الجزائر تغلق أجواءها أمام الطيران العسكري الفرنسي

غضب رسمي وشعبي واسع إزاء «تصريحات ماكرون المسيئة»

تبون
تبون
TT

الجزائر تغلق أجواءها أمام الطيران العسكري الفرنسي

تبون
تبون

«الجزائر - فرنسا: إنها الأزمة»، «الانحراف»، «ماكرون يعيد العلاقات الجزائرية - الفرنسية إلى نقطة الصفر»؛ كانت هذه عناوين الصحافة الجزائرية أمس، على أثر التصريحات الحادة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد النظام السياسي الجزائري، المسيئة في بعض منها لتاريخ البلاد وشعبها، ما دفع الجزائر إلى اتخاذ قرار بحظر تحليق الطيران الحربي الفرنسي فوق أجوائها.
ويجمع قطاع واسع من المراقبين على استحالة إقامة علاقات طبيعية بين البلدين المتوسطين الكبيرين بسبب حساسية ملف الاستعمار والذاكرة والآلام التي خلفها الاحتلال الذي دام 132 سنة. وجاءت تصريحات لماكرون لتؤكد مدى صعوبة تجاوز هذا الملف نحو بناء شراكة سياسية واقتصادية، وتحاشي الالتفات إلى الماضي.
وكتبت صحيفة «الشروق»، المعروفة بخطها المعادي لأي تقارب مع فرنسا، أن «ماكرون أعاد العلاقات الجزائرية - الفرنسية إلى مربع البداية بتصريحات مستفزة، في خطوة فاجأت المراقبين، مثلما كشفت مدى هشاشة العلاقات الثنائية الموبوءة بكثير من الملفات المسمومة». وأبرزت أن ماكرون يحمل قناعة بأن «ملف الذاكرة، أو بالأحرى هزيمة فرنسا عسكرياً وأخلاقياً أمام الجزائر في حرب مدمرة، يغذي أنفة وطنية غير قابلة للتنازل أو للمساومة، تحت أي مبرر كان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستعمرة السابقة التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لسحب هذه الورقة من الطرف الجزائري».
وفي لقاء مع شباب فرنسيين ينحدرون من أصول جزائرية، جرى بقصر الإليزيه الخميس الماضي، وتناقلته وسائل إعلام فرنسية، قال ماكرون إن الجزائر أنشأت بعد استقلالها عام 1962 «ريعاً للذاكرة كرسه النظام السياسي - العسكري»، وتحدث عن «تاريخ رسمي للجزائر أُعيدت كتابته بالكامل، وهو لا يستند إلى حقائق، إنما على خطاب يرتكز على كراهية فرنسا»، كما ذكر أن «حواراً جيداً يجمعني بالرئيس تبون، لكن أرى أنه محتجز لدى نظام متحجر جداً».
وأكثر ما أغضب الجزائريين في هذه التصريحات قوله: «هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال»، مشيراً إلى وجود «عمليات استعمار سابقة»، مبرزاً أنه «منبهر لقدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماماً الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها»، في إشارة إلى هيمنة الإمبراطورية العثمانية على شمال أفريقيا في القرن الـ16 التي يعدها قطاع من الجزائريين «احتلالاً»، فيما يفضل قطاع آخر الحديث عن «وجود تركي» استدعي للمساعدة في صد الهجمات الأوروبية، خاصة الإسبانية.
وفي رد فعل ميداني على تصريحات ماكرون، قررت الجزائر، أمس، منع الطيران الحربي الفرنسي من التحليق فوق أجوائها التي تم فتحها منذ 2013، في إطار عملية عسكرية فرنسية ضد مواقع المتشددين في شمال مالي.
وقال الناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية، الكولونيل باسكال إياني، أمس: «لدى تقديم مخططات لرحلتي طائرتين هذا الصباح، علمنا أن الجزائريين سيغلقون المجال الجوي فوق أراضيهم أمام الطائرات العسكرية الفرنسية»، علماً بأنها تستخدم عادة مجالها الجوي لدخول ومغادرة منطقة الساحل، حيث تنتشر قواتها في إطار عملية «برخان».
وأوضح المتحدث أن هيئة الأركان العامة لم تتلقَ أي إخطار رسمي بهذا القرار. وشدد إياني على محدودية تأثير هذه الخطوة على تدفق الدعم، مشيراً إلى أن «الطائرات سيتعين عليها أن تعدل مخططات تحليقها»، مؤكداً أن ذلك «لن يؤثر على العمليات أو المهام الاستخباراتية» التي تقوم بها فرنسا في منطقة الساحل.
وشدد المتحدث كذلك على أن الطلعات الفرنسية الاستطلاعية في منطقة الساحل التي عادة ما تنفذ بواسطة طائرات مسيرة من نوع «ريبر» لن تتأثر، بما أن هذه الطائرات تنطلق من نيامي في النيجر، ولا تحلق في أجواء الجزائر.
ومن جانبها، ذكرت الرئاسة الجزائرية، في بيان شديد اللهجة، أن كلام ماكرون «اعتداء على ذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بالنفس في مقاومتهم البطولية ضد الغزو الاستعماري الفرنسي، وكذا في حرب التحرير الوطني المباركة»، مبرزاً أن «جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تعد ولا تحصى، وتستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية ضد الإنسانية». وأعلنت عن استدعاء سفيرها لدى باريس، وذلك للمرة الثانية في أسبوع، والأولى كانت بعد قرار تقليص منح التأشيرات إلى النصف.
وبرأي محللين، يسعى ماكرون من خلال هذا التصريحات إلى كسب أصوات مزدوجي الجنسية، خاصة أبناء «الحركيين» و«الأقدام السوداء»، وهم بالآلاف في فرنسا، تحسباً لانتخابات الرئاسة المرتقبة بعد أشهر.
واتسع الغضب الرسمي والشعبي في الجزائر من تصريحات ماكرون. وكتب رئيس البرلمان الوزير سابقاً، عبد العزيز زياري، على حسابه بشبكة التواصل الاجتماعي، أن تصريحات ماكرون «شتيمة ضد الشعب الجزائري تستدعي أن يعيد المسؤولون الجزائريون النظر في علاقات التعاون مع فرنسا بشكل جذري»، ودعا إلى «التوجه نحو أصدقائنا التاريخيين، الصين وروسيا وألمانيا وإيران وغيرهم، فالجزائر يمكنها أن تعيش من دون فرنسا الملغمة بالصهيونية والخطاب المعادي للإسلام والعنصرية المتجذرة في المجتمع».
ومن جهته، دعا الطيَب ينون، رئيس حزب «فضل» غير المعتمد الداعم لسياسات تبون، إلى قطع العلاقات مع فرنسا.
وأفاد عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي المعارض «حركة مجتمع السلم»، بأن «خطاب ماكرون إعلان حالة حرب على الجزائر، دولةً وشعباً؛ إنه رئيس جاهل بالتاريخ، مغرور، يهين الرئيس الجزائري، ويدخل في مواجهة غير مسبوقة مع كل النظام السياسي، ويتعامل مع الجزائر كأنها دولة لا تملك سيادة»، مشيراً إلى أن «مصداقية الحكام الجزائريين أمام المحك، وشرف كل الجزائريين في مهب الريح، إن لم يكن هناك موقف في مستوى هذه الإهانة».
ووصفت «جبهة المستقبل»، الموالية للسلطة، انتقادات ماكرون للسلطات بأنها «مراهقة سياسية حقيقية، واعتداء مع سبق الإصرار والترصد على دولة كاملة السيادة... أما الحديث عن تاريخنا كأمة واحدة موحدة، فيعد حقداً دفيناً يعكس استياء المستعمر مما عجز عن تحقيقه طيلة قرن وأزيد، بعد محاولات فاشلة لطمس الهوية والوحدة الوطنية».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.