الولايات المتحدة تكشف «مؤامرة» روسية لتبرير غزو أوكرانيا

بوتين وشي يرفضان توسع «الناتو» شرقاً ويتهمان الغرب بزعزعة الاستقرار

الولايات المتحدة تكشف «مؤامرة» روسية لتبرير غزو أوكرانيا
TT

الولايات المتحدة تكشف «مؤامرة» روسية لتبرير غزو أوكرانيا

الولايات المتحدة تكشف «مؤامرة» روسية لتبرير غزو أوكرانيا

غداة اتهام إدارة الرئيس جو بايدن للكرملين بإعداد مؤامرة تتضمن تلفيق «هجوم» أوكراني مصوَّر ضد مصالح روسيا ليكون بمثابة ذريعة لغزو أوكرانيا، الأمر الذي نفته موسكو على لسان وزير خارجيتها، اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ، خلال اجتماع بينهما قبيل إطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، على رفض توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، واتهما الغرب والولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار في مناطق واسعة من العالم. وخلال لقاء شخصي هو الأول له مع زعيم أجنبي منذ بدء جائحة «كوفيد - 19» قبيل عامين، قدم الرئيس الصيني دعماً ثميناً لنظيره الروسي الذي يواجه ضغوطاً متصاعدة من الغرب في شأن حشد أكثر من مائة ألف من قواته على الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية لأوكرانيا، مما أثار المخاوف لدى دول «الناتو» من أن يكون ذلك مقدمة لبدء غزو.
وفي ظل هذا الاستعراض الاستثنائي المتقن للتضامن بين البلدين على هامش الألعاب الأولمبية التي قاطع افتتاحها الرسمي الكثير من الزعماء الغربيين، أصدر الزعيمان بياناً مشتركاً طويلاً تضمن اتهاماً من الصين للولايات المتحدة بأنها تُذكي الاحتجاجات في هونغ كونغ وتشجع الاستقلال في تايوان، بالإضافة إلى اتهام من روسيا للولايات المتحدة بأنها تلعب دوراً مشابهاً في زعزعة الاستقرار في أوكرانيا. وأكدا أن «روسيا والصين تقفان ضد محاولات القوى الخارجية لتقويض الأمن والاستقرار في المناطق المتاخمة المشتركة بينهما». وأضافا أن البلدين «يعتزمان مواجهة تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة تحت أي ذريعة، ومعارضة الثورات الملونة وزيادة التعاون (بينهما) في (هذه) المجالات». وفي انحياز واضح من الصين إلى جانب روسيا في أحد مطالبها الأمنية الرئيسية، شدد البيان على أن الطرفين «يعارضان المزيد من توسيع (الناتو) ويدعوان حلف شمال الأطلسي إلى التخلي عن مقارباته الآيديولوجية للحرب الباردة». وأشار بوتين وشي في بيانهما إلى أن بلديهما سيعملان على إقامة علاقات أوثق في التجارة والدبلوماسية والأمن. وأكدا أن «الصداقة بين الدولتين ليس لها حدود». وقال شي إن الجانبين «يدعم بعضهما بعضاً بقوة في حماية مصالحهما الأساسية». وأعلن بوتين اتفاقاً لتزويد الصين بمزيد من الغاز عبر خط أنابيب جديد.

ذريعة جديدة للغزو
في المقابل، سعت إدارة الرئيس جو بايدن إلى تجريد موسكو من ذريعة جديدة لغزو أوكرانيا، إذ كشف مسؤولون أميركيون تفاصيل ما قالوا إنها مؤامرة لتلفيق «هجوم» مفصل ومجهز بكاميرات على المصالح الروسية ثم نشر الفيديو. وأكدوا أن هذه المؤامرة بلغت مرحل متقدمة في إعدادها. وجرى وصف خطة الهجوم الوهمي على الأراضي الروسية أو الأشخاص الناطقين بالروسية في معلومات استخبارية رُفعت عنها السريّة وجرى تقاسمها مع مسؤولين أوكرانيين وحلفاء أوروبيين في الأيام الأخيرة. وكان هذا أحدث مثال على كشف إدارة بايدن لمعلومات استخبارية كتكتيك لمحاولة وقف جهود التضليل الروسية وإحباط ما تقول إنه جهود الرئيس بوتين لوضع الأساس لعمل عسكري. وإذا قامت روسيا بالغزو، يقول مسؤولو الإدارة إنهم يريدون توضيح أن روسيا سعت دائماً إلى اختلاق ذريعة. وفي الأسابيع الأخيرة، أكد البيت الأبيض أن الاستخبارات الأميركية كشفت أن روسيا شنت حملة تضليل خبيثة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد أوكرانيا وأرسلت نشطاء مدربين على المتفجرات لتنفيذ أعمال تخريبية ضد القوات الروسية. ورفض المسؤولون الأميركيون تقديم تفاصيل عن الأدلة التي تستند إليها. وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، بأن الإدارة بحاجة لحماية المصادر الحساسة وطرق جمع المعلومات الاستخبارية. وقال: «نرفع السرية عن المعلومات فقط عندما نكون واثقين من تلك المعلومات». وأفاد الناطق باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) جون كيربي، بأن المخطط يشمل إنتاج فيديو دعائي مصوَّر يُظهر انفجارات مدبّرة ويستخدم جثثاً وممثلين يصورون المعزين حزينين. وقال: «رأينا هذه الأنواع من النشاطات من الروس في الماضي».
وتشير المعلومات الاستخبارية إلى أن الروس سيقدمون معدات عسكرية تستخدمها أوكرانيا، بما في ذلك سلاح رئيسي قدمته تركيا، وهي عضو في «الناتو»، لتعزيز صدقية الهجوم المزيف. ويُحتمل أن تستخدم روسيا طائرات مسيّرة تركية الصنع من طراز «بيرقدار» كجزء من العملية المزيفة.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، في إفادة صحافية أمس (الجمعة)، إن الولايات المتحدة أبلغت بلاده بأن روسيا ربما تنشر تسجيل فيديو دعائياً كاذباً كذريعة لتنفيذ هجوم عسكري، لكن أوكرانيا تنتظر مزيداً من التفاصيل. وشبّه كوليبا الوضع الحالي بذلك الذي كان عليه عام 2014 عندما ضمّت روسيا القرم ودعمت انفصاليين في شرق أوكرانيا. وقال الوزير: «مبدئياً، ما تم إعلانه ليس مفاجأة لنا... منذ 2014 ونحن نرى الكثير من الأفعال الماكرة من جانب روسيا الاتحادية». من جانبها وصفت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، التصريحات الأميركية بأنها «دليل واضح وصادم على عدوانية روسيا غير المبررة وعلى أنشطة سرية (لموسكو) لزعزعة استقرار أوكرانيا». وكتبت على «تويتر»: «المَخرج الوحيد لموسكو هو وقف التصعيد والانسحاب والالتزام بإيجاد مسار دبلوماسي».
ونفى وزير الخارجية سيرغي لافروف، أمس (الجمعة)، مزاعم الولايات المتحدة بأن موسكو تلفق تسجيل فيديو كذريعة لشن حرب في أوكرانيا، ووصف الأمر بأنه «هراء». وحشدت روسيا أكثر من 100 جندي بالقرب من حدودها مع أوكرانيا لكنها تنفي التخطيط لغزو، وطالبت واشنطن وحلف شمال الأطلسي بضمانات بعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف العسكري.

تعزيز دفاعات سلوفاكيا
وإلى ذلك، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، محادثات أول من أمس (الخميس)، واشنطن مع وزير الخارجية السلوفاكي إيفان كوركوك، ووزير الدفاع السلوفاكى ياروسلاف ناد. وفي احتفال لاحق، وقع الدبلوماسيون الثلاثة على وثائق تهدف إلى تعزيز التحالف بين دولتي «الناتو» مع تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا. وتسمح الاتفاقية للولايات المتحدة بتوسيع وجودها العسكري في سلوفاكيا، التي تمتلك حدوداً مع أوكرانيا، من خلال تطوير مطاري «سلياك» و«كوشينا» العسكريين. وينقسم السلوفاكيون بشأن المعاهدة، حيث يرى المنتقدون أنها يمكن أن تؤدي إلى فقدان سيادة البلاد. وقال بلينكن إن «هذا الاتفاق يسهّل على جيوشنا تنسيق جهود دفاعية غير مألوفة مثل إجراء تدريبات مشتركة. وسيوجد المزيد من المشاورات المنتظمة بين بلدينا في شأن التهديدات التي يتعرض لها شعبنا والسلام والأمن الدوليين». وبعد التوقيع، لا يزال يتعين على البرلمان السلوفاكي منح موافقته -وليس هناك ضمان لتمرير الموافقة، حيث أثارت أحزاب المعارضة الثلاثة في البرلمان، وممثلو النقابات العمالية، والمنتقدون العسكريون، اعتراضات على الاتفاقية.
كما أوصى مكتب المدعي العام السلوفاكي نواب البرلمان برفض المعاهدة، بدافع أن اتفاقية الشراكة تقوض الدستور السلوفاكي. وبموجب بنود المعاهدة، ستموّل الولايات المتحدة إعادة تطوير المطارين العسكريين، اللذين سيظلان ملكاً للحكومة السلوفاكية، لكن سيكون بإمكان الجيش الأميركي استخدامهما مجاناً.

واشنطن تحذّر بكين
وقبيل ساعات فقط من اجتماع بوتين وشي، حذرت الولايات المتحدة الصين من مساعدة روسيا على تفادي العقوبات المحتملة المتعلقة بالأزمة في أوكرانيا. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، إن واشنطن وحلفاءها «لديها مجموعة من الأدوات» التي يمكن نشرها ضد «الشركات الأجنبية، بما في ذلك تلك الموجودة في الصين» التي تحاول التهرب من الإجراءات العقابية المحتملة ضد روسيا. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لصحيفتين ألمانية وفرنسية، إن الاتحاد الأوروبي أعدّ «حزمة قوية وشاملة من العقوبات المالية والاقتصادية» في حال غزت روسيا أوكرانيا. وتابعت فون دير لاين لصحيفة «هاندلسبلات» الألمانية و«ليزيكو» الفرنسية: «هذا يتراوح من تقييد الوصول لرؤوس الأموال الأجنبية إلى ضوابط على الصادرات خصوصاً على السلع التقنية»، مضيفةً أن الإجراءات يجب أن تجعل الاقتصاد الروسي «أكثر ضعفاً». وأشارت المسؤولة الأوروبية إلى «أنه من الجليّ تماماً» أنه لا يمكن استبعاد مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» المثير للجدل بين ألمانيا وروسيا كهدف للعقوبات. وفي هلسنكي، أجرى القادة الفنلنديون محادثات مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حول رسالة أرسلها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى عدة دول حول «عدم قابلية الأمن للتجزئة» في أوروبا.
وفي بروكسل، رجح الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ، زيادة عدد القوات الروسية في بيلاروسيا إلى 30 ألفاً، بدعم من القوات الخاصة والطائرات المقاتلة المتقدمة وصواريخ «إسكندر» الباليستية قصيرة المدى وأنظمة صواريخ «إس 400» للدفاع الجوي. وقال: «هذا أكبر انتشار لروسيا هناك منذ الحرب الباردة». وأكد أن «الناتو» لا توجد لديه أي نية لنشر قوات في أوكرانيا في حالة غزو روسيا له، لكنه أشار إلى أن الحلف بدأ في تعزيز دفاعات الدول الأعضاء المجاورة، ولا سيما إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا. كما يخطط التحالف العسكري الذي يضم 30 دولة لتعزيز دفاعاته في منطقة البحر الأسود قرب بلغاريا ورومانيا.

ماكرون يجتمع مع بوتين وزيلينسكي
سيلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، بعد غد (الاثنين)، ومع الزعيم الأوكراني في كييف يوم الثلاثاء، لمناقشة الوضع في أوكرانيا إذ يحاول زعماء الغرب تجنب صراع كبير مع روسيا بشأن أوكرانيا. وأفاد مكتب ماكرون بأنه سيلتقي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كييف، في اليوم التالي لاجتماعه مع بوتين في موسكو. وقال الرئيس الفرنسي ماكرون إن إيجاد مسار تفاوضي لتهدئة التوتر بشأن أوكرانيا يمثل أولوية حتى مع إعلان الولايات المتحدة إرسال ثلاثة آلاف جندي إضافي إلى بولندا ورومانيا مع حشد روسيا لقواتها بالقرب من أوكرانيا.
وأوضح مكتب ماكرون في بيان أنه أجرى مكالمتين هاتفيتين مع الزعيمين الروسي والأوكراني أمس (الخميس)، لمحاولة إحراز تقدم بشأن وضع منطقة دونباس الانفصالية في شرق أوكرانيا في إطار جهود لنزع فتيل التوتر. وقال البيان أيضاً إن ماكرون أكد للرئيسين أهمية مناقشة شروط التوصل إلى توازن استراتيجي في أوروبا من شأنه أن يمكّن من خفض التوتر على الأرض ويضمن الأمن في القارة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».