رأى وزير المالية التونسي السابق سليم بسباس في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «البلاد يمكن أن تستفيد سياسيا واقتصاديا من القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد»، معتبراً أنها يمكن أن تمهد لـ«مراجعات وإصلاحات اقتصادية وسياسية وإدارية تمهد لعشرية جديدة من النمو بعد أن تراكمت الأزمات في كل القطاعات في الأعوام الماضية».
ودعا بسباس إلى «وضع حد للتنافر والتجاذبات بين البنك المركزي والحكومة والبرلمان وقصر الرئاسة»، وإلى تغيير القانون الانتخابي وبعض فصول الدستور والاستفادة من اقتراحات عديدة سبق أن قدمها الرئيس سعيد «منذ مرحلة ما قبل وصوله إلى الحكم».
وفيما يلي نص الحوار:
> كيف ينظر الخبير الاقتصادي والقانوني ووزير المالية السابق للأزمة الجديدة التي تمر بها تونس والتي توشك أن تستفحل بحكم مضاعفاتها المالية والاقتصادية ومخاطرها الامنية؟
- أنا متفائل على المدى المتوسط والبعيد بمستقبل بلادي... ويمكن أن أكون متفائلا أيضا على المدى القريب. أعتقد أن تونس، لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، ستتوصل حتما إلى حل لأزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أقرب وقت. تحتاج البلاد إلى «دورة جديدة» (أي إلى عشر سنوات جديدة) لاستعادة الأمل وإعادة البناء. والمتأمل في تاريخ تونس يكتشف أنه تعاقب دورات وأجيال وسياسات.. تقريبا في كل عشرية دورة جديدة. وفي آخر كل عشرية تنسد الآفاق ويسود اليأس ثم تبدأ دورة جديدة من العمل وزرع الأمل. الأهم اليوم أن النخبة يجب ألا تكون جزءاً من الإحباط، لأن كل الشعوب تتأثر بدور النخب، وعندما تسقط النخب تنهار الشعوب.
> ما العمل على المدى القصير؟
- هناك فعلا نقاط استفهام ليس لديها أجوبة واضحة في الخطاب السياسي الرسمي الجديد الذي لا يرتقي إلى مستوى خريطة طريق مطمئنة. حالياً نسمع كلاماً عاماً مثل محاربة الفساد. لكن الحرب على الفساد قد تكون نتائجها عكسية إذا لم تكن بطريقة منهجية وقد تكون خسائرها بالنسبة إلى الدولة والمجموعة الوطنية أكثر من الأرباح. من بين عناصر الفشل في تونس منذ مطلع 2011 تسجل أخطاء فادحة وفشل ذريع في ملف «تصفية الماضي» و«محاسبة الفاسدين». المحصلة هو أننا بعد 11 عاما من الثورة ما زلنا نتحدث عن ملفات ضحايا الاستبداد وشهداء الثورة وتعثر العدالة الانتقالية والمصالحة. كلما وقع تمديد النقاش يقع تمييعه، إلى أن أصبحت هيئة الحقيقة والكرامة محور تجاذبات وخلافات. ثم أصبحت مؤسسات عديدة جزءاً من المشكل عوض أن تكون جزءاً من الحل، فكانت النتيجة عكسية. لم تسوَّ وضعية المظلومين ولا تم استيفاء محاسبة ملفات الظالمين أو المتهمين. لذلك، فإن التصرف في تصفية ملفات الماضي يجب ألا يتسبب في إعادة الأخطاء نفسها، وأن نتفادى النزول إلى مستوى الدغدغة العاطفية غير المدروسة. بل المطلوب اتخاذ قرارات شجاعة لبناء المستقبل. وعندما ينجح السياسيون في تصريف هذا الملف بالشجاعة والسرعة المطلوبة بعيدا عن التجاذب والحملات الانتخابية، تصبح الأولوية هي البناء وليس الجدل العقيم حول الماضي.
> وماذا عن الأزمة في أبعادها الاقتصادية والمالية والاجتماعية؟
- الثورة جاءت من رحم المنوال الاقتصادي القديم الذي فشل واستنفد أغراضه وتسبب في تفاوت كبير بين الجهات والفئات.
كان من المفروض بعد الثورة أن تعطى الملفات الاقتصادية والاجتماعية أولوية. على مستوى التشغيل والحلول كانت البرامج الانتخابية والحكومية واضحة. وبرز توافق على برامج وحلول بهدف خلق الثروة وتشغيل الشباب.
وصدرت في الأعوام الماضية وثائق مرجعية مهمة من بينها «وثيقة التوجهات الاستراتيجية» التي شارك في صياغتها منذ سبتمبر 2015 خبراء وسياسيون من أحزاب النهضة والنداء وآفاق تونس والوطني الحر. ومهدت تلك الوثيقة للمخطط 2016 - 2020. وكان مطلوبا تجسيم تلك الرؤية في برامج حكومية اقتصادية والجتماعية ما أدى إلى تنظيم حواري قرطاج 1 و2. ونجحت وثيقة قرطاج 2 بعد نقاش معمق وشامل في تحقيق توافق حول 63 إجراء. ثم تعطلت الأمور بسبب الأزمة السياسية. الخلاف حول النقطة 64 التي تتعلق بالخلاف حول الفريق الحكومي ورئيسه الذي سيشرف على إنجاز ذلك البرنامج. وتداعيات ذلك على مستوى تفكك منظومة التوافق وبروز انقسام حاد داخل حزب نداء تونس.
لكن الخلاف كان في جوهره ولا يزال بين تيارين: قسم مع الاستقرار الحكومي وقسم مع التغيير. وكان يفترض أن يقع الاتفاق على ألا تكون الحكومة معنية بالانتخابات. ما جرى هو العكس ونحن الآن نعاني تداعياته، إذ أصبحت حكومة الشاهد منخرطة في أغراض انتخابية، فأصبح الفريق الحكومي جزءا من المشكل.
> وماذا عن مرحلة ما بعد انتخابات 2019 التي أفرزت المشهد السياسي الحالي؟
- للآسف عمقت انتخابات 2019 الخلافات والأزمات بما فسر تعاقب أزمات عدم الاستقرار الحكومي وتعطيل فرصة بروز سياسات مندمجة. المخطط الاقتصادي الخماسي انتهى في 2020، ولم تقع صياغة مخطط خماسي جديد - استحالة لوضع السياسات الاقتصادية - أعتقد أن الحلول موجودة وواضحة والمشكل هو التنزيل والتنفيذ، وهو ما يستوجب فريقا حكوميا كفؤاً ومستقراً، علماً أن الأزمة الحالية تعد امتدادا لأزمة هيكلية ولتراكم أزمات الأعوام الماضية.
اليوم يمكن أن نتفاءل، ويمكن أن يسفر الحوار السياسي والاجتماعي والاقتصادي حول إصلاحات سياسية واقتصادية وتوافقات حول بعض التعديلات للدستور. لنعود إلى منظومة أكثر توازنا تعيد الاستقرار.
نحن نعيش اليوم أكثر من أي وقت مضى مشاكل معقدة ومركبة. فالأزمات يغذي بعضها بعضاً. والأزمة الاقتصادية تغذي المالية والمديونية والتي تهدد بدورها السيادة الوطنية.
> وماهو الحل على المدى القصير؟
- الحل يبدأ بإرساء إصلاح سياسي للمنظومة القائمة وذلك عبر التوافق على القيام بتعديل جزئي للدستور وللقانون الانتخابي. وأعتقد أنه إذا استثنينا «الفصول الجامدة» كل الفصول قابلة للتعديل والإصلاح. الأولوية اليوم وفي أجل عاجل هو إصلاح النظام الانتخابي. لتحسين المشهد البرلماني، يمكن أن يعتمد المزج بين نظام «التصويت لفائدة الأفراد» على مستوى وطني ونظام «التصويت على القائمات» على مستوى الدوائر الانتخابية، أي المزج بين الأغلبية والنسبية، ليكون البرلمان أكثر توازناً وأكثر جدوى. وبذلك، يقع التوفيق بين مقترحات الرئيس قيس سعيد والنظام الانتخابي المعمول به منذ 2011.
أما فيما يخص النظام السياسي، فأعتقد أن تونس يمكن أن تستلهم من مثال نظام الجمهورية الخامسة الفرنسية الذي يكرس المواءمة بين مزايا النظامين الرئاسي والبرلماني أي أن يكون رئيس الحكومة مسؤولا أمام البرلمان ورئيس الجمهورية في الوقت نفسه. وأن تكون السلطة التنفيذية برأسين تحت قيادة رئيس الجمهورية ورقابة المجلس النيابي. وتعديل الدستور في هذه النقطة ممكن مع أخذ خصوصيات كل بلد وبينها تونس في الاعتبار.
> عمليا ما هو المطلوب اليوم؟
- أولوية الأولويات اليوم هي تشكيل حكومة قوية في أقرب وقت ممكن حتي نتفادى الفراغ في هذه الفترة المفصلية من السنة. حكومة تكلف بالإنقاذ وليس لديها طموحات انتخابية، محدودة في الزمن للتعجيل بالإصلاحات. كلفة كل يوم فراغ حكومة كبيرة اقتصاديا. حكومة يمكن أن يدعهما رئيس الجمهورية وأن ترسم هدفا عاما أو اثنين، في انتظار استكمال الإصلاحات السياسية عبر آلية يقع الاتفاق عليها مثل الاستفتاء أو تفعيل إجراءات التعديل البرلمانية.
> وهل توجد «استراتيجية إنقاذ اقتصادي» أو «رؤية» للإصلاح الفوري؟
- بالنسبة للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي لدينا رصيد من البرامج الإصلاحية والدراسات والإجراءات والتي تنتظر من يقوم بتنزيلها وتحتاج إلى حد أدنى من الخبرة والكفاءة والتجربة وانسجام بين الفريق الحكومي وبين الحكومة والبنك المركزي.
الخلاف الذي لاحظناه في المدة الماضية بين البرلمان والبنك المركزي ووزارة المالية أربك الأوضاع. غابت «آلية التنسيق» بينها. كان هناك تنافر مما أثر على فرص العمل المشترك. الانسجام والتنسيق مطلوب أكثر في فترات الأزمة.
محافظ البنك المركزي طرف مهم في نسج وتنفيذ السياسة الاقتصادية والمالية وهو، طبقا للقانون الأساسي للبنك المركزي، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة. لذا، لا مناص من التعاون والتنسيق وأن يتوفر شرط الانسجام عمليا ووضع حد للتنافر بينهم وتقديم المصلحة العليا للبلاد والشعب. لا بد أن نتعظ من الأخطاء ونثبت للشعب أننا جميعا في مستوى التضحيات المطلوبة.
وزير المالية التونسي السابق لـ«الشرق الأوسط»: مبادرة قيس سعيد يمكن ان تفيد البلاد
مسليم بسباس أكد أهمية وقف التنافر بين البنك المركزي والحكومة والبرلمان
وزير المالية التونسي السابق لـ«الشرق الأوسط»: مبادرة قيس سعيد يمكن ان تفيد البلاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة