ما الذي يجعلنا نتذكر أشياءً وننسى أخرى؟

لا يوجد عالم متأكد تماماً من كيفية قيام الدماغ بفرز وتخزين جميع المعلومات (رويترز)
لا يوجد عالم متأكد تماماً من كيفية قيام الدماغ بفرز وتخزين جميع المعلومات (رويترز)
TT

ما الذي يجعلنا نتذكر أشياءً وننسى أخرى؟

لا يوجد عالم متأكد تماماً من كيفية قيام الدماغ بفرز وتخزين جميع المعلومات (رويترز)
لا يوجد عالم متأكد تماماً من كيفية قيام الدماغ بفرز وتخزين جميع المعلومات (رويترز)

نصادف في أي يوم عادي العديد من الصور - عبر التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، الوجوه التي نواجهها في الشارع، والمشاهد التي نراها خارج نافذة السيارة - وبعض هذه الصور تبقى في أدمغتنا، بينما تنمحي مشاهد أخرى.
في حين أن الذاكرة هي ما يساعدنا على تذكر الأشياء التي واجهناها أو فكرنا بها من قبل، فإن دراسات التذكر تسأل: لماذا نتذكر ما نتذكره؟ لماذا ننسى ما ننساه؟
لا تزال الذاكرة تلوح في الأفق باعتبارها لغزاً كبيراً في العلم. لا يوجد عالم متأكد تماماً من كيفية قيام الدماغ بفرز وتخزين جميع المعلومات - وجميع أنواع المعلومات - التي يتم تشفيرها في الذكريات. لكن علماء النفس الإدراكي يأملون أن السؤال عما نتذكره سيبدأ في تعليمهم كيف نتذكر. ومع فهم أفضل للكيفية، يمكن للعلماء أن يبتكروا طرقاً لإصلاح الثغرات في الذاكرة، وفقاً لتقرير لموقع «فوكس».
الأمر المحير والمثير بعض الشيء، هو أن الذكاء الصناعي أصبح جيداً بشكل ملحوظ في التنبؤ بالصور التي سيتذكرها الدماغ البشري، حتى أنه يتفوق على حدسنا البشري. وهو ما يجعل العلماء يتساءلون: هل يمكنه المساعدة في تصميم صور لا تُنسى - للفصول الدراسية، وللخرائط، ولضعاف الذاكرة؟ هل يمكن المساعدة في تصميم عالم لا يُنسى؟
وتعتبر الفكرة التي تدور حول كيفية عمل كل مصادر الذاكرة هذه معاً، وكيف تختلف تماماً، مصدراً للبحث العلمي اللامتناهي في علم النفس. لا يمكن لأي دراسة أن تلتقط تجربة الإنسان بأكملها مع الذاكرة وتشرح كل حالة منها. بدلاً من ذلك، في المختبرات، يمكن للعلماء حقاً دراستها فقط في شرائح أصغر، ثم محاولة معرفة معنى كل ذلك في الصورة الأكبر.
يمكن أن تؤدي الشرائح الأصغر إلى بعض الاستنتاجات الرائعة. في أوائل عام 2010. بدأ الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في التحقق من إمكانية التذكر من خلال مطالبة المشاركين بلعب لعبة تجريبية. عرضت عالمة الإدراك أود أوليفا وزملاؤها على المشاركين في الدراسة سلسلة من الصور، ثم اختبرتهم لاحقاً بشأن الصور التي تعرفوا عليها. إذا تعرف أحد المشاركين على صورة شاهدها بالفعل من قبل، فسيتم احتسابها في الذاكرة.
تظهر الأبحاث السابقة أن البشر جيدون حقاً في هذا النوع من ألعاب التعرف. نحن قادرون على التعرف على عشرات الآلاف من الصور التي رأيناها من قبل. لكننا لسنا مثاليين في ذلك. تظل بعض الصور واضحة في أذهاننا، بينما قد تتلاشى بعض الصور حتى عندما نحاول متعمدين أن نتذكرها.
تساءلت دراسات ألعاب الذاكرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عما إذا كانت بعض الصور بطبيعتها أكثر عرضة للتذكر من غيرها. كان الجواب نعم. في دراسة تلو الأخرى، وجد الباحثون أن بعض الصور تترك انطباعاً دائماً. تنطبق النتائج على فئات مختلفة من الصور: فبعض الوجوه لا تُنسى أكثر من غيرها، وبعض المشاهد لا تُنسى أكثر من غيرها، وحتى بعض صور التشويش العشوائية - حقول الضوء والألوان المختلطة التي لا يمكن التعرف عليها - لا تُنسى أكثر من غيرها.
وأياً كان ما يؤثر على تذكر الصور، فهو ليس شيئاً ندركه بوعي. طلبت بعض الدراسات من المشاركين تخمين الصور التي سيتم تذكرها. وقالت ويلما بينبريدج، عالمة الأعصاب الإدراكي بجامعة شيكاغو: «حدسنا سيء حقاً».
وأوضحت العالمة التي بدأت في أبحاثها كطالبة دكتوراه في مختبر أوليفا: «الأمر جنوني... ولكن شيئاً ما عن أفضل الصور يجعل الناس يتذكرونها بشكل أكبر... (هذا صحيح بغض النظر عن الترتيب الذي يتم تقديم الصور به)».
وتابعت بينبريدج: «الأمر لا يزال لغزاً».


والقدرة على التذكر تقلب بعض الافتراضات الشائعة حول كيفية عمل الذاكرة رأساً على عقب. قال كريس بيكر، عالم الأعصاب في المعاهد الوطنية للصحة والذي يدرس الإدراك البصري: «الطريقة التقليدية للتفكير في الذاكرة هي إنها تتعلق بأنفسنا». وتابع: «أنا خارج المنزل وأحب الطبيعة، على سبيل المثال، لذلك ربما سأكون أكثر احتمالية لتذكر مشهد جبلي رائع وأقل احتمالية لتذكر زاوية شارع مملة».
وأوضح بيكر: «بعض ما نتذكره لا يرتبط بأنفسنا، بل يتعلق بما نحاول تذكره... إذا كان ركن الشارع لا يُنسى بطبيعته أكثر من مشهد الجبل، فربما لا تهم تفضيلاتي الشخصية واهتماماتي كثيراً».
يتضح من أبحاث الذاكرة أنه من المرجح أن يتم تذكر أحداث معينة في الحياة أكثر من غيرها.
هناك الكثير من العوامل التي تفسر جزئياً سبب بقاء الصورة في ذهن الشخص. على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالوجوه، قد تتذكر شخصاً ترى أنه جذاب أو شخص يبدو مألوفاً بطريقة ما. ومع ذلك، تقول بينبريدج إن هذه السمات لا تمثل سوى نصف ما يجعل الصورة لا تُنسى.
تميل الصور التي تحتوي على أشخاص إلى أن تكون أكثر تأثيراً من صور المناظر الطبيعية الفارغة، ونتذكر الصور الأكثر إشراقاً مع تباين أعلى بشكل أفضل. تشير بينبريدج إلى أن الحداثة - مثل صورة صندوق بريد موضوعة في غرفة نوم - يبدو أنها تترك القليل من الانطباع أيضاً. ومع ذلك، هناك الكثير مما لم يتم شرحه.
وأضافت بينبريدج: «نستمر في التفكير في أننا ربما سنجد مجموعة من السمات التي تحدد ما الذي يجعل شيئاً ما لا يُنسى... هذه السمات تتضمن أشياء مثل فئات الكائنات والوظائف والألوان والملمس».
لكن بينبريدج تقول إن كل هذه السمات مجتمعة لا يمكن أن تمثل سوى نحو 60 في المائة مما يجعل الصورة لا تُنسى، بناءً على دراسة (قيد المراجعة) على 26 ألف صورة - «بشكل أساسي جميع الأشياء الموجودة في الوجود البشري». وقالت: «الـ40 في المائة المتبقية تبقى لغزاً».


والأمر الأكثر إثارة للحيرة هو أن بينبريدج وجدت أن مطالبة المشاركين بمحاولة تذكر أو نسيان وجه معين، حتى عند تحفيزهم بالمال، لا يحدث فرقاً حقاً.
وأوضحت: «الجهد ليس قادراً حقاً على تجاوز هذا التأثير... المشاركون ما زالوا لا يستطيعون نسيان الأشياء التي لا تنسى أو تذكر الأشياء التي يمكن نسيانها، حتى مع المكافأة».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جائزة الشجاعة» لفتاة في التاسعة «أهدت» جدّتها عمراً جديداً

الجدّة والحفيدة الشُّجاعة (مواقع التواصل)
الجدّة والحفيدة الشُّجاعة (مواقع التواصل)
TT

«جائزة الشجاعة» لفتاة في التاسعة «أهدت» جدّتها عمراً جديداً

الجدّة والحفيدة الشُّجاعة (مواقع التواصل)
الجدّة والحفيدة الشُّجاعة (مواقع التواصل)

مُنحت «جائزة الشجاعة» إلى فتاة رأت أنَّ جدتها تعاني سكتةً دماغيةً، فطبَّقت تعليمات حفظتها من أجل إنقاذها. وأدركت صفاء حسين، البالغة 9 سنوات، من شيبلي بغرب يوركشاير بإنجلترا، الأعراض التي ينبغي الانتباه إليها بعدما تعلّمتها في المدرسة الابتدائية؛ فحصلت على شهادة تقدير من عمدة مدينة برادفورد ضمن حفل استقبال خاص. كما كُرِّمت المُساعِدة في التدريس، هيلين ماثيوز، التي أدارت درس الإسعافات الأولية خارج المنهج الدراسي.

وقال رئيس بلدية المدينة بيف مولاني: «إنه لأمرٌ عظيم أن نعترف بشجاعة صفاء والتعليم الممتاز الذي تلقّته، مما سمح لها باتخاذ إجراءات للمُساعدة في إنقاذ جدّتها. أحسنت صفاء بحفاظها على هدوئها وتقديمها المُساعدة». تغيَّبت صفاء عن المدرسة، وأقامت مع جدّتها ماري شيخ (79 عاماً)، بينما كانت والدتها في العمل.

علَّقت الصغيرة: «عندما جلستُ على سريرها، حاولت تقديم بعض الطعام لها، لكنها لم تستطع تناوله. جرّبتُ كل ما قالته السيدة ماثيوز، وكنتُ أعلم أنها أُصيبت بسكتة دماغية». وتابعت: «اتصلتُ بأمي وقلتُ لها: (عليكِ الاتصال بسيارة إسعاف. جدّتي مصابة بسكتة دماغية)؛ ففعلت ذلك». أخذت سيارة الإسعاف، شيخ، إلى مستشفى برادفورد الملكي حيث تلقَّت علاجاً مُنقذاً للحياة. أضافت صفاء: «كانت سكتة دماغية مخيفة. أشعر بالسعادة والحماسة لأن جدّتي لا تزال بيننا».

شهادة تقدير على العمل البطولي (مواقع التواصل)

بدورها، روت والدتها، عائشة شيخ (49 عاماً)، أنها تركت ابنتها مع والدتها، وبعد 40 دقيقة تلقَّت المكالمة الهاتفية. وقالت: «دعتني قائلة إنّ جدّتها في حالة سيئة وتعرَّضت لسكتة دماغية. قلتُ لها: (ماذا تعنين؟ أنت في التاسعة، كيف عرفتِ أنها أصيبت بسكتة دماغية؟)، فأجابت: (قدَّمتُ لها نوعاً من الإفطار ولم تستطع تناوله. وأيضاً كان وجهها شاحباً ولم تستطع التحدُّث. إنها بطلتنا الصغيرة. لقد أنقذتها. لم تكن لتنجو لولا ذلك». وتابعت: «ولولا الآنسة ماثيوز أيضاً التي لقّنتها الإرشادات».

أما ماثيوز فأكدت أنّ أحد أدوارها كان تعليم الإسعافات الأولية من السنة الأولى حتى السادسة: «إنه ليس جزءاً من المنهج الوطني، لكننا نعتقد أنه من الجيّد تعليم الأطفال». وأضافت أنّ أحد الأشياء التي علّمتها كانت أهمية «الساعة الذهبية» وكيفية التصرُّف خلالها: «قال المسعفون إنّ هذا ما أنقذ الجدّة، لأنّ صفاء أنجزت دورها بسرعة، ونحن فخورون بها».