قمة بروكسل الأوروبية ـ الأفريقية: ملفات ووعود والعبرة في التنفيذ

ماكرون مع وزير خارجية غينيا الاستوائية (إ.ب.أ)
ماكرون مع وزير خارجية غينيا الاستوائية (إ.ب.أ)
TT

قمة بروكسل الأوروبية ـ الأفريقية: ملفات ووعود والعبرة في التنفيذ

ماكرون مع وزير خارجية غينيا الاستوائية (إ.ب.أ)
ماكرون مع وزير خارجية غينيا الاستوائية (إ.ب.أ)

منذ ما قبل تسلم إيمانويل ماكرون رئاسة الاتحاد الأوروبي بداية العام الجاري، عرض في لقاء مطول مع الصحافة في قصر الإليزيه أولويات فرنسا للأشهر الستة الأولى من عام 2022. وكان لافتاً أنه جعل على رأسها تنشيط العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والقارة الأفريقية. وهكذا، فإن العاصمة الأوروبية تستضيف ليومين «الخميس والجمعة» غالبية القادة الأفارقة والأوروبيين في قمتهم السادسة التي تأجلت لعامين بسبب وباء كوفيد 19، لتلتئم تحت شعار «أفريقيا وأوروبا... قارتان برؤية مشتركة حتى عام 2030». والمبتغى من القمة، بحسب الاتحاد الأوروبي هو السعي لـ«تحديد الأولويات الأساسية للسنوات المقبلة والتوجهات الاستراتيجية والسياسية للعلاقات بين القارتين».
كثيرة الأدبيات التي تتحدث عن العلاقات التاريخية والمتداخلة بين أوروبا وأفريقيا. ومن هذه الأدبيات تقديم الاتحاد الأوروبي للقمة بوصفها «فرصة فريدة لإرساء الأسس لتجديد العلاقة وإعادة بناء وتعميق الشراكة، القائمة على الثقة والفهم الواضح للمصالح المشتركة». لكن بين الأدبيات والكلام المنمق من جهة والواقع المعاش من جهة أخرى، هوة سحيقة ليس من المؤكد أن اجتماع اليومين سيساهم في ردمها. وجاءت أزمة الجائحة لتبين كم أن الدول الأوروبية، رغم ما قدمته لاحقاً للبلدان الأفريقية من لقاحات، مهتمة بالدرجة الأولى بأوضاعها الخاصة حيث لا تزيد نسبة التلقيح في غالبية أفريقيا على 11 في المائة، بينما تقارب الثمانين في المائة أو تزيد عليها في غالبية دول الاتحاد الأوروبي. وفي أي حال، فإن الطرف الأوروبي يريد شراكة جديدة تقوم على «التبادل والتقاسم» بمعنى أن تكون مفيدة للطرفين وليست على حساب طرف واحد.
وعبر رئيس الاتحاد الأفريقي، رئيس السنغال ماكي سال عن توقعات الأفارقة بقوله إن أفريقيا «تمر بمرحلة تحول عميقة» وإن هناك حاجة لتغيير منهج التعاطي «مع أوروبا» بحيث يتلاءم مع التغيرات الجارية. يبدو الهم الأوروبي الأول توافر الأمن والاستقرار في أفريقيا، وهو ما أشار إليه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال للقادة الأفارقة الخمسين الذين أموا بروكسل. وقال ميشال: «أوروبا بحاجة إلى أفريقيا مستقرة، آمنة ومزدهرة»، مضيفاً أن «انعدام الاستقرار والانقلابات العسكرية تهدد التنمية». وتجدر الإشارة إلى أن أربع دول استبعدت من القمة بسبب الانقلابات العسكرية وهي: مالي والسودان وغينيا وبوركينا فاسو، بينما دعيت تشاد رغم ما حصل فيها مما يشبه الانقلاب في طريقة تعيين السلطة التي عينت عقب مقتل رئيسها إدريس ديبو في معارك مع متمردين في شمال البلاد. وكانت النتيجة أن ابن الكولونيل محمد إدريس ديبو خلفه على رأس مجلس عسكري أعلن في 20 أبريل (نيسان) من العام الماضي بعيداً عما ينص عليه دستور البلاد. وسبق القمة إعلان فرنسا والدول الأوروبية المشاركة في قوة «تاكوبا» لمساعدة القوات المالية في مواجهة التنظيمات المسلحة والإرهابية الانسحاب من مالي مع الاستعداد للاستمرار في مساعدة دول الساحل الأخرى عسكرياً وأمنياً. كذلك عرضت باريس مساعدتها لبلدان خليج غينيا وأفريقيا الغربية لمنع تمدد الإرهاب إلى أراضيها بناء على طلبها ووفق صيغ يتم التفاهم عليها مع سلطاتها.
وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين لا يخفون قلقهم من تنامي النفوذين الصيني والروسي في أفريقيا ومن مساعي تركيا ليكون لها حضور فاعل في هذه المنطقة. ويراد من قمة بروكسل أن تكون، بمعنى ما، رداً على هذا التغلغل الذي يهدد المصالح الأوروبية. وفيما تركز الجهود الصينية على المواد الأولية التي تزخر بها القارة الأفريقية، فإن ميليشيا « فاغنير» تحمل، وفق القراءة الأوروبية، بذور ضرب الاستقرار في القارة السمراء. بيد أن ملف توفير الدعم المالي للاقتصادات الأفريقية سيكون له حصة الأسد من المناقشات، خصوصاً أن الطرف الأفريقي ما زال ينتظر، وفق الرئيس السنغالي، وصول الأموال التي وعدت بها أفريقيا بمناسبة الاجتماع الذي استضافته باريس في الخريف الماضي والذي أسفر عن وعد بتوفير مائة مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للدول الغنية لصالح أفريقيا.
وقال سالي إن الأفارقة «ما زالوا ينتظرون». وفهم أن الاتحاد الأوروبي أعد خطة لتوفير 150 مليار يورو للسنوات السبع القادمة للاستثمارات التي ستوظف لتطوير الاقتصادات الأفريقية والبنى التحتية والطاقة المتجددة والنقل والتعليم وتوفير خدمات الإنترنت ومواجهة الكوارث الطبيعية. وبالتوازي، سيكون ملف البيئة والاحتباس الحراري حاضراً بقوة في مناقشات اليومين. وينفي القادة الأفارقة أن تكون قارتهم التي تعاني من التصحر السبب في الاحتباس الحراري. ومرة أخرى، دافع الرئيس السنغالي عن أفريقيا وعن الحاجة لاستخدام الطاقة التقليدية وطالب بمساندة أوروبا لمرحلة انتقالية تسمح بتوفير الكهرباء لـ600 مليون أفريقي، أي ما يساوي نصف سكان أفريقيا.
يرى الرئيس ماكرون أنه يتعين على الأوروبيين «إعادة النظر بطرق التعاطي (مع أفريقيا) لأن الجهة الأولى المتضررة من الفشل الأفريقي ستكون القارة الأوروبية». وكان الرئيس الفرنسي يشير بذلك إلى ملف الهجرات المتدفقة على أوروبا من أفريقيا التي تعود أسبابها إنما إلى الحروب وغياب الأمن أو للجفاف أو لضعف الاقتصادات الأفريقية وغياب فرص العمل. من هنا، فإن التوجه اليوم هو للتعاطي مع هذه المسألة من جذورها ما يعني الاهتمام بالاقتصاد والبيئة والأمن وكلها ملفات أفريقية ملحة.
ما سبق غيض من فيض الملفات التي ستناقش في بروكسل. وإلى جانب ما ذكر، هناك ملف الحوكمة والفساد والتعليم ودعم القطاع الخاص والثقافة والتأهيل المهني والهجرات والتنمية المستدامة وغيرها كثير، وكلها تحتاج لمناقشات مستفيضة بين قادة يربو عددهم على السبعين. والمهم بعد المناقشات التوصل إلى التنفيذ لكن لذلك قصة أخرى.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.