواقع في «مجلس صيانة الدستور»، لكن مصدرا في المعارضة في طهران أفاد ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن الظروف المرتبكة التي يمر بها النظام، وعلاقة المرشد والرئيس بأجنحة الدولة، دفعت قادة كبارا للمطالبة بتأجيل فتح هذا الأمر للنقاش، وهو أمر قوبل بالرفض من جانب كثير من نواب البرلمان ممن يقفون ضد الوصاية على أعمالهم بوصفهم جهة تشريعية ورقابية يفترض أن تكون مستقلة.
وأضاف المصدر نفسه أن الحديث عن الأزمة الاقتصادية أصبح من العوامل المشتركة التي تجمع كثيرا من الإيرانيين سواء كانوا في السلطة أو في الشارع، مع ملاحظة أن «أصوات المعارضة في الداخل مقموعة، كما هو معلوم.. العديد من قادة المعارضة بمن فيهم الإصلاحيون والمعتدلون لا يستطيعون إلقاء الكلمات في الأماكن العامة، كما كان الحال في عام 2009».
ومن منفاها في الخارج، واصلت قيادات معارضة عقد الفعاليات السياسية والإعلامية للتحذير من خطر الطريق الذي يسير فيه حكام طهران على الإيرانيين ودول المنطقة والعالم. وفي هذا الإطار، وبعد يومين من حديث بـ«الفيديو كونفرنس» لزعيمة المعارضة مريم رجوي، أمام لجنة بالكونغرس الأميركي، عقد السيد قبادي مؤتمرا صحافيا عبر الإنترنت، الليلة قبل الماضية، بمناسبة عيد العمال ومرور عامين على تولي الرئيس روحاني الحكم خلفا للرئيس أحمدي نجاد.
وقال قبادي إنه بعد مرور نحو عامين على اختيار روحاني رئيسا، ونظرا لما قطعه من وعود بتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الإيراني كمحور لجهود حكومته.. «فإننا إذا ألقينا نظرة سريعة على الوضع لن نرى أي تحسن في أوضاع العمال الإيرانيين، بل على العكس فقد تدهورت أوضاعهم سريعا وبشكل حاد».
وفي ما يتعلق بالقول الذي يطلقه البعض في داخل البلاد عن أن الأزمة الراهنة تذكر الإيرانيين بموجة الجفاف التي وقعت قبل نحو سبعين سنة، وأدت لأزمة خانقة في عموم إيران، قال قبادي: «نعم.. منذ موجة الجفاف التي ضربت البلاد عقب الحرب العالمية الثانية، لم يكن العمال الإيرانيون بهذا الفقر الذي نراه اليوم. المستقبل أسوأ إذا استمرت سياسات النظام على هذه الشاكلة. الحل ليس في إصلاحه ولكن في استبدال نظام جديد به».
ويعد تدفق مياه الأمطار، وما تسفر عنه من جداول تأتي من أعلى قمم الجبال معظم شهور السنة تقريبا في مناطق واسعة بإيران، أحد أهم مصادر الدخل للفلاحين وسكان الأرياف. لكن البلاد تعرضت ثلاث مرات لندرة الأمطار، كانت أسوأها في أواخر أربعينات القرن الماضي، إلى جانب مرتين أخريين واحدة في السبعينات والأخرى في عام 2000. وترتبط ذكريات الجفاف بتشريد ملايين المواطنين.
ويشبه العديد من المعارضين الإيرانيين الأزمة الاقتصادية الراهنة بسنوات الجفاف التي اقترنت في أذهان الإيرانيين بما يشبه «الكابوس» و«التفكير في كيفية مواجهة الخطر من شظف العيش والفقر».. و«حين نقول إننا نتعرض، في الوقت الحالي، للجفاف فهذا يعني أن ملايين العمال والقرويين (المزارعين) يعانون من مأساة في المعيشة بسبب السياسات الاقتصادية للنظام. في الماضي، كان نقص الأمطار يعبر عن خسارة ملايين الأطنان من القمح. واليوم توجد خسائر ضخمة، ليس لنقص الأمطار، لكنها ترجع لأخطاء في إجراءات الدولة وتوجيه الأموال لإرضاء طموحات القادة بينما الشعب يعاني من العوز».
السيد قبادي استند إلى إحصاءات رسمية، وإلى ما قال إنها تصريحات لمسؤولين إيرانيين أيضا، للتدليل على تفاقم الأوضاع الاقتصادية، مشيرا إلى غياب الأمان الوظيفي وتأخر الرواتب الشهرية. وقال: «لقد أقر مسؤولون في النظام بأن 90 في المائة من العمال في البلاد يعيشون تحت خط الفقر، بينما أكثر النسبة الباقية لا تتجاوز الخط إلا بقدر ضئيل». وأضاف أنه، وطبقا للإحصاءات الرسمية، تبلغ القوة العاملة في إيران نحو 64 مليونا، بينما النسبة القادرة على العمل من السكان تصل إلى 41 مليونا، وذلك إضافة إلى 1.2 مليون من القوة العاملة الذين يدخلون السوق سنويا.. و«مع ذلك، وبحسب ما توضح الإحصاءات الرسمية، فإن عدد العاملين ثابت عند 21 مليونا.. يمكن القول بعبارة أخرى إن أكثر من نصف النسبة القادرة على العمل من السكان عاطلون عن العمل».
واتهم قبادي نظام الرئيس روحاني باتباع سياسة ظالمة بحق ملايين العمال، وعلى سبيل المثال، كما يقول، تقدم الرئيس للبرلمان بمشروع قانون تحت مسمى إزالة كل العقبات التي تعرقل الإنتاج، وعليه قام مجلس صيانة الدستور الأسبوع الماضي بالتصديق على مشروع القانون، الذي يزيل في حقيقته العقبات التي تحول دون فصل العمال عن عملهم، ويدعم فرض العقود المؤقتة كأمر واقع.
وقال إن الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور هي سياسات النظام، لأنه يجري إنفاق ثروة الشعب ورأس ماله على أعمال القمع وأدواته، وعلى تصدير التطرف والإرهاب، بالإضافة إلى السعي نحو تصنيع السلاح النووي.. «ورغم كل المشكلات الاقتصادية، تمت زيادة مخصصات القوات القمعية في الموازنة بنسبة 53 في المائة».
وتناول تقرير أعده معارضون إيرانيون وصول انتقادات من جانب قيادات في النظام إلى سمع الرئيس روحاني، على خلفية الإنفاق المالي الكبير على أجهزة الأمن والأجهزة شبه العسكرية مثل فيلق القدس الذي يدير حروبا بالوكالة في عدة بلدان بالمنطقة، آخرها اليمن. وقال التقرير إن الرئيس بعد أن استمع إلى هذه الانتقادات رد بأن هذا النوع من الإنفاق المالي له الأولوية في موازنة الدولة، وهو أمر مقدم على أي شيء آخر، حتى لو بلغت نسبة الإنفاق على هذا البند كامل مخصصات موازنة الدولة.
ومن جانبه، قال السيد قبادي في رده على الأسئلة، إن «نظام رجال الدين (حكم طهران) ينفق مبالغ فلكية على تصدير الإرهاب والتطرف»، مشيرا إلى تصريح لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا مؤخرا، خلال لقاء خاص في واشنطن، أفاد فيه بأن إيران تمنح سوريا 35 مليار دولار سنويا.
وأضاف قبادي الذي يشغل عضوية «لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، بأن بعض التقديرات تشير إلى إنفاق نظام طهران نحو 300 مليار دولار على البرنامج النووي على مدى السنوات الماضية.
وتطرق أيضا إلى ما زعم أنها تقارير عن الفساد في الداخل أسهمت في تدهور الأوضاع في هذا البلد الغني بالنفط والثروات الطبيعية، مشيرا إلى أن «أنباء الفساد باتت أمرا معتادا في إيران.. الكثير من طبقات النظام متورطة في هذا». واستعان قبادي بما قال إنها إفادات سابقة من وزير الداخلية الإيراني تشير إلى استفحال الفساد في عموم البلاد، منها «تسجيل أكثر من 3 آلاف شركة بعنوان واحد، وكذلك تسجيل ما يزيد على 4 آلاف شركة بكود واحد».
ويعني مثل هذا الأمر تسرب مليارات الدولارات بعيدا عن خزانة الدولة، منها على سبيل المثال التهرب من سداد الضرائب من تلك الشركات. وعلى الجانب الآخر، كما يذكر قبادي، فقد زادت عمليات التهريب إلى داخل البلاد.. «بحيث أصبحت قيمتها تتجاوز 25 مليار دولار سنويا، وبات من المعلوم في إيران أن الطرف الأساسي المتورط في تلك العمليات هو قيادات في الحرس الثوري وغيره من الأجهزة والهيئات الحكومية».
وفي زيارة سابقة لـ«الشرق الأوسط» إلى مدن إيرانية منها «طهران» و«شيراز» و«قم»، فإن سلطات المرشد خامنئي تبدو أكبر من الرئيس المنتخب. ومن السهل ملاحظة ذلك سواء في الكلمات الافتتاحية للمؤتمرات الرسمية التي تبدأ عادة بكلمة المرشد لا الرئيس، أو في صور المرشد المعلقة في الميادين والشوارع الرئيسية. ويقول أحد زعماء الطلاب المعارضين عقب مشاركته في فعاليات قرب السكن الطلابي المواجه لـ«البارك ترفيه» في شارع الدكتورة فاطمة بطهران: «لا يمكن انتقاد المرشد». وأضاف في إفادة عبر الإنترنت: «إذا انتقدت خامنئي تكون مخالفا للدين، بينما هو القائد الفعلي للدولة».
وقال السيد قبادي ردا على الأسئلة: «في العام الماضي جرى الكشف عن سيطرة خامنئي على نحو 95 مليار دولار من خلال ما يعرف بـ(اللجنة التنفيذية لأوامر الإمام)». لكن لا يوجد ما يؤكد مثل هذه المزاعم من مصادر مستقلة. ومع ذلك يضيف قبادي أن هذا بعض من الإمبراطورية المالية الضخمة التي يديرها المرشد، مشيرا إلى أن العديد من المؤسسات التي تخضع إدارتها لسلطات خامنئي تعفى من الضرائب، مثل «مؤسسة المستضعفين»، وغيرها، قائلا إن الحرس الثوري الإيراني (الذي يخضع للمرشد أيضا) يسيطر على جزء كبير من شرايين الحياة في اقتصاد الدولة.
ومن جانبه، تضمن التقرير الذي أعدته المعارضة ما قال إنها شهادات عن تدهور الوضع الاقتصادي جاءت على لسان مسؤولين إيرانيين في الأيام الأخيرة، من بينهم رئيس البرلمان، علي لاريجاني، الذي نسب إليه اعترافه بأن 42 في المائة من خريجي الجامعات في إيران لا يجدون فرص عمل، إضافة لاعتراف آخر من رئيس غرفة الصناعة والتجارة والتعدين في البلاد ذكر فيه أن 40 في المائة فقط من وحدات الإنتاج والوحدات الصناعية هي التي تعمل.
وقال قبادي عن هذه القضية: «نعم.. لا يزال إغلاق المصانع ووحدات الإنتاج مستمرا. هذا يؤدي إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل أكثر من السابق»، مشيرا إلى أن منظومة العمال والتشغيل تحت سياسة نظام الحكم في إيران لا تحظى بأقل قدر من الحماية القانونية». وأضاف: «لا توجد أي ضمانات تمنع أصحاب العمل، وأكثرهم مسؤولون في الحكومة أو في الحرس الثوري، من فصل العمال عن عملهم، أو حرمانهم من حقوقهم».
وتضمن التقرير المكتوب باللغة الإنجليزية أنه طبقا لإحصاءات وزارة العمل الإيرانية فإن 93 في المائة يعملون بعقود مؤقتة، وسبعة في المائة فقط يعملون بعقود رسمية، وأن «الفجوة بين الطبقات الاجتماعية اتسعت في السنوات الأخيرة، وازدادت بمقدار 30 مرة إلى حد جعل إيران تتصدر قائمة الدول التي تتسع فيها الفروق بين الطبقات الاجتماعية على مستوى العالم»، ونتج عن هذا ارتفاع نسبة الاضطرابات والاحتجاجات.
ووفقا لإحصاءات المعارضة فقد قامت القوى العاملة في البلاد بالتصعيد ضد سياسات النظام، وجرى، على مدى العام الماضي فقط، تنظيم نحو 1300 من الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات.. «وبعد أن كان عددها في شهر مارس (آذار) 120، زاد إلى أكثر من 250 احتجاجا الشهر الماضي».
وخلال اليومين الماضيين نظمت تجمعات عمالية مظاهرات جديدة بسبب الظروف المعيشية الصعبة وتأخر صرف الأجور، من بينهم عمال في قطاع صناعة المرطبات والبتروكيماويات والحديد والصلب، كان من بين هذه الفعاليات مظاهرة لعمال مصنع «بامجال» بعد أن تأخرت رواتبهم لأكثر من شهرين.
ومن جانبه، يتهم النظام الإيراني المعارضة في الداخل والخارج بالتهويل والمبالغة، ويقول أحد الدبلوماسيين الإيرانيين ممن عملوا لسنوات في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة (السفارة) إن «بعض الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم اسم معارضة هم في الحقيقة يعملون ضد مصلحة الدولة والشعب الإيراني»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، إلى أن الاتهامات الموجهة إلى نظام طهران «غير صحيحة»، وأن المركز الاقتصادي لبلاده «قوي جدا».
لكن عددا من المراقبين الغربيين، خاصة أولئك الذين عملوا بالقرب من الملف الإيراني في السنوات الأخيرة، يرون في اندفاع النظام الإيراني نحو توقيع الاتفاق النووي قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، يعكس وجود أزمة اقتصادية كبيرة، ويعكس أيضا رغبة من النظام في التخلص من العقوبات الدولية، رغم أن التوصل لمثل هذا الاتفاق ما زال أمرا سابقا لأوانه.
وبحسب المصادر الغربية فإن إيران يبدو أنها تماطل في مسائل جوهرية تتعلق بالاتفاق بشأن برنامجها النووي على رأسها مسألة الإخطار المسبق بتوقيت وصول المفتشين الدوليين، ورفضها دخول المفتشين للمواقع العسكرية، والنسب المسموح بها في ما يتعلق بالتخصيب وغيرها. وقالت وندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، خلال زيارتها الأخيرة للهند، إنه يجب تسوية مزيد من التفاصيل بشأن المفاوضات النووية مع إيران، وإن هناك عدة تطورات على الصعيد الدولي من شأنها أن تخرج هذه المفاوضات عن مسارها.
وفي الداخل الإيراني، بحسب المصادر، تتزايد الشكوك بين قادة النظام، خاصة جماعة المرشد خامنئي، بشأن إمكانية التوصل لرفع فوري للعقوبات بمجرد توقيع الاتفاق النووي، بعد أن خرجت تسريبات غربية تقول إن العقوبات المفروضة على طهران لأسباب ترتبط بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، ستظل كما هي دون تغيير، مما يعني استمرار وجود عراقيل أمام الشركات الدولية في العمل في هذا البلد المتهم بنشر الفوضى والتطرف في المنطقة.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.