الحوثي يحرّف مناهج التعليم ويزيّف وقائع التاريخ

TT

الحوثي يحرّف مناهج التعليم ويزيّف وقائع التاريخ

يواجه أكثر من ثلاثة ملايين طالب في المدارس الواقعة تحت سلطة ميليشيات الحوثي خطر التحريف والفكر المتطرف، بفعل التغيير المتواصل لمناهج التعليم الذي تجريه هذه الميليشيات وفق موجهات سياسية وتوظيف المدارس لأغراض عسكرية، وتغيير وقائع التاريخ وتزييفه، وتسييس الرواية التاريخية، وتأويل الآيات والأحاديث لتكفير الآخرين وإضفاء قدسية دينية على سلالته، ومعاداة الفنون والمرأة.
وأظهرت نتائج دراسة لمضامين المنهج الدراسي للعام الحالي، نفذتها نقابة المعلمين اليمنيين في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي لمعرفة التغييرات الجديدة في المناهج الدراسية، أن محتوى هذه التغييرات سيولد حالة من الفوضى لا يمكن التكهن بنتائجها؛ إذ إن العملية التعليمية تتعرض لعملية تسييس ممنهجة وعبث بمحتوياتها، وحذرت «من العبث بالمحتوى العلمي للمنهج وبموجهات النصوص التي يتلقفها أكثر من 3 ملايين طالب يعيشون في مناطق سيطرة الحوثي».
‏وأكدت الدراسة أن ميليشيات الحوثي تتعامل مع التعليم بموجهات سياسية وبهدف توظيفه لأغراض عسكرية، وجعلت نصوص المنهج الدراسي تخدم بالدرجة الأولى أجندتها من خلال تغيير وقائع التاريخ وتزييفه، وتسييس الرواية التاريخية، وتأويل الآيات والأحاديث النبوية وبما يخدم أفكار الحوثي، وإضفاء القداسة الدينية على سلالته، في محاولة للسيطرة على عقول الطلبة عبر تثبيت تلك المفاهيم التي يعتنقها الحوثيون.
ومن أبرز ما رصدته الدراسة: تمجيد المناهج الدراسية لطلبة مرحلة التعليم الأساسي، زعماء الميليشيات الحوثية التي أوغلت في الدم، حيث تقدم هذه المناهج زعماء الميليشيات كقادة ورموز؛ واللعب على الورقة المذهبية وتغذية النزعة العدائية.
المتحدث باسم نقابة المعلمين يحيى اليناعي رأى «مخططاً إيرانياً لتصدير الصراعات وإحداث الصدام بين أبناء الوطن الواحد».
وأشارت الدراسة إلى أن التعديلات التي أجراها الحوثي على المناهج الدراسية «تشبه تلك التي في المنهجين الإيراني والعراقي، وهي تهدف لفرض تعليم يتبنى فكر وعقيدة ولاية الفقيه ويؤيد ما يسمى حصر الولاية في البطنين وأحقية الحوثي وسلالته بالحكم دون غيرهم». وهي تعديلات تحمل توظيفاً مكشوفاً وتسييساً واضحاً، كونها ترتبط بجعل مسألة «السلطة والحكم» حصرية للمنتسبين لسلالة الحوثي، ما يعني في النهاية إلغاءً كاملاً للحرية وللديمقراطية وللمواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة.
ومنذ سيطرتها على العاصمة اليمنية، صنعاء، نفذت ميليشيات الحوثي سلسلة من التغييرات في المناهج الدراسية واتخذت قراراً باستبدال لجنة المناهج في وزارة التربية والتعليم، بلجنة أخرى افتتحت سلسلة التغييرات في مناهج التربية الإسلامية، والتربية الوطنية، وامتدت هذه التغييرات مؤخراً إلى مناهج المواد العلمية حيث حرصت على تكريس رموزها في كل المناهج، وفرضت تدريس ما يسمى بـ«ملازم حسين الحوثي»، وإقامة الفعاليات الطائفية أسبوعياً في المدارس العامة والخاصة، وهي الفعاليات التي تكرس المنظور السلالي في الحكم وتكفر من لا يؤمن بهذه النظرة أو يعتنق مذاهب أخرى وتعادي الفنون والموسيقى وحقوق النساء ومشاركتهم في الحياة العامة.
وكانت نقابة المعلمين قد حذرت أكثر من مرة من أن تحريف المناهج الدراسية «ينعكس سلباً على الهوية الوطنية وعلى النظام الجمهوري». وقالت إن المناهج التي فرضها الحوثيون تغرس في عقولهم أن «ثورة 26 سبتمبر (أيلول)» ضد نظام حكم الإمامة كانت انقلاباً، فيما شكا أولياء أمور طلاب من تكثيف الميليشيات دروس الجهاد والكراهية لاتباع الديانات الأخرى وتحويل المدراس إلى مواقع لتدريب الأطفال على القتال وحثهم على العنف، وتمجيد حربهم على اليمنيين ومنع الاختلاط ومهاجمة كل انفتاح اجتماعي.
تقرير حديث لمنظمة «اليونيسيف» قال إنه وبعد ست سنوات من الصراع، أصبح التعليم أكبر ضحايا الحرب في اليمن، حيث إن ما يربو على مليوني طفل خارج المدارس بسبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم. وهذا العدد يشكل أكثر من ضعف عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس عام 2015، والذين كان عددهم حينها 890000 طفل. وقال إن القلق يتزايد لأن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس أو الذين تسربوا من مدارسهم قد لا يعودون للدراسة إطلاقاً إذا لم يتم دعمهم بشكل صحيح.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».