3 ملفات ساخنة توتر العلاقات الفرنسية ـ البريطانية

اجتماعات على مدى يومين للتوصل إلى تسوية بشأن الصيد البحري

ما زال التباعد عبر ضفتي بحر المانش قائماً رغم «التطبيع» (أ.ب)
ما زال التباعد عبر ضفتي بحر المانش قائماً رغم «التطبيع» (أ.ب)
TT

3 ملفات ساخنة توتر العلاقات الفرنسية ـ البريطانية

ما زال التباعد عبر ضفتي بحر المانش قائماً رغم «التطبيع» (أ.ب)
ما زال التباعد عبر ضفتي بحر المانش قائماً رغم «التطبيع» (أ.ب)

لم يجد أي من الملفات الثلاثة العالقة بين باريس ولندن، وتتناول تبعات إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية إلى أستراليا وملف الصيد البحري وملف الهجرات المنطلقة من الشاطئ الفرنسي إلى الشواطئ البريطانية، طريقه إلى الحل، على الرغم من القمة التي عقدها الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني يوم الأحد الماضي في روما، على هامش أعمال مجموعة العشرين.
فمن جهة، لم تهضم باريس بعد الدور الذي لعبته بريطانيا في تشجيع رئيس الوزراء الأسترالي على نقض عقد «صفقة القرن» بين كانبيرا وباريس، واستبدال غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي بالغواصات فرنسية الصنع، ثم لعب دور المحرك لإطلاق التحالف الثلاثي (الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا) المسمى «أوكوس»، واستبعاد فرنسا منه وبقية الدول الأوروبية.
وما زال التباعد عبر ضفتي بحر المانش قائماً على الرغم من «التطبيع» الفرنسي - الأميركي الذي كرسته قمة الرئيسين إيمانويل ماكرون وجو بايدن في المناسبة عينها.
ومن جانب آخر، ما زال البلدان يتبادلان التهم والتهديدات بشأن ملف الصيد البحري، وتمنع وإعاقة لندن توفير رخص الصيد في المياه البريطانية، وفق معاهدة العلاقات لما بعد «بريكست»، العائدة للصيادين الفرنسيين. وعلى الرغم من تأجيل باريس تنفيذ تهديداتها إلى حين، لجهة منع سفن الصيد البريطانية من الرسو في موانئ منطقتي النورماندي وبروتاني من أجل إنزال حمولاتها، والذهاب إلى حرمان جزيرتي جيرسي وغيرنوسي التابعتين للتاج البريطاني الواقعتين على بعد أميال قليلة من الشاطئ الفرنسي من التيار الكهربائي، فإن الأمور معلقة على نتائج الاجتماع الذي سيحصل اليوم بين وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون ووزير الدولة البريطاني لشؤون البريكست ديفيد فروست. كذلك يتعين انتظار ما سيتمخض عنه اجتماع بريطاني - أوروبي في بروكسل حول الملف نفسه غداً (الجمعة).
وأصرت باريس على هذا الاجتماع، باعتبار أن الخلاف ليس ثنائياً (فرنسياً - بريطانياً)، بل هو أوروبي - بريطاني، ويتناول وفق الرؤية الفرنسية - الأوروبية التطبيق العادل لمضمون اتفاقية انفصال بريطانيا عن النادي الأوروبي، والاتفاق الاقتصادي - التجاري الذي تبعها. ومن المنتظر أن تؤشر نتائج الاجتماعين إلى الطريق الذي ستسلكه الأزمة: إما إلى مزيد من التصعيد أو الوصول إلى تسوية يقبلها الطرفان، علماً بأن الأجواء السياسية المشحونة في البلدين لا تشجع أي طرف على تقديم تنازلات.
وفيما أعلن جونسون أن بلاده «لم تغير موقفها»، فقد جاء الرد الفرنسي (أمس) على لسان الناطق باسم الحكومة غابرييل أتال الذي قال إن «الخيارات كافة ما زالت على الطاولة». بيد أن ملفاً ثالثاً عاد بقوة إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، ويتناول الدفق المتزايد من الهجرات غير الشرعية من الشاطئ الفرنسي باتجاه بريطانيا عبر بحر المانش. ويوم الثلاثاء الماضي وحده، قامت البحرية الفرنسية وقطع أخرى بإغاثة 292 مهاجراً على متن قوارب مطاطية صغيرة أو متوسطة الحجم، وإعادتهم إلى الشواطئ التي انطلقوا منها.
وتفيد الأرقام البريطانية بأن ما لا يقل عن 18 ألف مهاجر غير شرعي نجحوا في الوصول إلى الأراضي البريطانية منذ بداية العام الحالي، مستخدمين الزوارق المطاطية منطلقين من محيط مدينة «كاليه» الواقعة مقابل مدينة «دوفر» البريطانية. وهذا العدد لا يمكن مقارنته بما جرى في عام 2019، حيث لم يتجاوز عدد الواصلين إلى التراب البريطاني الألفين. وعندما تكون الرؤية الجوية حسنة، فإن الشاطئ البريطاني الأبيض يشاهد بوضوح من الجانب الفرنسي، حيث لا يزيد عرض قناة المانش أو ما يسميه البريطانيون «تشانيل» عن ثلاثين كلم يمكن اجتيازها سباحة.
ويفيد المسؤولون الفرنسيون بأن ما لا يقل عن 40 ألف مهاجر غير شرعي، غالبيتهم من سوريا والعراق وإيران وأفغانستان وإريتريا والصومال وفيتنام... كانوا في الأشهر الأخيرة في الكثبان الرملية ووجهتهم بريطانيا. أما الأسباب التي تزيد الهجرات عبر البحر، فتعود وفق الجانب الفرنسي إلى تشديد الرقابة على مرفأ «كاليه» الذي تنطلق منه البواخر باتجاه بريطانيا، والتدابير الأمنية المتشددة التي فرضت من الجانب الفرنسي على محطة قطارات «اليوروتونيل» التي تمر في نفق تحت بحر المانش للوصول إلى الجانب البريطاني. وباختصار، فإن الطرق القديمة المستخدمة لم تعد فاعلة الأمر الذي يدفع بالمهاجرين إلى اختيار الزوارق المطاطية، حيث استثمرت مجموعات التهريب مبالغ طائلة في شراء الزوارق وتجهيزها، وتجميع المهاجرين في الكثبان الرملية الممتدة لـ120 كلم على جانبي «كاليه». وبحسب مديرية الشرطة في شمال فرنسا، فإنه من الصعب جداً أن تنجح الشرطة الفرنسية أو الدرك في فرض رقابة شاملة على منطقة بهذا الاتساع لمنع انتقال المهاجرين إلى بريطانيا.
وفي المقابل، فإن لندن تتهم باريس بأنها «لا تفي بالتزاماتها» المنصوص عليها في اتفاقية «لو توكيه»، على الرغم من الدعم المالي الذي توفره لندن سنوياً، البالغ 63 مليون يورو، وتهدد بإرجاع الزوارق إلى الشواطئ الفرنسية. وتجعل الاتفاقية المذكورة من الفرنسيين «حراساً» للأراضي البريطانية. وترد باريس على ذلك بأن السبب في الدفق المتزايد يعود لـ«المحفزات» التي يراها المهاجرون في القوانين البريطانية، وأنها تلجأ إلى الوسائل كافة من أجل منع التدفقات، ومنها استخدام المسيرات «درون» لمراقبة انطلاق الزوارق.
وليست لندن هي المتشكي الوحيد، فالسلطات الفرنسية تواجه انتقادات عنيفة من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان وعن المهاجرين، وتتهم السلطات بمعاملة «غير إنسانية» للمهاجرين، خصوصاً دأبها على تدمير وسائل الإيواء البدائية التي يلجأ إليها هؤلاء بين الكثبان، والاستيلاء على ممتلكاتهم الشخصية أو بعثرتها وتدميرها. ومنذ 3 أسابيع، أعلنت مجموعة من المدافعين عن إضراب عن الطعام للضغط على الحكومة التي قبلت أن تتولى إيواء المهاجرين على نفقتها تلافياً لمزيد من الانتقادات، لكنها أرضت هؤلاء من جانب، وأغضبت آخرين «من اليمين واليمين المتطرف» من جانب آخر.
ومن جهتها، تعمل وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل على استصدار قانون يعدل شروط قبول المهاجرين بشكل غير شرعي، وهو قيد النقاش في اللجان النيابية المعنية. ومن بنوده حرمان هؤلاء من حق الإقامة، ومن الاستفادة من الضمانات الاجتماعية، بل محاكمتهم وإرسالهم إلى السجن بحجة الدخول إلى البلاد بشكل غير قانوني. ويلقى مشروع القانون انتقادات عنيفة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون المهاجرين، ومن جمعيات بريطانية نظمت تجمعات ومظاهرات مناهضة في الأسابيع الأخيرة، لكن يبدو أن الحكومة تصم أذنيها عن الانتقادات، ومصرة على المضي في مشروعها.



العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
TT

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

بينما يشهد العالم ركوداً في التجارة العالمية وتراجع الاستثمارات عبر الحدود، هناك استثناء صارخ لهذه الفوضى الاقتصادية: العصابات الدولية والجريمة المنظمة التي تشهد ازدهاراً غير مسبوق، مستغلة التكنولوجيا الحديثة وانتشار المخدرات الصناعية لتوسيع نفوذها عالمياً. وفقاً لتقرير لمجلة «إيكونوميست».

الجريمة المنظمة تنمو بمعدلات قياسية

يورغن ستوك، الذي أنهى مؤخراً فترة عمله أمينا عاما لـ«الإنتربول»، أكد أن العالم يشهد نمواً غير مسبوق في احترافية واتساع نطاق الجريمة المنظمة. وبينما أظهرت الإحصائيات انخفاضاً عالمياً في معدلات جرائم القتل بنسبة 25 في المائة منذ بداية القرن، تحذر منظمات دولية من ارتفاع هائل في أنشطة العصابات التي تتجاوز الحدود الوطنية لتتحول إلى شبكات عالمية متعددة الأنشطة.

التكنولوجيا: سلاح جديد في يد العصابات

أسهمت التقنيات الحديثة، مثل التطبيقات المشفرة والعملات الرقمية، في تسهيل عمليات الاتصال ونقل الأموال بين العصابات دون ترك أي أثر. الإنترنت المظلم بات سوقاً مفتوحاً لتجارة البضائع الممنوعة، بينما ظهرت الجرائم الإلكترونية كمجال جديد يدر أرباحاً بمليارات الدولارات.

تقديرات تشير إلى أن عائدات الاحتيال والسرقات الرقمية بلغت 7.6 مليار دولار في عام 2023، في وقت يستغل فيه المجرمون أدوات الذكاء الاصطناعي لابتكار طرق جديدة للاحتيال.

يحمل الناس أمتعتهم أثناء فرارهم من حيهم بعد هجمات العصابات التي أثارت رد فعل مدنياً عنيفاً في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

المخدرات الصناعية تغير قواعد اللعبة

مع التحول إلى المخدرات المصنعة كالميثامفيتامين والفنتانيل، أصبحت العصابات أقل اعتماداً على مناطق زراعة النباتات المخدرة مثل الكوكا أو الأفيون. هذه المخدرات، الأرخص والأقوى تأثيراً، ساهمت في توسيع نشاط العصابات إلى أسواق جديدة، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، حيث زادت المصادرات بأربعة أضعاف بين 2013 و2022.

تنويع الأنشطة والانتشار الجغرافي

لم تعد العصابات تقتصر على نشاط واحد؛ فهي الآن تجمع بين تجارة المخدرات، الاتجار بالبشر، القرصنة الرقمية، وحتى تهريب الأحياء البرية. على سبيل المثال، أصبحت عصابات ألبانيا لاعباً رئيسياً في سوق الكوكايين بالإكوادور، بينما تستغل عصابة «ترين دي أراجوا».الفنزويلية أزمة اللاجئين لتعزيز أرباحها من تهريب البشر.

يستجوب السكان شخصاً ليس من الحي بعد محاولة هجوم ليلي شنتها عصابات على ضاحية بيتيون فيل الثرية ما أثار استجابة مدنية عنيفة في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

العصابات والسياسة: تأثير متصاعد

امتدت أيدي العصابات إلى التأثير على السياسة في بعض الدول. ففي الإكوادور، اغتيل مرشح رئاسي على يد أفراد يُعتقد ارتباطهم بعصابات كولومبية، بينما شهدت المكسيك مقتل عشرات المرشحين السياسيين في الانتخابات الأخيرة.

العالم في مواجهة تحدٍّ عالمي

على الرغم من النجاحات الفردية لبعض الدول في مكافحة الجريمة، يبقى التعاون الدولي في مواجهة العصابات محدوداً مقارنة بتوسعها السريع عبر الحدود. خبراء يؤكدون أن النهج التقليدي لإنفاذ القانون يحتاج إلى تحديث جذري لمواكبة التحديات التي تفرضها الجريمة المنظمة في عصر العولمة.