«عدسة الفن الإسلامي» إطلالة على جماليات المساجد العربية

معرض مصري يضم أعمال 58 فناناً

الحياة اليومية في قلب القاهرة التاريخية للفنانة ناهد إسماعيل - عملات تاريخية للفنان أحمد رشدي
الحياة اليومية في قلب القاهرة التاريخية للفنانة ناهد إسماعيل - عملات تاريخية للفنان أحمد رشدي
TT

«عدسة الفن الإسلامي» إطلالة على جماليات المساجد العربية

الحياة اليومية في قلب القاهرة التاريخية للفنانة ناهد إسماعيل - عملات تاريخية للفنان أحمد رشدي
الحياة اليومية في قلب القاهرة التاريخية للفنانة ناهد إسماعيل - عملات تاريخية للفنان أحمد رشدي

رحلة فنية بلا أسقف إبداعية، يمتزج فيها التاريخ مع الجغرافيا والحياة اليومية للبشر، تلاحق جماليات العمارة والفنون الإسلامية في مصر ودول عدة بالعالم لإعادة اكتشاف مكوناتها الفنية والزخرفية التي ما زالت تشكل مصدر إلهام للكثير من الفنانين.
هذه الحالة الاستثنائية يرسم أبعادها معرض «عدسة الفن الإسلامي» الذي يستضيفه متحف الفن الإسلامي بالقاهرة حالياً، ويشارك فيه 58 فناناً من 8 دول عربية، منها مصر والجزائر والعراق والمملكة العربية السعودية وتركيا وعمان والإمارات العربية المتحدة، ويضم 68 عملاً هي حصيلة مسابقة تحمل الاسم نفسه نظمها متحف الفن الإسلامي ونادي عدسة لفنون الفوتوغرافيا للعام الحادي عشر على التوالي.
وتزامنت الدورة الحالية مع إطلاق المشروع السنوي لنادي «عدسة» تحت اسم «كارت - بوستال» بالتعاون مع مركز الحرية للإبداع الفني بالإسكندرية التابع لصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية لإعادة إحياء طباعة الأعمال الفوتوغرافية لتقديم صورة سياحية عن المعالم الأثرية الشهيرة، وتهدف المسابقة إلى تشجيع مصوري الفوتوغرافيا على رصد روائع وجماليات الفن الإسلامي في مصر والعالم.
وتنوعت الأعمال المشاركة بالمعرض لتقدم جولة فنية ثرية تغطي محاور المسابقة الثلاثة، وهي محور العمارة الإسلامية، والذي تضمن تصويراً خارجياً وداخلياً لمعالم العمارة الإسلامية القديمة والحديثة، والتركيز على إظهار جماليات المنظور الإسلامي بتفاصيله وتكويناته الفنية، ومحور المقتنيات الأثرية والتراثية، وركز على تصويرها بطريقة طبيعية من داخل المتاحف المصرية والعالمية، فيما أبرز محور المظاهر الرمضانية والحياة اليومية، تفاصيل وأجواء الاحتفال بشهر رمضان بعدد من الدول الإسلامية، وربطه بمحيط المناطق التراثية.
ومن بين الأعمال المشاركة في المعرض، صورة للفنان فادي قدسي لسقف مسجد الرفاعي الشهير، حيث أبرزت تكويناته الفنية وزخارفه الثرية برؤية مختلفة، وعمل للفنان أحمد رشدي لباب أثري من مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ركز فيه على زخارف المقبض ونقوشه ليحوله إلى لوحة إبداعية مستقلة بذاتها، بينما استخدمت الفنانة نهى ريان هاتفها المحمول لرسم لوحة تشكيلة مبهرة لصحن وسقف مسجد المرسي أبو العباس الشهير بمدينة الإسكندرية، وصورة للفنان هشام رجب، اقتنصت تفاصيل الحياة اليومية في محيط باب زويلة، أحد أبواب القاهرة التاريخية، حيث يتداخل عبق التراث مع مآذن المساجد الشهيرة وحركة البشر والباعة الجائلين وبضائعهم. ومن بين أشهر معالم الفن الإسلامي العالمية التي تناولها المعرض صورة لمسجد الشيخ زايد بمدينة أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، وقصر تاج محل الشهير بالهند.
«معظم الأعمال استمدت تميزها وتفردها من الغوص في التفاصيل، فالمسجد ليس حالة فنية واحدة، لكن كل تفصيلة فيه سواء المئذنة أو الزخارف ومقابض الأبواب، كل منها شكل حالة فنية مستقلة بذاتها»، وفقاً للدكتور علاء الباشا، مدير نادي عدسة لفنون الفوتوغرافيا، وعضو لجنة تحكيم المسابقة، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن: «كل عمل في المعرض متفرد بذاته، ويقدم رؤية فنية مغايرة تغوص في التفاصيل والتكوينات الجمالية، غير أن التنوع الواضح عبر اجتماع فن العمارة وزخارفها مع مقتنيات المتاحف وحركة الحياة اليومية للبشر، أضفى المزيد من التفرد، ليرسم مسارات جمالية لرحلة فنية ممتعة وشيقة بين عوالم الفن الإسلامي الثرية».
ومن بين عناصر الإبهار التي استخدمها العديد من الفنانين، توظيف الضوء والظل في المحيط الداخلي للبنايات الأثرية والمساجد، واقتناص وجود العنصر البشري بما يضفيه من دفء وعاطفة على المشهد، وهو ما برز في لوحة للفنانة سارة شومان، وتبرز فيها شباك داخل متحف الفن الإسلامي، يقف في إطاره شخص يتطلع إلى المقتنيات بالصدفة، فربطت الأثر بالبشر في خليط عكس عبق الأجواء التراثية.
وأبرزت الجولة الفنية بين المساجد التاريخية في مصر أبعاداً جديدة لتطور فنون العمارة الإسلامية وطرزها المتعددة، وتفرد زخارفها ومكوناتها الفنية ما بين الجامع الأزهر ومسجد أحمد بن طولون والمرسي أبو العباس وغيره من مساجد مصر الشهيرة. ويقول الفنان أحمد سامي قاسم، عضو لجنة تحكيم المسابقة لـ«الشرق الأوسط» إن: «المعرض يعيد اكتشاف الكثير من المكونات الجمالية والفنية لفنون العمارة الإسلامية عبر عصور مختلفة، ويؤكد على تطور دور الفوتوغرافيا في إبراز جماليات المعالم والبنايات الأثرية وتميز زخارفها وكافة الفنون المرتبطة بها، من الخط العربي إلى المشغولات اليدوية التراثية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».