مشاكل الحياة على شاشة جوائز {لوكارنو}

يوميات المهرجان في دورته الـ74

«الانتقام لي…» الفائز الأكبر
«الانتقام لي…» الفائز الأكبر
TT

مشاكل الحياة على شاشة جوائز {لوكارنو}

«الانتقام لي…» الفائز الأكبر
«الانتقام لي…» الفائز الأكبر

للمرة الأولى في تاريخ هذا المهرجان العريق (الدورة 74) فاز فيلم إندونيسي بالجائزة الذهبية الأولى. الفيلم هو «الانتقام لي، الباقون يدفعون نقداً» للمخرج المكتفي باسم إدوين، الذي سبق له وأن جال بضع مهرجانات بأفلام قليلة سابقة، لكنه لم يحز على جائزة أولى من أي مهرجان عالمي حتى مساء يوم الرابع عشر مع انتهاء أعمال مهرجان لوكارنو.
‫السينما الإندونيسية من تلك التي تعتمد كثيراً على التوليفات الجماهيرية كشأن الباكستانية والهندية، لكن فيها جنوداً مجهولين من أمثال إدوين الذي يميل عادة إلى الأعمال الدرامية كما حال أفلامه «Aruna & Her Palate وPossesive» (حققهما ما بين 2017 و2019).
الفيلم الجديد هو من المنوال ذاته إنما مع خيط أحداث تتضمن رمزيات وإسقاطات على الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن من دون أن يدلف المخرج في صلب هذا الطرح.

جوائز أولى
حضر إدوين المهرجان لبضعة أيام، وعاد إلى جاكارتا، وفوجئ بعد ذلك بأن الجائزة الأولى ذهبت لفيلمه (تسلمها عنه منتج الفيلم محمد زيدي الذي كشف عن أن إدوين دخل الحجر الصحي حال عودته إلى بلاده).
هذا لم يمنع المخرج من إرسال كلمة مصورة أعرب فيها، بالطبع، عن جزيل شكره. لكنه أضاف: «آمل أن تضيف السينما الآسيوية المزيد من الألوان والمذاقات. والأهم هو أن تستطيع دائماً تناول الحديث عن الظلم وعن كل شيء يقتل إنسانيتنا».
من الجوائز الأخرى، واحدة ذهبت للأميركي آبل فيرارا كأفضل مخرج عن فيلمه «أصفار ووحدان» (Zeros and Ones). وجائزة تحكيم خاصة توجهت بها صوب «لعبة جديدة قديمة» للصيني كيو جيونغجيونغ.
وخرجت الروسية أناستاسيا كرازوفسكايا بجائزة أفضل ممثل عن دورها في «جيردا» لمواطنتها نتاليا كودرياشوفا. بينما حطت جائزة أفضل ممثل بين يدي محمد ملالي وفاليرو إسكولار عن دوريهما في «رجال الأشغال الفريدة» (The Odd‪ - ‬Job Men) وهو للإسباني نيوس بالوس.
هذا كله في نطاق المسابقة العالمية، وهناك مسابقات عالمية أخرى لكن ضمن برامج موازية ولو أنها رئيسية أيضاً.
مثلاً جائزة العمل الأول نالتها البريطانية شارلوت كولبرت عن She Will. وجائزة «مخرجو اليوم» ذهبت إلى فيلم «أخوة» (Brotherhood) للإيطالي فرنسيسكو مونتاغنر، وهذا هو الفيلم التسجيلي الوحيد الذي خرج بجائزة أساسية في هذه الدورة.
لا يمكن إهمال جائزة تظاهرة «أسبوع النقاد» التي أودعت فيلم «فيلم الشرفة» (The Balcony Movie) للبولندي بافل لوزينسكي جائزتها الأولى.

حب بعد عداوة
بالعودة إلى الفيلم الفائز بالذهبية الأولى («الانتقام لي، الباقون يدفعون نقداً») فإن لمعية الفيلم تنتمي إلى موضوعه الذي يستخدم العجز الجنسي كرديف للعجز السياسي. أو بكلمات أوضح العجز الأولى هو عجز بطله أمام عجز السلطات، حسب الفيلم، تأمين العدالة وتوفير نظام غير ديكتاتوري النزعة. هو مأخوذ عن إحدى روايات إيكا كورنيوان، أحد أدباء الرواية الإندونيسية منذ عدة سنوات، الذي اشترك كذلك في كتابة السيناريو مع المخرج.
بطل الفيلم آجو (مارتينو ليو) رجل قوي البدن، رغم علته، ومدعاة لسخرية محيطه الاجتماعي، لولا أنه ينشد البرهنة على رجولته بالقيام بعمليات تطلب منه لضرب وتأديب آخرين. في مهمته الأخيرة يتعرف على إتيونغ (لاديا شريل) التي تعمل حارساً شخصياً لمن طُلب من آجو تأديبه.
ما سبق يؤدي إلى نزالات ومعارك بين الاثنين يبدي كل منهما قدره من العزيمة والقوة، لكن ما من حب إلا من بعد عداوة (أو هكذا يقولون وهو ما يتبناه الفيلم) إذ يقعان في الحب. وهي لا تزال تحبه عندما يغويها منافس له اسمه بودي (رضا راهاديان) فتنجب منه. هذا يدمر ثقة آجو بالكامل فيترك البلدة ويعاقر الشرب والضرب معاً.
الحس الميلودرامي من حيث تنويع الدراما تودداً لمشاعر القبول وعدمه لدى الجمهور، موجود طوال الوقت في هذا الفيلم. هو تيمة جماهيرية محبوبة ومتداولة في تلك المنطقة الآسيوية وعلى نطاق سائد. ما هو مختلف هو المعاني التي يرمز إليها، والتي لا تحتاج لكثير من الجهد للإشارة إليها.
حين يأتي الأمر لتفسير سبب عجز آجو الجنسي ينزلق الفيلم إلى سبب غير سهل القبول به: كان شاباً يافعاً عندما أجبره شرطيان على المشاركة في اغتصاب فتاة. لست محللاً نفسياً لكن هذا التفسير (الآتي عبر مشهد فلاش باك) أضعف من أن يُقنع. كذلك قبول الفتاة بالزواج منه، من ثم قبولها بخيانته مع واحد يكن له الشر.

العالم حسب فيرارا
على عكس إدوين، خاض الأميركي آبل فيرارا، تجارب مهرجانات أوسع ومنذ سنوات بعيدة. آخر ما شاهدناه له كان «سايبيريا» على شاشة مهرجان برلين سنة 2019، ذلك الفيلم كان تلاطماً من الأفكار المتداخلة في حكاية تنتقل مكاناً وزماناً على نحو لا يخلو من الفوضى.
هذا يقع في فيلمه الجديد «أصفار ووحدان»، لكنه لا يؤذي كثيراً كما فعل الفيلم السابق على أساس أن الفيلم يريد أن يعكس حالة اضطراب قصوى يعيشها العالم وسط هذا الوضع الوبائي الذي يمر به.
صوره في روما (حيث يعيش الآن) ومعظم مشاهده معتمة لا من حيث إنها تقع ليلاً فقط، بل كذلك من حيث نزعة المخرج لتعتيم كل شيء ربما كنوع من إسدال ستارة على ماضٍ كان زاهياً بالمقارنة مع الحاضر.
بطله هو إيثان هوك، وهو ممثل برهن على موهبته في معظم أفلامه، وهو يؤدي هنا دورين متواجهين: رجل فوضوي يؤمن بالتغيير المطلق وعسكري ملتزم. هما توأم واحد بوجهة نظر مختلفة ومتضادة في الواقع.
هذا ليس عبثاً، لأن أحدهما يبحث عن الآخر المعتقل خارج المدينة. والوضع الذي يبنيه المخرج أن المدينة، وتبعاً لوباء لم يعد بالإمكان قهره، سقطت تحت أيدي العسكر بينما يقبع خارجها روس وصينيون خارجون على القانون ويساهمون في نشر الوباء ما يشكل، طبعاً، دلالة سياسية واضحة. للفيلم كذلك وجهة نظره المتحفظة حيال المهاجرين عموماً. ولدى المخرج مشهد لجموع المصلين المسلمين، ولو أن المشهد لا يقدم أو يؤخر في أي حدث، وبالتالي ظهوره أو عدم ظهوره لا يساعد الفيلم إلا من حيث توسيع رقعة الملاحظات التي يرد بعضها (كحال هذا المشهد) بلا دلالات حاسمة. كذلك يتداول الفيلم نغمة انتشار الفساد في المجتمعات «البيضاء».
أعجب ما في الموضوع هو طلب المخرج من إيثان هوك تقديم الفيلم واختتامه عبر التوجه للكاميرا مباشرة مرتين.
في المرة الأولى خطاب قصير حول إعجاب الممثل بالمخرج (!) وفي المرة الثانية يصارحنا الممثل بأنه لم يفهم السيناريو الذي عرضه عليه المخرج طالباً القبول بالدور. المرة الأولى في هذا المونولوغ تفسد بعض ميزة الاكتشاف. الأخيرة تنسف ما تبقى من القبول بالعمل.
تبعاً لذلك، يكتنف الغموض قرار لجنة التحكيم بمنح جائزة الإخراج لهذا الفيلم. لكن ما قد يبره هو ما انفراد المخرج بأسلوب يعرض فيه الكثير بطريقته النطناطة.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».