من التاريخ: من تركة الحضارة الإسلامية: ابن خلدون

من التاريخ: من تركة الحضارة الإسلامية: ابن خلدون
TT

من التاريخ: من تركة الحضارة الإسلامية: ابن خلدون

من التاريخ: من تركة الحضارة الإسلامية: ابن خلدون

كثيرا ما تنتابنا حالة من الحزن عندما نشعر بتجاهل حركة الفكر الدولية للتاريخ والفكر والحضارة الإسلامية، بعضها يكون من خلال التناسي وأغلبها لأهداف سياسية خاصة في عصر مليء برؤية مغالطة للإسلام والمسلمين، وإذا كانت هذه مشكلة سياسية/ اجتماعية باتت منتشرة خاصة في دول الغرب، فإن العودة لإسهامات المفكرين والفلاسفة من المسلمين في صرح الحضارة الإنسانية تكون واجبة للتذكرة وليعرف من جهل أن هذه الأمة لها جذورها الفكرية والثقافية والتي لا يجب أن تُنسى، فإذا ما كانت بعض الأمم تسعى جاهدةً لجذب الحضارة الإنسانية إليها وربط جذور الحاضر بالفكر السابق لمفكريها وفلاسفتها، فإن كثيرا من أسس هذه الأفكار لها جذورها بل لبنتها الأولى لدى فكر الحضارة الإسلامية، وابن خلدون من أهم هذه الأمثلة، فهذا المفكر والعالم قد وضع في كتابه الوحيد المعروف «بالمقدمة» أسسا لبعض العلوم الحديثة وهي علوم التاريخ والاجتماع وأجازف بالقول إنه وضع أيضا لبنات أساسية في علوم السياسة كما نعرفها اليوم.
لقد ولد ابن خلدون في عام 732 هجريا في تونس لأسرة نزحت من الأندلس بسبب الظروف السياسية المضطربة فيها، وقد نشأ الشاب على العلم وتحصيله والفكر وتأمله، والسياسة وممارستها، فاستقرت به حياته في عدد من المدن في شمال أفريقيا وشغل الكثير من المناصب السياسية والقضائية إلى أن وصل إلى مصر حيث درس في أزهرها الشريف المذهب المالكي، ومات في أرض الكنانة عام 808 هجريا، ولكنه ترك لنا كتابه الوحيد والذي كتبه في أشهر قليلة ونقحه في سنوات كثيرة. وحقيقة الأمر أن ابن خلدون لم يكن المثال الجيد للسياسي حيث كانت ولاءاته تتبدل كثيرا، ولكن علمه الذي وضعه كان بكل تأكيد أهم تركة له ومن أهم ومضات الفكر التي صدرتها الحضارة العربية للعالم كله وأوروبا خاصة.
لقد كان ابن خلدون مهتما بعلم التاريخ فدرس تاريخ العرب والفرس والمغول والتتار وغيرهم، حتى أنه يقال إنه التقى بالقائد التتاري «تيمورلنك»، حيث اهتم بمعرفة حركة التاريخ والمؤثرات الفكرية والاجتماعية والسياسية عليه في محاولة منه لفك شفرة حركة التاريخ ووضع ناموسا لأنماطه المختلفة، وقد خرج ابن خلدون بنظرية موحدة لحركة التاريخ مبنية على أسس علمية تجريبية على أساس السلوك الاجتماعي للقبائل والأمم، فخلص إلى أن المجتمعات شأنها شأن الإنسان، تولد وتنمو وتزدهر ثم تصيبها عوامل الاضمحلال مع مرور الوقت فتضعف وتزول، والمقصود هنا بالزوال هو زوال الطبقة أو القبيلة أو النخبة الحاكمة وفقدانها السلطة لصالح آخرين وليس بالضرورة الدولة كوحدة سياسية، وقد رأى ابن خلدون أن أحد الأسباب الأساسية وراء هذه الجدلية التي شابت النظم السياسية والدول هو ضعف العزيمة السياسية بتتابع الأجيال عن القبض على مصادر السلطة، فبعد أن تتمكن النخبة أو القبيلة الحاكمة من الاستيلاء على الحكم فإنها تدخل مرحلة تجميع القوة والاحتفاظ بها، إلى أن تبدأ عوامل الضعف من خلال الارتكان للحياة الرغدة والبعد عن تجميع مصادر القوة، وهو ما يجعل القيادة السياسية تضغط على المجتمع ومصادر ثرائه فتتأثر فتبدأ حركة الاضمحلال الطبيعي إلى أن يتم استبدال النخبة أو الطبقة أو القبيلة الحاكمة لصالح آخرين أكثر حماسا وحرمانا.
وتجدر الإشارة هنا إلى منهجية ابن خلدون، فلقد وضع بشكل مبسط ما يمكن أن نسميه بالجدلية الاجتماعية، والتي طورها فيما بعد الفيلسوف الألماني الشهير «هيغل» بشكل مادي للغاية والذي أصبح فيما بعد أساسا لكثير من المدارس الفكرية وعلى رأسها فكر كارل ماركس وغيره، فالمفكران هنا استخدما حركة التطور للتعرف على أدوات التحول التدريجي سواء في المادة أو المجتمع على حد سواء، وعلى الرغم من ارتكان ابن خلدون إلى المنهج العلمي بشكل كبير في تحليلاته والذي يعتمد على النهج التجريبي المعتمد على المعرفة من خلال الحواس واللجوء للاستنباط، فإنه لم ينكر في أي وقت أن المعرفة تأتي أيضا من خلال عوامل خارجية مختلفة، وعلى رأسها الأديان والرسائل السماوية والتي يكون لها دورها الهام والمحوري في تشكيل الأخلاقيات العامة للأمم والشعوب.
لقد رسخ ابن خلدون فكرة أن المجتمع كائن حي له حركته وديناميكياته سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، ونظرا لأنه درس بشكل معمق حركة القبائل في العالم الإسلامي والمغولي فخلص إلى أن القبيلة بمكونها الاجتماعي هي أفضل التكوينات الاجتماعية السياسية، معللا ذلك بأنها تعيش في شظف ومن ثم تكون مجتمعات الندرة، بينما تميل المجتمعات المستقرة زراعيا (Sedentary) في أغلب الوقت إلى حياة الوفرة والرغد، بالتالي تفقد الأخيرة الرغبة أو القدرة على البقاء، وقد استخدم هذا المفكر مثال الدولة الإسلامية الوليدة كأساس لهذا الفكر، حيث رأى أن الندرة دفعت هذه القبائل للتكاتف والقوة لتسعى للخروج من معطيات الندرة إلى الوفرة من خلال التوسع، وقد أرجع قوة الدفع وراء النجاحات التي حققتها القبائل مقارنة بالمجتمعات الزراعية المستقرة إلى ما سماه بالعصبية القبلية والتي تخلق روح التماسك والتكاتف وتدفع نحو التوسع والقوة. ولكن إبداعات هذا المفكر الفذ لم تقف عند هذا الحد، حيث إنه يمكن أيضا أن ينسب له وضع بعض أسس الجغرافيا السياسية كما تُدرس اليوم، خاصة ما يتعلق منها بأثر البيئة والجغرافيا على المجتمعات وسياساتها المختلفة، فقسم هذه العوامل ولو بشكل بدائي إلى ثلاثة هي عوامل المناخ والتربة والإقليم، ورأى في هذه العوامل تأثيرا مباشرا على السلوك السياسي بل والأخلاقي وديناميكية الفرد والمجتمع ككل، ولكن المدقق في أعمال ابن خلدون لن يخفى عليه رؤيته الثاقبة فيما يتعلق بعلم السياسة، فالرجل وضع اللبنة الأولى لفكرة القوة في المجتمعات السياسية، ورأى في الصراعات على السلطة وأنواعها وسائل اجتماعية وسياسية واقتصادية طبيعية، ولم يسع لتبريرها بقدر ما وصف السلوك السياسي القابض على القوة والرغبة في الاستحواذ عليها على أنه طبيعي، وهو بذلك قد وضع اللبنة الحقيقية الأولى للمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية (Realist School) والتي تأسست بعد موته بما يقرب من ثمانية قرون من الزمان، وعلى الرغم من أنه لم يقدم في واقع الأمر دراسة متكاملة حول هذا التوجه، إلا أنه وضع يده على الباعث الحقيقي للحركة السياسية داخل المجتمعات وخارجها وهي المصلحة السياسية، سابقا بذلك مفكرين كبارا من «ميكيافيلي» إلى «هانس مورجنتاو»، في تحليل عميق للغاية، كما أنه قدم نظرية بدائية حول مفهوم توارث الدول والمجتمعات، وهذه الخطوة في حد ذاتها إنجاز هام للغاية.
حقيقة الأمر أن ابن خلدون يعد مثالا عظيما لتراث إسلامي/ عربي هام للغاية ارتكنت عليه الأمم الأخرى في وضع أسس انطلاقها نحو الحداثة والعلوم الإنسانية، فأفكاره بلا شك تمثل أسسا واضحة المعالم لعدد من العلوم وعلى رأسها علم الاجتماع والذي ظل لقيطا إلى أن جاء المفكران «أوجست كونت» و«إميل دوركايم» ووضعا الأطر الفكرية والنظرية والابيستمولوجية لعلم الاجتماع، ولعل في أفكار ابن خلدون ما يمكن أن يوفر لنا تبريرا لكثير من الأمور التي تدور اليوم في الفلك السياسي، فالأفكار قد تكون قديمة ولكن الإنسان وسلوكياته ومجتمعاته تظل على ما هي عليه بما يعطي زخما لهذه الأفكار مهما مرت عليها السنون.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.