السلطة التنفيذية الليبية لتوحيد «المركزي»

تسلمت تقريراً دولياً لتدقيق حساباته... والكبير والحبري يحضران اجتماعاً للحكومة

المنفي والدبيبة يتوسطان الكبير والحبري (يمين) والكومي وكوبيش (يسار) (المجلس الرئاسي)
المنفي والدبيبة يتوسطان الكبير والحبري (يمين) والكومي وكوبيش (يسار) (المجلس الرئاسي)
TT

السلطة التنفيذية الليبية لتوحيد «المركزي»

المنفي والدبيبة يتوسطان الكبير والحبري (يمين) والكومي وكوبيش (يسار) (المجلس الرئاسي)
المنفي والدبيبة يتوسطان الكبير والحبري (يمين) والكومي وكوبيش (يسار) (المجلس الرئاسي)

تسلمت السلطة التنفيذية في ليبيا، أمس، تقرير فريق المراجعة الدولية لحسابات فرعي المصرف المركزي في العاصمة طرابلس (غرب) ومدينة البيضاء (شرق)، من رئيس البعثة الأممية يان كوبيش، في احتفالية عقدت في العاصمة.
وجاءت عملية مراجعات حسابات مصرف ليبيا المركزي بناء على طلب تقدم به رئيس الحكومة السابق فائز السراج، إلى مجلس الأمن الدولي في أغسطس (آب) 2020، على خلفية مطالبات بكشف ما تردد عن وجود «تبديد للمال العام» على مدى عشر سنوات. وأسندت المهمة إلى شركة «ديلويت» الدولية.
وفي الاحتفالية التي حضرها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وعضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ونائبه علي الحبري، وصف رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، تسلم التقرير بأنه «حدث تاريخي بكل المقاييس» لكونها المرة الأولى التي تدقق جهة دولية فنية «محايدة» حسابات المصرف، «بما يساعد في تقييم وبناء هذه المؤسسة على أسس ومعايير دولية».
وأضاف المنفي في كلمته أنه «من غير المبرر الاستمرار في انقسام السلطة النقدية بعد توحيد السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد». وحض محافظ ونائب محافظ مصرف ليبيا المركزي على «التحلي بروح المسؤولية تجاه الوطن والعمل المهني الجاد» لوضع ما ورد في التقرير من توصيات «موضع التنفيذ وتجنب كل الأعمال والممارسات السلبية التي تعمق انقسام النظام المصرفي».
وشدد على أن هذه الأعمال «لن تكون مقبولة في المرحلة المقبلة التي يعمل فيها المجلس الرئاسي وحكومة (الوحدة الوطنية) على توطئة البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المناسبة للانتخابات العامة»، مثمناً الدور الذي تلعبه البعثة الأممية في حل الأزمة الليبية.
وكان الدبيبة تسلم من المبعوث الأممي النسخة الأولى من التقرير، مساء أول من أمس، وقال إن «توحيد المصرف المركزي هدف لا بد من تحقيقه، وبأسرع وقت ممكن، كي يتم من خلاله توحيد الجهود للبناء».
وخلال مشاركته في مراسم تسلم التقرير، قال الدبيبة في كلمته، أمس، إن «التئام المؤسسات العامة للدولة يعتبر هدفاً أساسياً لبناء دولة ديمقراطية ومستقرة». ورأى أنه «بعد نجاح الحكومة في توحيد مؤسساتها الإدارية، فإننا اليوم أمام ضرورة ملحة وهي توحيد مصرف ليبيا المركزي وكذلك تحديد الدين العام واعتماده».
ورحب الكبير بأي جهود وخطوات في اتجاه توحيد المصرف المركزي، وقال خلال مراسم تسلم التقرير إن «تتويج عملية التوحيد يتطلب تكاثف جهود كافة مؤسسات الدولة»، كما أن «توحيد المصرف المركزي أصبح مطلباً للجميع، تتويجاً لجهود حكومة الوحدة الوطنية، الساعية لتوحيد مؤسسات الدولة، وبالتالي لم يعد هناك مبرر لاستمرار حالة الانقسام داخل المصرف المركزي».
ولفت المحافظ إلى أن «جهود مصرف ليبيا المركزي أثمرت بالتعاون مع وزارة الخزانة الأميركية لتلبية المتطلبات الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في خروج ليبيا من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) في ظل بقاء دول أخرى أكثر استقراراً». وأضاف أنه «على الرغم مما أنتجه الانقسام من تداعيات سلبية إلا أن مصرف ليبيا المركزي أنجز استحقاقات هامة على رأسها المحافظة على شبكة المراسلين بالخارج والتواصل والتنسيق مع المؤسسات الدولية والعمل على تعزيز مبدأ الشفافية والإفصاح». واستهدفت عملية مراجعة حسابات المصرف المركزي، وفقاً للبعثة الأممية، «استعادة النزاهة والشفافية والثقة في النظام المالي الليبي وتهيئة الظروف الملائمة لتوحيد المؤسسات المالية الليبية»، حيث عمدت شركة «ديلويت» إلى جمع المعلومات من فرعي المصرف المركزي الليبي، بالإضافة إلى بيانات إضافية من مصادر رسمية أخرى.
و«ديلويت» الدولية هي الشركة الاستشارية التي جرى اختيارها في عملية تولاها مكتب الأمم المتحدة لإدارة المشاريع من أجل إجراء عملية المراجعة المالية الدولية، لحسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس والبيضاء.
بدوره، قال المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا الدكتور غسان سلامة، إن السراج «كان له الفضل في طلب تقرير المراجعة المالية الدولية لحسابات مصرف ليبيا المركزي، من مجلس الأمن الدولي»، متابعاً: «تلقيت و(المبعوثة الأممية بالإنابة السابقة ستيفاني) ويليامز، ببالغ السرور خبر تسليم شركة التدقيق لتقريرها عن المصرف. وكلنا أمل أن يستكمل المصرف فوراً عملية توحده وقد طال انتظارها».
وعقب مراسم تسلم تقرير المراجعة، اجتمع المنفي والكوني مع الكبير ونائبه الحبري، بحضور الدبيبة. وقالت الناطقة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة، أمس، إن محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه اتفقا على «عقد اجتماعات دورية منتظمة لمجلس إدارة المصرف».
وفور الانتهاء من لقاء المنفي، انضم الكبير والحبري إلى اجتماع مجلس وزراء الحكومة، وفقاً لما أعلن الناطق باسم حكومة «الوحدة الوطنية» محمد حمودة، بعدما التقاهما الدبيبة بديوان رئاسة الوزراء لمتابعة التقييم المبدئي لتقرير المراجعة، وشدد على ضرورة «نبذ الخلافات مهما كان حجمها ونوعها، والتفكير في مرحلة جديدة يتم فيها التئام كل الأجسام الإدارية في ليبيا». كما دعاهما إلى لقاء داخل مصرف ليبيا المركزي والبدء في العمل «منذ هذه اللحظة».
وعلى خلفية التقارب الذي حدث بين الكبير والحبري، عقد اجتماع أمس، للمرة الأولى منذ عام 2014 في مقر المصرف المركزي بطرابلس، «في إطار الجهود المبذولة لتوحيد المصرف».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».