مخاوف أوروبية من أن يؤدي ارتفاع سعر صرف الدولار إلى تعطيل انتخابات لبنان

(تحليل إخباري)

TT

مخاوف أوروبية من أن يؤدي ارتفاع سعر صرف الدولار إلى تعطيل انتخابات لبنان

يخشى عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي في لبنان من أن يؤدي استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار إلى تأجيل إجراء الانتخابات النيابية واحتمال ترحيلها إلى أجل غير مسمى ما يعيق إعادة تكوين السلطة، ويعطل الاستحقاقات الدستورية بانتخاب مجلس نيابي جديد يتولى انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس ميشال عون بعد انتهاء ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ويسأل هؤلاء، كما ينقل عنهم عدد من النواب والوزراء، هل يمكن إنجاز الاستحقاق النيابي في حال أن سعر صرف الدولار تجاوز الخطوط الحمر وأوقع لبنان في انهيار شامل؟
ويقول هؤلاء السفراء إن عدم وقف التدهور الاقتصادي والاجتماعي قد يؤدي إلى انفجار الوضع بشكل يفاجئ الطبقة السياسية ما لم تبادر الحكومة إلى إنجاز دفتر الشروط الذي يؤهلها للتفاوض مع صندوق النقد الدولي بدعم من مجموعة أصدقاء لبنان للعبور بالبلد إلى مرحلة التعافي المالي، وهذا يتطلب وقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء.
وينقل النواب والوزراء عن السفراء الأوروبيين أنه لا يكفي تأكيد الحكومة والقوى المحلية على إجراء الانتخابات في موعدها في 15 مايو (أيار) المقبل ما لم يبادر هؤلاء إلى وقف الانهيار، لأنه لا يمكن الركون إلى أقوالهم من دون ترجمتها إلى أفعال ملموسة، وهذا ما يضعهم في دائرة الاتهام من قبل المجتمع الدولي.
فسفراء الاتحاد الأوروبي وإن كانوا بالتعاون مع الولايات المتحدة يتكفلون بتوفير المساعدات المالية للمؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى من خلال إنشاء صندوق مالي تحت إشراف الأمم المتحدة وبمساهمة من الدول القادرة، فإنهم في المقابل يرون أن هذه المساعدات يجب أن تتلازم مع رفع منسوب المساعدات ليس للهيئات العاملة في المجتمع المدني فحسب، وإنما للدولة اللبنانية التي لم تنجز دفتر الشروط الموضوعة من قبل المجتمع الدولي الذي يؤهلها للإفادة من هذه المساعدات.
ويلفت سفراء الاتحاد الأوروبي، بحسب ما ينقل عنهم عدد من النواب والوزراء، إلى أن تردد الحكومة في حسم أمرها لا يزال يعيق حصولها على مساعدات مالية واقتصادية مباشرة بسبب استمرار تعطيل جلسات مجلس الوزراء الذي كان وراء تصاعد موجة التجاذبات السياسية، وتبادل الاتهامات بين أبرز المكونات الداعمة للحكومة والمشاركة فيها.
ويتخوف هؤلاء السفراء من أن يؤدي الانهيار المالي والاقتصادي إلى تفلت الوضع الاجتماعي وخروجه عن السيطرة، وإلا كيف يمكن تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات النيابية، فيما يستمر سعر صرف الدولار بالارتفاع من دون ضوابط رادعة؟ ويقولون إن لبنان يدخل الآن في سباق بين إغراقه في انفجار شامل وبين استعادة زمام المبادرة التي ما زالت متعثرة مع تعذر انعقاد مجلس الوزراء الذي يرزح حالياً تحت وطأة تبادل الشروط.
ويؤكدون أن التحضير لإجراء الانتخابات لن يكون بإبداء حسن النيات وإنما بخطوات ملموسة لإنقاذ البلد، لأنه من غير الجائز إتمامها على أنقاضه، ويحذرون من أن المجتمع الدولي سيضطر لاستخدام «البطاقة الحمراء» في وجه من يُثبت ضلوعه في تعطيلها وصولاً إلى فرضه عقوبات تستهدف من يعيق إعادة تكوين السلطة في لبنان.
ومع أن هؤلاء السفراء يؤكدون على ضرورة المباشرة في التحضير العملي للدخول في مفاوضات بناءة مع صندوق النقد بدعم الجهود التي يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بإشرافه على التحضير لتفعيلها بالتعاون مع الفريق الحكومي المفاوض، فإن أحدهم يتوقف أمام ما يقال بأن الوسيط الأميركي آموس هوشستين لن يحضر على عجل إلى بيروت للتوسط بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بينهما والتي لا تزال نقطة نزاع.
ويكشف السفير الأوروبي الذي يتواصل باستمرار مع نظيرته الأميركية السفيرة دوروثي شيا بأن عودة الوسيط الأميركي تتوقف على إعادة واشنطن النظر في قرارها بمنع انتقال العاملين في فريقها الدبلوماسي إلى الخارج بسبب تفشي وباء فيروس «كورونا» بما يسمح له بمواصلة وساطته بين لبنان وإسرائيل.
لكن هؤلاء السفراء ينأون بأنفسهم عن التدخل في اللقاءات الثنائية التي أجراها الرئيس عون لاستمزاج رأي رؤساء الكتل النيابية وقادة عدد من الأحزاب حول إمكانية دعوتهم لطاولة الحوار ويكتفون بمواكبة ردود الفعل، برغم أن هناك صعوبة في تأمين النصاب السياسي لانعقادها.
وفي هذا السياق، يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»: لو كنتُ مكان رئيس الجمهورية لبادرتُ إلى صرف النظر عن دعوة الأطراف المعنية للحوار، خصوصاً أن اعتذار زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية عن الحضور جاء صادماً له لأنه أضاف تلوينة سياسية جديدة على مقاطعة زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري ورئيسي حزبي «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي يستعد للسفر إلى موسكو لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الروس، و«القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويؤكد المصدر النيابي أن موقف فرنجية جاء تتويجاً لقناعاته وانسجاماً مع نفسه، وهو ميز بين اعتذاره عن المشاركة، وبين عدم مقاطعته لرئيس الجمهورية بتلبيته دعوته للحضور إلى بعبدا في إطار اللقاءات الثنائية التي عقدها، ويضيف أن فرنجية بموقفه من الحوار أراد أن يقول إن الاعتذار عن الحضور لم يقتصر على لون واحد عبرت عنه قيادات «قوى 14 آذار» سابقاً وإنما طعمه بلون سياسي من نوع آخر كونه ينتمي إلى قوى 8 آذار.
ويلفت إلى أنه لا اعتراض على موقف فرنجية لأنه يحق له الاعتذار عن الحضور على خلفية أنه ليس على استعداد لتسليف عون ومن خلاله وريثه السياسي النائب جبران باسيل بمبادرة حسن نية، ما دام أنهما كانا وراء رعاية الحملات المنظمة التي استهدفته.
وهكذا فإن اعتذار فرنجية عن المشاركة في الحوار أدى إلى حصر الحضور، في حال لم يصرف عون النظر عن دعوته، بفريق ينتمي إلى «ميني» 8 آذار، خصوصاً أن مشاركة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الحوار تأتي من موقع الاختلاف مع عون وباسيل، برغم أنه كان السباق بتموضعه في «الوسط» بين الأطراف المتنازعة من جهة، وفي رعايته للحوار الأول الذي استضافه شخصياً في أبريل (نيسان) 2006، فيما افتقد عون لدوره كحكم بين اللبنانيين بعد أن انحاز لفريق دون الآخر، واستحال عليه أن يقدم «النموذج» الضامن لتنفيذ ما يُتفق عليه.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».