تقرير عربي يرصد زيادة تمكين المرأة والاهتمام بقضاياها سينمائياً

تنوع جهات الدعم في السعودية وحضور مميز للسيدات بالأفلام الفلسطينية

الأفلام الوثائقية تتصدى للاحتجاجات في لبنان
الأفلام الوثائقية تتصدى للاحتجاجات في لبنان
TT

تقرير عربي يرصد زيادة تمكين المرأة والاهتمام بقضاياها سينمائياً

الأفلام الوثائقية تتصدى للاحتجاجات في لبنان
الأفلام الوثائقية تتصدى للاحتجاجات في لبنان

رصد تقرير «صورة المرأة في السينما العربية» الصادر عن مهرجان أسوان السينمائي الدولي لأفلام المرأة، أخيراً، زيادة تمكين المرأة في مجال صناعة الأفلام، بجانب الاهتمام بقضاياها في السينما العربية.
التقرير الذي شارك في إعداده 13 ناقداً عربياً، تناول كل منهم في دراسته وضع المرأة فنياً في بلاده، مما يعد توثيقاً دقيقاً ليس فقط لصورة المرأة كما عكستها الأفلام، وإنما أيضاً لوضع السينما في البلدان العربية، ومدى الاهتمام والدّعم الذي تلقاه، في ظل الجائحة.
وفي دراستها، أكدت الناقدة السعودية داليا باعشن أن الاهتمام بصناعة السينما في المملكة يتخذ أشكالاً عدة لا تتوقف فقط عند حد الدعم، فقد نُظّم مؤتمر بعنوان «بناء السينما» في فبراير (شباط) الماضي، للتعريف بسوق السينما ونموه، وهو ثالث مؤتمر سينمائي من نوعه ينظمه كل من برنامج جودة الحياة والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، لمناقشة سوق السينما السعودية وإمكانياته، ورغم تداعيات وباء «كورونا» فإن دور السينما في السعودية ما تزال تجتذب عشاق الفن السابع، حيث يفضل الجمهور السعودي مشاهدة الأفلام التي تعبر عن ثقافته الخاصة، مشيرة إلى تعدد المؤسسات الحكومية الداعمة للسينما من بينها «إثراء» (المهرجان السعودي للأفلام)، ومهرجان البحر الأحمر، بالإضافة إلى وزارتي الثقافة والإعلام.
وأفادت باعشن أنّ هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة السعودية أطلقت برنامجاً جديداً للعام الحالي، يهدف إلى تقديم الدعم التعليمي وتعزيز المهارات المهنية عبر تقديم دورات لأساتذة بارزين من جامعة كاليفورنيا الجنوبية للفنون السينمائية ومعهد الفيلم البريطاني. كما أطلق مشروع «نيوم» أيضاً منحة دراسية لبرامج وشهادات ماجستير مختلفة في صناعة الأفلام. وأطلقت وزارة الثقافة «المنحة الثقافية» التي تشمل صناعة الأفلام، كما كان لقسم السينما في جامعة «عفت» قيمة كبيرة في دعم الجيل الجديد من صانعي الأفلام ورواة القصص.
وعن مشاركة المرأة السعودية كصانعة أفلام، تقول باعشن: «جاء في تقرير المجلس البريطاني أن ثلث العاملين في صناعة السينما بالمملكة من الإناث، وهذا معدل مشجع للغاية مقارنة بتوقيت عودة السينما للمملكة».
وأردنياً، أكدت الناقدة رانيا حداد أن الهيئة الملكية للأفلام واصلت دعمها الفني رغم الجائحة وقدمت 250 ألف دينار أردني (الدينار الأردني يعادل 1.4 دولار أميركي) دعماً لإنتاج أفلام طويلة وقصيرة، كما أُطلق مهرجان عمان للفيلم الأول العام الماضي ونُظم في سينما السيارات.
فيما أشار الناقد حسن علليش إلى أن السينما التونسية قدمت صورة مغايرة للمرأة عبر الأفلام، تجاوزت بها صورة الضحية لتنفتح على مختلف القضايا النسوية، بالتعمق في شخصيتها والبحث في عالمها الداخلي، وأن الأفلام التي أخرجتها النساء كانت أكثر نجاحاً في ذلك، خصوصاً أن «ثورة الياسمين» التونسية في عام 2010 بقيت وفيّة للخطاب النسوي.
ووفقاً للناقد الجزائري نبيل حاجي فإنّ السينما في بلاده تأثرت إيجابياً بالثورة والجائحة بعدما خُصّصت حقيبة وزارية للسينما، يرأسها الممثل يوسف بشير سحايري، كما أُسندت قيادة المركز الجزائري لتطوير السينما للسيدة نبيلة رزايق.
فيما رصد الناقد السوداني خالد علي، في دراسته أنّه رغم الصحوة التي حققتها السينما السودانية في 2019. عبر أفلام «ستموت في العشرين»، و«حديث عن الأشجار»، و«أوفسايد الخرطوم»، فإنّها أنتجت أفلاماً قصيرة فقط العام الماضي. وراهن خالد على دور قوي للنساء خلال العام الحالي في صناعة أفلام جديدة.
ورغم ظروف الحرب والجائحة فقد أنتجت المؤسسة العامة للسينما في سوريا، وفقاً للناقدة د. لمي طيارة، ستة أفلام طويلة بجانب تبنيها مشروع دعم سينما الشباب للأفلام القصيرة.
ويلفت الناقد العراقي مهدي عباس إلى أنّه رغم كل الظروف العصيبة التي تمر بها العراق، فقد أنتجت خلال عام الجائحة ستة أفلام طويلة، كما أُطلق أول ملتقى نسوي للسينما في بغداد.
وفي فلسطين تتمتع المرأة بحضور قوي في السينما، حسب الناقدة الفلسطينية علا الشيخ، التي تشير إلى أن فيلمي «200 متر» و«غزة مونامور»، كانا من أفضل أفلام العام الماضي، كما تستعد فلسطين كذلك لإطلاق «الدورة الأولى لمهرجان القدس للسينما العربية» خلال العام الحالي، برئاسة نيفين شاهين.
وعن وضع السينما في لبنان، فقد رصدت الناقدة اللبنانية نجوى قندقجي، أنّه رغم غياب الدعم التام عن الأفلام وتوقف المهرجانات، فإنّ المرأة كانت صانعة العدد الأبرز من الأفلام، وموضوع الصورة السينمائية خلال عام 2020. وكان هناك حضور قوي للأفلام القصيرة والوثائقية، التي تروي أزمات لبنان.
فيما أكدت الناقدة أمل ممدوح تراجع الإنتاج السينمائي المصري، خلال العام الماضي، ومع ذلك، فقد شهدت البلاد تقدماً لافتاً في الاهتمام بطرح قضايا المرأة، مشيرة إلى نجاح ثلاثة أفلام مصرية تتطرق إلى قضايا المرأة في حصد الجوائز من مهرجانات دولية مرموقة، على غرار «سعاد»، لآيتن أمين، و«16» لسامح علاء، و«عاش يا كابتن» لمي زايد.
وفي المغرب، أكد الناقد الدكتور عبد الرازق الزاهر استمرار المركز السينمائي المغربي في دعمه للأفلام بقيمة 75 مليون درهم، (الدولار الأميركي يعادل 8.9 درهم مغربي)، رغم توقف المهرجانات وإغلاق دور السينما، حيث أنتج 25 فيلماً روائياً طويلاً و15 فيلماً وثائقياً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».