شركات كبرى تدعم تخضير قطاع البلاستيك

مستقبل صناعة التعبئة والتغليف

عامل في جزيرة باندا يصنع الأثاثات من قناني البلاستيك الفارغة (أ.ف.ب)
عامل في جزيرة باندا يصنع الأثاثات من قناني البلاستيك الفارغة (أ.ف.ب)
TT

شركات كبرى تدعم تخضير قطاع البلاستيك

عامل في جزيرة باندا يصنع الأثاثات من قناني البلاستيك الفارغة (أ.ف.ب)
عامل في جزيرة باندا يصنع الأثاثات من قناني البلاستيك الفارغة (أ.ف.ب)

نجح تحالف شركات كُبرى قبل أيام في إنتاج أولى العبوات المصنّعة بالكامل من مواد بلاستيكية معاد تدويرها إنزيمياً. وكانت شركة كاربيوس الفرنسية المتخصصة في الكيمياء الحيوية أقامت تحالفاً مع شركة لوريال في سنة 2017 لتطوير عملياتها البيولوجية المبتكرة من أجل إحداث ثورة في دورة حياة البلاستيك والمنسوجات، ثم انضمت إليهما في هذا المسعى مجموعة من الشركات العالمية مثل «نستله» و«بيبسيكو».
وتتيح العملية الإنزيمية تدوير بلاستيك البولي إيثيلين تيرفثالات (PET) الذي يُستخدم على نطاق واسع في تصنيع القوارير الشفافة المستعملة في تعبئة مياه الشرب والعصائر والمشروبات الغازية. وتتميز هذه العملية بقدرتها على إنتاج بلاستيك عالي الجودة بسرعة كبيرة، حيث يتم تحطيم 97 في المائة من البلاستيك المستهلك خلال 16 ساعة فقط، مما يجعلها أكثر كفاءة بنحو 10 آلاف مرة مقارنة بأي تجربة إعادة تدوير بيولوجية للبلاستيك حتى الآن.
وسيعمل تحالف الشركات على توسيع نطاق هذا الابتكار، للمساعدة في تلبية الطلب العالمي على حلول التعبئة والتغليف المستدامة، من خلال إنشاء مصنع رائد في سبتمبر (أيلول) 2021. قبل إطلاق منشأة صناعية لتدوير البلاستيك إنزيمياً باستطاعة 40 ألف طن بحلول سنة 2025.
ويشهد العالم سنوياً تصنيع نحو 70 مليون طن من بلاستيك البولي إيثيلين تيرفثالات، أي ما يمثّل 20 في المائة من إنتاج قطاع الصناعات البلاستيكية. ولكن مع تكرار العمليات الميكانيكية الحرارية في عمليات التدوير التقليدية، تتراجع نوعية البلاستيك بمرور الوقت، مما يستلزم استعمال حبيبات بلاستيكية خام للحفاظ على الجودة. وفي المقابل، نجحت شركة كاربيوس في تنشيط أنواع من الإنزيمات المتجمّعة في أكوام الأوراق النباتية المتحلّلة لتفكيك منتجات البولي إيثيلين تيرفثالات إلى بُناها الأساسية المتمثّلة بحمض التريفثاليك والإيثيلين غليكول. ويمكن استخدام هذه البُنى، أو ما تسمى بالمونومرات، لإعادة تكوين منتج بلاستيكي يصلح لتغليف وتعبئة المواد الغذائية، في حلقة لا نهائية من إعادة التدوير بجودة المواد الخام، ومع خفض في الانبعاثات الكربونية مقداره 30 في المائة بالمقارنة مع طرق المعالجة والتخلص التقليدية.
- معدلات تدوير البلاستيك متدنية
مع نهاية هذه السنة، من المتوقع أن تقارب كمية المنتجات البلاستيكية التي صنعها البشر على مر التاريخ 11 مليار طن، من بينها نحو 8 مليارات طن لم تعد مستخدمة، وأصبحت توصف على أنها نفايات بلاستيكية انتهى معظمها في المكبّات، وتسرّب جزء منها إلى الأوساط الطبيعية.
ونظراً لارتفاع تكلفة تدوير النفايات البلاستيكية بالتحديد، نجد أن معدّل التدوير العالمي يقارب نحو 9 في المائة فقط، في حين يتم حرق 12 في المائة من هذه النفايات، ويجري التخلّص من باقي الكمية في مكبّات النفايات أو على نحو عشوائي في الأماكن المفتوحة والأنهار والمحيطات.
ويشهد العالم خطوات متصاعدة لمواجهة الإفراط في استهلاك المواد البلاستيكية، حيث فرضت أكثر من 140 دولة حتى الآن إطاراً تنظيمياً يخصّ الأكياس البلاستيكية. ومن بين هذه الدول، حظرت 27 دولة استهلاك أو إنتاج نوع أو أكثر من المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وانضمت إليها قبل أيام دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت حظراً على بيع عدد من المنتجات، مثل أغطية القوارير البلاستيكية وأدوات المائدة والماصات والأطباق، بالإضافة إلى حاويات الطعام والمشروبات المصنوعة من الستايروفوم.
وتدفع هذه الخطوات الشركات لرصد استثمارات في الابتكارات نحو الحلول الدائرية، التي تقوم على إعادة التصنيع والاستخدام، لا سيما إذا ترافقت بتدابير مالية حازمة. وهذا يحصل في الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ منذ مطلع هذه السنة بفرض ضريبة مقدارها 800 يورو لكل طن من نفايات البلاستيك غير المعاد تدويرها. وعلى سبيل المثال، تتجه شركة «كوكاكولا» إلى تصنيع 50 في المائة من القوارير والعبوات البلاستيكية المعدّة للسوق الأوروبية من مواد معادة التصنيع.
وكانت «كوكاكولا» أطلقت في 2009 ما سمَّته «بلانت بوتل»، وهي عبارة عن قوارير بلاستيكية قابلة للتدوير، ويدخل قصب السكر ونباتات أخرى في تصنيع ثلثها، إلى جانب البلاستيك التقليدي المشتق من النفط. وتقول الشركة إن هذه العبوات المصنّعة من البلاستيك الحيوي تمثّل الآن نحو ثلث حجم القوارير في أميركا الشمالية وما نسبته 7 في المائة على مستوى العالم. وفيما توصف المواد البلاستيكية الحيوية على أنها حل مهم لمشكلة البلاستيك، فهي لا تزال قاصرة عن الإيفاء بجميع الآمال المعقودة عليها. ويُفترض بعبوات البلاستيك الحيوي أن تحتفظ بالميزات المثالية لعبوات البلاستيك التقليدي، كالقوة والخفّة وتعدد الاستخدام والشفافة وحفظ المحتوى بشكل جيد ومقاومة الحموض والضغط لفترات طويلة. ولكن حتى الآن لا يزال البلاستيك الحيوي قاصراً في تحقيق هذه الميزات، وفوق ذلك فإن تكلفته أعلى بكثير. وفيما تبلغ قيمة سوق البلاستيك العالمية 1.2 تريليون دولار، تصل حصة سوق البلاستيك الحيوي إلى 9 مليارات دولار فقط. يستغرق البلاستيك الحيوي سنوات عديدة ليتحلّل، ولأنه مصنوع من النباتات فإنه يترافق مع المشاكل البيئية التي تسببها الزراعة. وغالباً ما تأتي الهيدروكربونات المستخدمة في صناعة البلاستيك الحيوي من المحاصيل المعدّلة وراثياً، التي تُرشّ بمبيدات الأعشاب والآفات، وهذه المحاصيل تقتطع مساحات واسعة من الأراضي التي يُفترض استغلالها لإطعام الأعداد المتزايدة من السكان.
- حلول لمشكلة تزداد سوءاً
فعلياً، لا يكمن حل مشكلة النفايات البلاستيكية فقط في تطوير مواد تتحلّل بشكل أفضل أو يجري تدويرها على نحو أسهل، ولكن في التقليل من إدمان سكان الكوكب على استخدام البلاستيك وإيجاد بدائل أكثر صداقة مع البيئة. فرغم جهود الصناعة والحكومات والمنظمات غير الحكومية، لا تزال مشكلة البلاستيك تزداد سوءاً سنة بعد سنة.
وتشير دراسة، نشرتها دورية «ساينس» في منتصف سنة 2020. إلى أن نحو 11 مليون طن من البلاستيك تجد طريقها الآن إلى المحيطات كل سنة، بزيادة مقدارها 3 ملايين طن عن التقديرات السابقة. وقالت الدراسة إنه إذا استمر العالم في مساره الحالي غير العقلاني في استهلاك البلاستيك، ستتضاعف كمية النفايات البلاستيكية التي يتم إنتاجها ثلاث مرات بحلول 2040.
وخلُصت الدراسة إلى أن الحل الوحيد لهذه المشكلة الناشئة هو إجراء إصلاح شامل بقيمة 600 مليار دولار لنظام إدارة البلاستيك عالمياً، بهدف التركيز على إعادة الاستخدام وإدخاله ضمن نظام اقتصادي دائري. ومن بين العلاجات المقترحة في الدراسة التخلي عن استخدام العبوات البلاستيكية حيثما أمكن والاستعاضة عنها بالورق أو المواد القابلة للتحويل إلى سماد، وتصميم منتجات قابلة للتدوير بفعالية وسهولة، وزيادة معدلات التدوير الميكانيكي، وتكثيف جهود الجمع وإعادة التدوير في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل. وتمثّل إعادة تدوير القوارير البلاستيكية التقليدية تحدياً كبيراً لهذه البلدان، لأن أغلبها لا يملك فعلياً أنظمة لإعادة التدوير. ولذلك فإن نحو 95 في المائة من المخلّفات البلاستيكية التي تنقلها الأنهار إلى محيطات العالم تأتي من 10 أنهار تقع في آسيا وأفريقيا.
كما يجب وضع حد لتصدير نفايات البلاستيك بهدف إلزام الدول المنتجة بالبحث عن حلول لهذه المشكلة. ومع إعادة مسؤولية النفايات البلاستيكية إلى البلدان المنتجة، يجب أيضاً تحميل الشركات التي تستخدم العبوات البلاستيكية دوراً فاعلاً في تدويرها وإعادة استخدامها. ويقع هذا الإجراء في إطار مسؤولية المصنِّع، الممتدة من الإنتاج إلى استعادة المنتَج.
وتُعَدُّ مبادرة شركة سابك السعودية، المسماة «تروسيركل»، نموذجاً عالمياً عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات المصنِّعة للبوليمرات في تقديم منتجات وخدمات تدعم الاقتصاد الدائري. وتتيح هذه المبادرة للشركات المتعاملة مع الشركة السعودية الوصول إلى مواد أكثر استدامة تمنح المستهلك النهائي مزيداً من الثقة بشأن شراء المنتجات البلاستيكية.
وتشمل حلول «تروسيركل» الرائدة موادَّ وتقنياتٍ تعزز مفهوم الاقتصاد الدائري، بما في ذلك البوليمرات الدائرية المعتمدة الناتجة عن إعادة التدوير الكيميائي للنفايات البلاستيكية المختلطة، والبوليمرات الحيوية المتجددة المعتمدة، ومواد البولي كربونات الجديدة المصنعة من المواد الخام المتجددة المعتمدة، والبوليمرات المعاد تدويرها ميكانيكياً.ينظر كثيرون إلى البلاستيك على أنه «عدو للبيئة»، رغم الدور الإيجابي المؤثر الذي لعبه خلال أزمة «كورونا». لقد ساهم البلاستيك في تحقيق عدد من الإنجازات المثيرة للإعجاب، مثل الثورة الرقمية والسفر عبر الفضاء وتحسين نوعية الحياة للمرضى وحلول الإسكان المستدام وإنتاج الغذاء. لكن صناعة البلاستيك مضطرة الآن إلى البحث عن بدائل أكثر استدامة وصداقة للبيئة، مع الحفاظ على سهولة الاستعمال والتكلفة المتدنية.


مقالات ذات صلة

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)
الاقتصاد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية د. أسامة فقيها مع عدد من المتحدثين (الشرق الأوسط) play-circle 01:04

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: مساعٍ سعودية لزيادة التزامات الدول بمكافحة تدهور الأراضي

أكد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية الدكتور أسامة فقيها لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تسعى ليكون مؤتمر «كوب 16» نقطة تحول تاريخية بمسيرة «الاتفاقية».

زينب علي (الرياض)

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)
مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)
مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)

سجلت درجة حرارة الأرض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ثاني أعلى درجة حرارة في مثل هذا الشهر من أي عام، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، بحسب مركز كوبرنيكوس للتغير المناخي.

وإذا لم يحدث المستحيل فستكون درجة حرارة الأرض خلال العام الحالي ككل أعلى من 1.5 درجة مئوية، مقارنة بالمستوى القياسي للمناخ وذلك للمرة الأولى، وفق المركز.

وبلغ متوسط درجة حرارة سطح الأرض خلال الشهر الماضي 14.1 درجة وهو ما يزيد بمقدار 0.73 درجة عن المتوسط خلال الفترة من 1991 إلى 2020 علاوة على ذلك كانت درجة الحرارة خلال الشهر الماضي أعلى بمقدار 1.62 درجة عن متوسط درجة حرارة الأرض فيما قبل عصر الثورة الصناعية، بحسب مركز كوبرنيكوس للتغير المناخي التابع للاتحاد الأوروبي والمعني بمتابعة ظاهرة التغير المناخي.

وفي ضوء بيانات درجة حرارة الأرض على مدى أول 11 شهراً من العام الحالي، أصبح واضحاً أن العام سيسجل درجة حرارة قياسية وستتجاوز درجة حرارة الأرض المستوى الذي تعهدت دول العالم بعدم تجاوزه وفقاً لاتفاق باريس للمناخ عام 2015

وقالت سامنتا بورجيس نائب مدير المركز: «في ضوء بيانات كوبرنيكوس للشهر قبل الأخير من العام، يمكننا التأكيد الآن بشبه يقين أن 2024 سيكون العام الأعلى حرارة في التاريخ المسجل بارتفاع يزيد على 1.5 درجة لأول مرة. ولا يعني هذا انتهاك اتفاق باريس، لكن يعني أن القيام بالتحرك المناخي الأشد طموحاً أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى».