عبد المجيد يشفي جروح الغياب في «ليلة العودة»

عبد المجيد عبد الله في حفل العودة  -  عبد المجيد عبدالله  (تصوير: بشير صالح)
عبد المجيد عبد الله في حفل العودة - عبد المجيد عبدالله (تصوير: بشير صالح)
TT

عبد المجيد يشفي جروح الغياب في «ليلة العودة»

عبد المجيد عبد الله في حفل العودة  -  عبد المجيد عبدالله  (تصوير: بشير صالح)
عبد المجيد عبد الله في حفل العودة - عبد المجيد عبدالله (تصوير: بشير صالح)

أوفت ليلة العودة للفنان عبد المجيد عبد الله، بوعدها الكامل، وجاءت تفاصيلها عنواناً للجمال والوفاء وعلى قدر الشوق والانتظار، وفاء الفنان لمشواره وجمهوره، وهو يتحامل على بقايا الغياب التي حبسته لست سنوات عن محبيه، يتناول دواءه على خشبة المسرح ويصر على الاستمرار في كنف جمهوره العريض الذي ملأ المكان.
ووفاء الجمهور لفنانه الذي كان يردد كلمات الأغنيات عن ظهر قلب، ويعود به إلى المواعيد القديمة، ويلح في طلب عناوين الأغنيات، التي كانت قناديل الحب في التسعينات.
وأخيراً، حن عبد المجيد ورجع لجمهوره، في ليلة توجت شعبيته وتاريخه الفني والعطاء الغنائي الذي شكل اسمه اللامع في عمر الأغنية السعودية، استعاد الفنان عبد المجيد عبد الله، عافية حضوره على خشبة مسرح «محمد عبده أرينا» في «بوليفارد رياض سيتي» بعد ست سنوات من الغياب.
الموعد الذي انتظره الجمهور بفارغ الصبر، والصوت الذي ملأ فضاء الحب والشوق والطرب، بالألحان والأغنيات، أصبح أدنى إليهم من قطوف الانتظارات، يعود فيها أمير الطرب ليؤنس ويبهر وينير رفوف الذكريات.
سيل من التصفيق يستقبله عند مطلع إطلالته على المسرح، وهو يغني «روحي تحبك غصب عني تحبك... والمشكلة حبك بروحي جرحني»؛ صوت عبد المجيد يصافح الجمهور العريض الذي يملأ المقاعد، يلتقيان أخيراً ويطويان مسافات الغياب.
يفتح الفنان عبد المجيد قلبه للجمهور، حديث من اشتاق إليه، الآلاف التي تدفقت إلى حضور الليلة الواعدة وتملأ المقاعد، يحيي الجمهور ويقول لهم «أخيراً... المعجزة حصلت، سعيد جداً بوجودي بين أهلي وفي بلدي، وأتمنى قضاء ليلة جميلة معكم».
ويعود إلى الغناء، حن الغريب، أغنية الملايين، برواز الشتاء، وسلوة كل المشتاقين، بصوت صاحبها الذي بث فيها بصوته العذب، شهرة وانتشاراً وحيوية لا تذبل.
في أوقات الاستراحات القصيرة، يتبادل الفنان عبد المجيد مع جمهوره كلمات الحب والامتنان، ويطلب عبد المجيد من الجمهور أن يشاركه الغناء، وينثني الإيقاع لمشاركة الآلاف ممن شهد ليلة العودة الكبيرة، في أغنيته «عايش سعيد» التي كانت بمثابة تعبير حقيقي عن حجم الشعور الذي لف الجميع في ليلة غمرها الفرح والغناء العذب.
غلب على اختيارات عبد المجيد في ليلة العودة، العناوين الجديدة التي طرزت آخر ألبوماته، أو الأغاني المنفردة التي كان يبثها بين الفينة والأخرى خلال سنوات غيابه، وهي المرة الأولى التي يسمعها الجمهور ويشاركها مع الفنان على المسرح، وكانت على القدر نفسه من الإبهار والإطراب.
في أغنيته «إنسان أكثر» التي كانت عنوان واحد من أهم ألبوماته الفنية في 2007، بإيقاعها السريع ترفع من حماس الأمسية، وتنعش الأجواء، ويتفاعل الجمهور.
يتداخل رئيس هيئة الترفيه في السعودية، تركي آل الشيخ، عبر الهاتف، ويشيد بليلة عبد المجيد، بجمهورها وفنانها وتحطيمها للأرقام القياسية في عدد وقيمة رعايات الحفل، وأن ليلة عودته تطوي ست سنوات من الغياب الطويل بالنسبة إلى جمهوره ومحبيه، ويستأذنه في غناء واحدة من أبرز أغنياته، «احكي بهمسك» التي تفاعل معها الجمهور.
«يا بعدهم كلهم» و«يا طيب القلب وينك» أغان خالدة من روائع التسعينات، يشارك عبد المجيد غناءها وبإلحاح من الجمهور، تثبتان حجم المسافة الطويلة التي قطعها من النجومية، والعلاقة الثمينة التي ربطته مع جمهور يحفظ ويحتفظ بفرائد أغنياته كجواهر لا تفقد بريقها.
عبد المجيد وصفة الخروج من سلطة المشاعر السالبة والأشواق الغالبة، إلى فسحة الوجدان المنداح وأفق البال المرتاح، يتناول العود، ويبدأ في غناء منفرد، الأغنيات الهادئة التي أرخت على المسرح وجمهوره من سحر الفنان عبد المجيد وهو يكسو الكلمات بلحن منحوت بعناية.
بـ«خلص حنانك» يختتم عبد المجيد عبد الله، ليلته الأولى ضمن أمسيات العودة على مسرح «محمد عبده أرينا» في الرياض، ويودع جمهوره العريض، على أمل أن يستمر اللقاء بهم ويدوم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».