بيترا هولوفا تكتب في «الهاوية» بعضاً من سيرتها الذاتية

حكاية امرأة في صراعها مع نفسها ومع الزمن

بيترا هولوفا تكتب في «الهاوية» بعضاً من سيرتها الذاتية
TT

بيترا هولوفا تكتب في «الهاوية» بعضاً من سيرتها الذاتية

بيترا هولوفا تكتب في «الهاوية» بعضاً من سيرتها الذاتية

في عزلتها الخاصة داخل منزلها تستعيد «بوليا» بطلة رواية «الهاوية» للكاتبة التيشكية بيترا هولوفا - دار «الكتب خان» - ذكريات زواجها وطلاقها، وعلاقاتها بعشاقها الذين انسحبوا من حياتها، ومشكلات أبنائها الذين دخلوا إلى عتبة المراهقة. تتذكر علاقاتها بزملائها في الوسط الأدبي، وقت أن كانت تحلم بعالم مختلف، وتسعى إلى أن تكتب أدباً حقيقياً، ومع مرور السنين وتقدمها في العمر يفقد كل شيء في حياة بطلة الرواية قيمته الحقيقية، لتكتشف فجأة وبعد فوات الأوان أنها صارت أسيرة ضعفها وجنونها وخيباتها المتراكمة.
واختارت بيترا هولوفا، تقديم أحداثها باستخدام مستويات متداخلة من السرد، معتمدة على المزج بين اللغة التشيكية والكلمات العامية. وهي ترسم شخصيتها دون التخفي وراء قضايا كبرى، وعبرت عن دواخلها ببساطة، عن أحلامها المهدرة وطموحاتها المبتذلة في حياة يومية عادية.
وتواصل هولوفا في هذه الرواية رسم عالمها الذي قدمتها في روايات سابقة، فهي تغوص في أغوار العلاقات المرتبطة بحياة وقصص نساء بائسات، وقد عملت بتأنٍ وروية على مدى رحلتها مع السرد في كشف زوايا حيواتهن، ورصد ظروفهن القاسية والمعاناة التي يلاقينها كلما تقدمن في العمر من دون أن يحققن شيئاً مما كن يحلمن به ويتمنينه.
وإذا كانت هولوفا تحدثت في رواية «ذكرى جدتي» عن حياة ثلاث نساء، فقد تناولت في «الهاوية» بطلة واحدة، تشعر بالضياع وتدمن الخمر كي تتأقلم مع عجزها عن الانخراط في الحياة، وهو ما يجعلها في النهاية تدخل في كثير من الحالات الهيستيرية.
مع تصاعد الأحداث، تتورط «بوليا» في صرعات مع نفسها، وتنتابها هلاوس تجعلها تخاطب قراء وهميين من شرفة بيتها... تصرخ في المارة، وتتخاصم مع أناس مجهولين، ومن خلال الحوار الدائر بينها وبينهم ترسم مشاهد عديدة تتعلق بعالمها الحاضر، وشذرات من الماضي. وحكايات من علاقاتها الخاصة. كما تصف أيضاً مواقف عبثية، يحار فيها القارئ، فلا يعرف إن كانت البطلة المدمنة تتخيل ما تحكيه، أم أنها تعيشه واقعاً. لكنها رغم الأوهام والتخيلات التي تستغرقها تظل لديها ثوابت، كثيراً ما تعود إليها، وهي تنحصر في أولادها، والمسؤولية تجاههم. لكن الشيء الذي يحز في نفسها شعورها أنها لم تستطع أن تجمع بين رعايتهم وبين طموحها في أن تكتب عملاً أدبياً يجعلها تشعر أنها على قيد الحياة.
وتعتمد الكاتبة في تصوير هذه الأحداث على لغة جذابة ذات طبيعة تصويرية، كما تستخدم «التناص»، والأقوال الساخرة اللاذعة. ويبدو أسلوبها هذه الرواية خصوصاً مبتكراً في النثر التشيكي الحديث، فهي تستخدم جملاً غير مباشرة، وتلجأ لخطاب تتدفق خلاله الأفكار والذكريات والمشاعر والملاحظات الشخصية والمونولوجات الداخلية، التي تتراكم جميعها بالتدريج، ممتزجة بتعبيرات وتركيبات لغوية معقدة للغاية تنتظم في مقاطع طويلة من المونولوجات الداخلية التي تذكرنا بالمنسوجات المنمنمة التي دائما ما تشي بتمهل وصبر وقدرة النساء وطبائعهن الإنسانية.
يذكر المترجم الدكتور خالد البلتاجي، الذي ترجم الرواية عن التشيكية، «أن بيترا هولوفا تتمتع لدى القراء التشيكيين بمكانة أديبة كبيرة. فقد أثار أول أعمالها الأدبية (كل هذا ملكي أنا) موجة كبيرة من الإعجاب، وتصدرت قائمة المبيعات في حينها. ووعدت الكاتبة الشابة البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاماً وقتها، بميلاد أديبة تشيكية كبيرة، وصار كل عمل تالٍ لها يقارن بأول رواياتها، رغم ذلك لم تلق كل أعمالها نفس الاحتفاء الجماعي كما حدث في الماضي. كما أن أسلوبها لم يكن محل اتفاق دائم لدى القراء، فالبعض منهم يراه آسراً والبعض الآخر ينفر منه».
وينطبق الأمر نفسه على النقاد. فبعضهم يثني على أعمالها بشكل واضح، والبعض الآخر يوجه انتقادات لاذعة لها. وكذلك، أثارت رواية «الهاوية» ردود أفعال متباينة بين النقاد، فقد اعتبرها بعضهم واحدة من أهم أعمالها الأدبية، ووضعوها جنباً إلى جنب مع أشهر أعمالها، وهي روايتها الأولى «كل هذا ملكي أنا». واعتبرها آخرون «بالوعة أدبية». وحسب رأيهم، أرادت هولوفا أن تكتب رواية حول امرأة خسرت معركتها مع عثرات الحياة واختباراتها، لكنها أضعفت مقصدها وتأثيرها لدى القارئ بكتابة مرتبكة، فبدلاً من أن تروي حكاية هذه المرأة، صنعت عملاً يعبر عن عجزها عن الحكي، فصارت الرواية دليلاً مشوهاً وخطيراً على حياة فاشلة. وقد شبهها نقاد آخرون بمرافعة في محكمة ملتهبة العواطف، أو اعترافات، ودعاء بائس.
وعلى أي حال، يبدو أن الرواية أقرب للسيرة الذاتية، وهو ما عبرت عنه هولوفا بنفسها عندما قالت إن «الهاوية» تحمل الكثير من حياتها الشخصية.



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.