الدرعية التاريخية.. مشروع وطني يجسد ملامح تأسيس الدولة السعودية

سلطان بن سلمان اهتم بها لإبراز دورها الماضي وجعلها مركزًا حضاريًا

الأمير سلطان بن سلمان في إحدى زياراته الأخيرة لمشروع تطوير الدرعية برفقة محافظ الدرعية
الأمير سلطان بن سلمان في إحدى زياراته الأخيرة لمشروع تطوير الدرعية برفقة محافظ الدرعية
TT

الدرعية التاريخية.. مشروع وطني يجسد ملامح تأسيس الدولة السعودية

الأمير سلطان بن سلمان في إحدى زياراته الأخيرة لمشروع تطوير الدرعية برفقة محافظ الدرعية
الأمير سلطان بن سلمان في إحدى زياراته الأخيرة لمشروع تطوير الدرعية برفقة محافظ الدرعية

يعد مشروع تطوير الدرعية التاريخية من المشروعات الوطنية الرائدة التي حظيت بالاهتمام والمتابعة المباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تبنى هذا المشروع انطلاقا من أهمية تطوير هذا المعلم التاريخي البارز والمحافظة عليه.
وأولى الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عضو اللجنة العليا لتطوير الدرعية، أهمية خاصة بالحفاظ على الدرعية التاريخية، ورفع مقترحا لتطويرها نتج عنه هذا المشروع الذي يمثل نموذجا ناجحا للعمل بمنهج الشراكة بين الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والهيئة العامة للسياحة والآثار، ومحافظة الدرعية، وتابع مراحل العمل في المشروع من خلال زياراته المتتابعة للموقع، إضافة إلى تبنيه ومتابعته لملف ضم الدرعية التاريخية لقائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو.
ويمثل مشروع تطوير الدرعية التاريخية جانبا من اهتمام الدولة بالتراث الوطني وتنميته، لدوره في حفظ تاريخ الوطن وإبراز مساهمة أبنائه في ملحمة تأسيسه ووحدته، كما أنه شكل لاحقا أحد العناصر المهمة لمشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الذي اعتمدته الدولة أخيرا.
ونظرا لأهمية الدرعية التاريخية والحاجة إلى برنامج تطوير حضاري تنموي يبرز دورها التاريخي ويجعل منها مركزا ثقافيا وحضاريا على المستوى الوطني، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، (أمير منطقة الرياض رئيس اللجنة العليا بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة آنذاك) بتشكيل لجنة لدراسة تطوير الدرعية، بناء على مقترح قدمه الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وهدفت تلك اللجنة التي ترأسها الأمير سلطان بن سلمان إلى وضع برنامج تطوير حضاري تنموي شامل لإبراز الدور التاريخي للدرعية وجعلها مركزا ثقافيا سياحيا على المستوى الوطني. وصدر أمر ملكي بالموافقة على البرنامج المقترح لتطوير الدرعية، وأن تتولى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسؤولية تنفيذه، وتشكيل اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية برئاسة رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
إثر ذلك جرى اتخاذ عدد من الإجراءات ونفذت مجموعة من الدراسات المتخصصة ووضعت التصاميم المتنوعة وفقا لأهداف التطوير. ومن أبرز تلك الإجراءات إقرار الخطة التنفيذية النهائية لتطوير الدرعية التي اشتملت على مجموعة من البرامج والمشروعات، وتتولى الهيئة العليا لتطوير الرياض تنفيذها بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتنسيق مع محافظة وبلدية الدرعية والجهات ذات العلاقة. وانطلقت الهيئة العامة للسياحة والآثار مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض من توصيات «اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية»، وعملتا بشراكة كاملة لبلورة الفكرة الأساسية للمشروع والعمل على تفاصيله، وتوجيهه نحو التطوير المتوافق مع أعلى المعايير الدولية والتجارب الناجحة في تطوير المواقع التراثية، وقدمت هيئة السياحة ما تملكه من معرفة في تطوير المواقع السياحية، وأسهمت فيه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بخبرتها العريضة في الإشراف على المشروعات الكبرى، مع الاستعانة بإسهامات عدة جهات في مجالات عملها من أبرزها محافظة الدرعية، ودارة الملك عبد العزيز.
ويتمثل نطاق عمل الهيئة العامة للسياحة والآثار في مشروع تطوير الدرعية في الإسناد الفني والعلمي المتخصص للمشروع، والمشاركة في مراجعة وتقييم المخططات الهندسية لمشروعات حي الطريف، وباقي أحياء الدرعية التاريخية.
إضافة إلى تنفيذ أعمال التنقيب الأثري الاستطلاعي في الموقع، والإشراف على أعمال حفريات البنية التحتية لحي الطريف للحفاظ على أي ظاهرة معمارية.
كما تتولى هيئة السياحة والآثار مراجعة سيناريوهات العروض المتحفية، والمشاركة في إعداد خارطة بمواقع الأحداث التاريخية في حي الطريف والدرعية التاريخية، والمشاركة في وضع الأفكار الأولية والتصور العام لتصميم حي البجيري وحي الطريف.
وبعد افتتاح المشروع ستقوم هيئة السياحة بتشغيل الموقع بما في ذلك تحويل حي الطريف الذي يحوي قصر الحكم ومؤسسات الدولة السعودية الأولى إلى متحف حي وسط منظومة من الأنشطة المتعددة، وذلك لاستيعاب الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتراثية، إضافة إلى جذب الاستثمار السياحي للمشروع بعد انتهائه، وتطوير منتجات سياحية في المدينة التاريخية مثل أنشطة الحرفيين، ومحلات الهدايا والتذكارات، والمأكولات الشعبية، وتشغيل مركز الزوار.
ويعد حي سمحان في الدرعية من المواقع التي استلمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار لإعادة تأهيله وتحويله إلى فندق تراثي سيكون باكورة مشروعات الشركة السعودية للضيافة التراثية التي أطلقتها الهيئة العامة للسياحة والآثار أخيرا بمشاركة صندوق الاستثمارات العامة وعدد من شركات القطاع الخاص.
وتقوم الهيئة العامة للسياحة والآثار بإعداد خطة تشغيلية لاستغلال الموقع (اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتراثيا وسياحيا) وتحويله إلى نزل تراثية بحيث يجري إحياء الموقع وإحداث التفاعل الإيجابي بين البيئة المحلية بما تمثله من منتجات محلية وتراثية وحرف يدوية والخطة السياحية التراثية للموقع.
وجرى التنسيق لإعادة تأهيل الموقع مع أحد بيوت الخبرة الإسبانية للتعاون في مجال الحفاظ على الحي وفق المعايير الدولية.
وأنهت الشركة الإسبانية «المجموعة الدولية للترميم» إعداد دراسات المرحلة الأولى «الدراسات الميدانية» التي شملت الرفع المساحي والمعماري ورفع الأنقاض وكشف الأساسات والحالة الإنشائية للمباني التراثية وتحليل التربة والدراسات التاريخية، بينما تشمل المرحلة الثانية التي تمت ترسيتها، التصاميم المعمارية والمخططات التنفيذية والتفصيلية للمشروع.
وعملت الهيئة العامة للسياحة والآثار على إجراء أعمال البحث العلمي في موقع حي الطريف، وشكلت فريقا متخصصا من قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة لإجراء التنقيبات الأثرية بالموقع، وذلك لتحديد معالم المباني والمنشآت، وتحديد فترات المراحل المعمارية، والمراحل السكنية، وأعمال التسجيل والتوثيق في الموقع.
وتمت هذه الأعمال في عدد من الوحدات الموجودة في الموقع، مثل: جامع الإمام محمد بن سعود، وقصر إبراهيم، وقصر سلوى، وقصر مشاري، وقصر تركي، وقصر فرحان، والوحدات والمنشآت المائية في الموقع. وصدر عن الهيئة العامة للسياحة والآثار تقرير مفصل ومصور عن النتائج الأولية للأعمال الميدانية في حي الطريف، متضمنا المعلومات التاريخية، والطبقات الأثرية والعناصر المعمارية، والمراحل السكنية، والمراحل البنائية لكل موقع. وتوجت جهود الدولة في حماية الدرعية التاريخية، وما يحظى به الموقع من أهمية تاريخية، باعتماد ضم الموقع لقائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو أواخر شهر يوليو (تموز) 2010.
وجاءت الدرعية التاريخية الموقع السعودي الثاني المسجل في قائمة التراث العالمي بعد موقع الحجر (مدائن صالح) الذي سجل في قائمة التراث العالمي التابع لليونيسكو عام 2008، وتلا موقع الدرعية التاريخية موقع جدة التاريخية الذي جرى تسجيله في عام 2014. وحظي موضوع تسجيل الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي باهتمام خاص ومتابعة من الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عضو اللجنة العليا لتطوير الدرعية، وصدرت موافقة ملكية على تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي وجرى الرفع إلى لجنة التراث العالمي بطلب تسجيل الموقع، وسلمت الهيئة ملف ترشيحه إلى منظمة اليونيسكو.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».