«ميريت الثقافية» تحتفي بالروائي إبراهيم عبد المجيد

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

«ميريت الثقافية» تحتفي بالروائي إبراهيم عبد المجيد

غلاف المجلة
غلاف المجلة

احتفت مجلة «ميريت الثقافية» الإلكترونية في عددها لشهر يناير (كانون الثاني) الحالي بالكاتب الروائي المصري إبراهيم عيد المجيد، وذلك في ملف خاص وموسع بعنوان «إبراهيم عبد المجيد... لا ينام في الإسكندرية»، تضمن (12) مقالاً: السرد والنوع الأدبي في «رسائل إلى لا أحد» للدكتور إبراهيم منصور، السرد والتأريخ وتأصيل الهوية في لا أحد ينام في الإسكندرية للدكتور وليد عتلم، سرديَّة المنطوقات الأدائيَّة في رواية «البلدة الأخرى» للدكتورة نادية هناوي (من العراق)، هيمنة المكان على النص السردي في «بيت الياسمين» للدكتور كريم صبح (من العراق)، «أداجيو» تثير تساؤلات حول الكتابة الذاتية للدكتورة فاطمه الحصي، متعة الكتابة عند إبراهيم عبد المجيد للدكتور طارق بوحالة (من الجزائر)، مشهدية الواقع النفسي والدلالي في «بيت الياسمين» بقلم محمد عطية محمود، شخصية المرأة وتحولاتها الاجتماعية في رواية المسافات لموج يوسف (من العراق)، زمن البهجة والجراح بقلم محمود قدري، الأنا والآخر في قصة «ليلة أنجيلا» للدكتورة سناء سليمان، الواقع والفانتازيا في رواية «قبل أن أنسى أني كنت هنا» للدكتور علاء نجدي أبو المجد، والمضمر الثقافي والتاريخي في الرواية العربية المعاصرة بقلم أسامة حمدوش (من المغرب).
أيضاً تم تخصيص باب «حول العالم» لترجمة دراستين طويلتين حول إبداع إبراهيم عبد المجيد: فقد ترجم الكاتب ناصر الحلواني مقالاً كتبته عالية سعيد بعنوان «الأرض اليباب العربية»... ورواية «البلدة الأخرى»، وهو مقارنة بين قصيدة ت. إس. إليوت الشهيرة ورواية عبد المجيد... كما ترجم طارق فراج مقالاً كتبه جريس آر. ماكميلان ستاوت بعنوان: التناص والهوية الدينية في «لا أحد ينام في الإسكندرية».
ونشر كذلك في الملف مقال كتبه حمدي البطران عن كتاب «رسائل من مصر»، الذي ترجمه إبراهيم عبد المجيد، وهو من تأليف ليدي دوف جوردون، ويتضمن الترجمة الكاملة للرسائل مع ذكريات ابنتها جانيت روس، ومقدمة لجورج ميريديث.
في باب «إبداع ومبدعون»؛ تضمن ملف «رؤى نقدية» خمسة مقالات: محمد السيد إسماعيل... تحولات التجربة للدكتور محمد عليم، النص والقارئ وإنتاج المعنى للدكتور أحمد يحيى علي، في مواجهة خطاب التبعية ومجاوزة خطاب التمثل للدكتورتين سحر محمد فتحي & غادة كمال سويلم، البنية السردية في رواية «الكراكي» لحسن حميد بقلم ناهض زقوت (من فلسطين)، وشعر الكنائس... الغزل بالمذكر والشذوذ والغلمان للدكتورة حنان الشرنوبي.
وتضمن ملف «الشعر» (12) قصيدة لشعراء: من مصر واليمن وليبيا وتضمن ملف «القصة» (7) قصص لكتاب من العراق وسوريا ومصر.
وناقش باب «نون النسوة» رواية «جوكات - حكايا الدار الحمراء» للروائية والقاصة انتصار عبد المنعم، وتضمن مقالين: شعرية الواقعي والمتخيل في رواية «جوكات» للدكتورة فاطمة الزهراء منصف (من المغرب)، و«الكنوز الغارقة في بحر اللعنات» للشاعر أحمد سراج، وشهادة للكاتبة عن تجربتها الإبداعية.
أما في باب «تجديد الخطاب» فنشرت: معركة «هر مجدون» و«تحدي الاستنارة» لسامح عسكر، «مذابح الأنوثة على تخوم الحرب الأهلية الليبية» لحنان النويصري (ليبيا - السويد)، و«أثر الفرانكيسمو على وضع المرأة في إسبانيا» لمحمد جمعة توفيق.
وفي باب «ثقافات وفنانون» حوار أجرته الشاعرة سمر لاشين مع الشاعر أمجد ريان بعنوان: «عندما أبدأ الكتابة أكون ممتلئاً بالحيرة... وأظل أسأل نفسي: هل ستعجب حبيبتي؟. وكتب عصام الزهيري في ملف «كُتُب» مقالاً بعنوان: نظام المكان الرمزي.
وكان غلاف المجلة بورتريه لإبراهيم عبد المجيد للفنان المصري عمر صادق الهواري والرسوم الداخلية المصاحبة لمواد باب إبداع ومبدعون للفنانة المصرية نهى ناجي (1970)، والرسوم المصاحبة لمواد باب نون النسوة للفنانة المصرية إيمان حسين (1986)، والصور الفوتوغرافية في بدايات الأبواب وفي ظهر الغلاف للفوتوغرافي المصري شريف عبد المجيد.



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟