عن دار الشروق بالقاهرة صدرت رواية جديدة للكاتبة مي التلمساني بعنوان «الكل يقول أحبك»، وهي الرابعة لها، بعد: «دنيا زاد» و«هليوبوليس» و«أكابيلا»، ومجموعتين قصصيتين هما «نحت متكرر» و«خيانات ذهنية» وكتاب يوميات بعنوان «للجنة سور».
تجسد الرواية مناخ عالم الهجرة وآثاره المتباينة اجتماعياً ونفسياً وثقافياً على حياة مجموعة من المصريين والعرب المقيمين في كندا. ويبرز الشتات كتيمة مركزية، تشكل إيقاع الحكايات عنهم، ويصل إلى ذروته الدرامية حين يترسب في الداخل والخارج معا، ويصبح بمثابة قانون للحياة ومرآة لها، كما تتعدد صوره في أماكن أخرى لها صله بالشخوص في الرواية، لنصبح إزاء شتات حروب وكوارث وواقع سياسي طارد وقامع، شتات أزمنة تدنو وتبتعد، تتكسر وتلتئم، بقوة المصادفة أحيانا، وأحيانا بمفارقات الذكريات والعواطف الساكنة واستيقاظها المباغت، وتمثلاتها في الداخل والخارج معا.
في هذه الدوائر القلقة المضطربة تتحرك مسارات الرواية، فتبدو الشخوص مشغولة دائما بلحظة ما، تشكل تقطيرا لجذرية الحياة والزمن، دونها لا شيء يكمل المعنى والصورة، ويجعل للذكريات والحنين معنى في الماضي والحاضر معا. لذلك يظل الصراع مشدودا في الرواية لمحاولة القبض على تلك اللحظة الهاربة، وكأنها طوق الخلاص من وجود مبتور وهش وناقص وشائك وملتبس، تعيشه الشخوص بحكم الضرورة، بل تستسلم له وتتكيف معه، كنوع من صيانة الذات.
تتسع دوائر القلق حين يصبح هذا الوجود مغلفا بحالة من اللهاث والخوف الخانق بعد تفشي فيرس كورونا، واصطدام الشخوص به ومحاولة الفرار منه، وتخطي الحواجز التي فرضها في تقييد السفر والحركة، وجعل التباعد والعزل الاجتماعي أحد أهم أشكال النجاة.
تحافظ التلمساني في روايتها على أسلوبها المتميز من أناقة المخيلة والفكرة، وتستفيد من دراستها الأكاديمية للسينما خاصةً في التعامل مع الزمن بمراياه المتجاورة والمتقاطعة، وتكثيف بؤرة الشتات وإضاءتها من عدة زوايا إنسانية تحفظ للذات الساردة (ذات الكاتبة) دور المراقب المحايد، القادر على تقمص الوجوه والملامح، فتبدو وكأنها تمارس نوعا من الإسقاط الذاتي على مصائرها وحركتها، وكأن مرايا الشخوص هي محض انعكاس لهذه الذات المتلصصة على نفسها، وعلى الآخرين في الوقت نفسه.
الشتات والذكريات في «الكل يقول أحبك» لمي التلمساني
الشتات والذكريات في «الكل يقول أحبك» لمي التلمساني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة