لقاء خلدة محطة لترميم «البيت الدرزي» من موقع الاختلاف

جنبلاط يبدي مرونة لتوحيد «مشيخة العقل» وإلغاء التوتر الأمني

من لقاء سابق بين الزعيمين الدرزيين وليد جنبلاط وطلال أرسلان (الوكالة الوطنية)
من لقاء سابق بين الزعيمين الدرزيين وليد جنبلاط وطلال أرسلان (الوكالة الوطنية)
TT

لقاء خلدة محطة لترميم «البيت الدرزي» من موقع الاختلاف

من لقاء سابق بين الزعيمين الدرزيين وليد جنبلاط وطلال أرسلان (الوكالة الوطنية)
من لقاء سابق بين الزعيمين الدرزيين وليد جنبلاط وطلال أرسلان (الوكالة الوطنية)

ينعقد اللقاء الدرزي بعد غد السبت، في دارة أرسلان بخلدة، في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية شديدة الصعوبة وغير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، في محاولة لإعادة ترميم «البيت الدرزي» تحت سقف تنظيم الاختلاف السياسي بين رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ورئيسي حزبي «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان و«التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب، الذي قد يشارك فيه رئيس «اللقاء النيابي الديمقراطي» تيمور جنبلاط، خصوصاً فيما يتعلَّق بالخيارات السياسية الاستراتيجية التي لا تزال تشكل تبايناً في المواقف منها، لكنها لن تقف سداً في وجه إنهاء «الاشتباك الأمني» رغم أنه لا يزال تحت السيطرة.
فلقاء خلدة يأتي في سياق الرغبة الصادقة التي يبديها جنبلاط الأب في الوصول إلى تسوية الحد الأدنى، التي تأتي انسجاماً مع التسوية التي كان طرحها لدى اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون، لإخراج مأزق تشكيل الحكومة من الحصار الذي تتخبّط فيه ويحاكي من خلالها المبادرة التي كان طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتسهيل ولادة حكومة مهمة تتلازم مع المبادرة الإنقاذية، التي رسمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوقف انهيار البلد.
وفي هذا السياق، قالت مصادر قيادية في «التقدمي» لـ«الشرق الأوسط» إن جنبلاط الذي كان طرح تسوية لتجاوز العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري لا يمكن إلا أن يبادر إلى التحرك لتحصين البيت الدرزي بسحب الذرائع التي كانت وراء ارتفاع منسوب الاحتقان بين الثلاثي الدرزي، وهذا لن يتحقق إلا بالتفاهم على تسوية يُراد منها تهدئة الأرض بين الدروز والمسيحيين، وتحديداً بين «التقدمي» و«التيار الوطني الحر» باعتبار أن لا مشكلة بين جنبلاط وحزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، على أن تنسحب فوراً على الجوار، أي بين «التقدمي» و«حزب الله» وحركة «أمل»، علماً بأن لا شائبة سياسية تشوب علاقته بالرئيس بري.
وكشفت أن «التقدمي» كان ولا يزال يلعب الدور الإطفائي في رفضه لمحاولات قطع الطريق الذي يربط جبل لبنان بالجنوب أو الآخر المعروف بطريق بيروت - الشام، وقالت إن تنظيم الاختلاف بين «التقدمي» و«حزب الله» يمكن أن ينسحب على علاقته بأرسلان ووهاب، علماً بأنه كان وراء إحباط جميع المحاولات التي لجأت إليها الأطراف المتضررة؛ بتحميل «التقدمي» مسؤولية قطع هذه الطرقات.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن تنظيم الاختلاف في داخل البيت الدرزي يستدعي الالتفات فوراً إلى معالجة مكامن الاحتقان السياسي بداخله؛ بدءاً بتطويق ذيول الاشتباكات التي كانت حصلت أخيراً على خط التوتر الأمني الممتد من الشويفات إلى بلدتي قبرشمون والبساتين، مروراً بحادثة بلدة الجاهلية في الشوف بين وهاب وقوى الأمن الداخلي وصولاً إلى استيعاب تداعياتها ومفاعيلها الأمنية والسياسية.
وأكدت أن ملف هذه الاشتباكات السابقة سيُدرج كبند أساسي على جدول أعمال لقاء خلدة للسيطرة على تداعياتها السلبية بما يؤمن حالة من الانفراج تدفع باتجاه إعادة تطبيع العلاقة بين الثلاثي الدرزي من موقع الاختلاف، مع أن جنبلاط كان وراء اقتراح رفع عدد الوزراء في حكومة مهمة من 18 وزيراً إلى 24، لضمان تمثيل أرسلان في الحكومة، وهو يتناغم في هذا الخصوص مع بري من دون أن يلقى معارضة من الحريري الذي يربط موافقته بقطع الطريق على أي طرف سياسي للحصول على «الثلث الضامن» أو المعطّل في الحكومة، في حال أُعيدت الروح السياسية إلى مشاورات التأليف.
وكشفت أن جدول الأعمال سيتضمن أيضاً إعادة توحيد مشيخة العقل لدى طائفة الموحّدين الدروز، مع اقتراب انتهاء ولاية الشيخ نعيم حسن الذي يتمتع باعتراف رسمي مدعوم بموقف من المجلس المذهبي الدرزي، وقالت إن جنبلاط يبدي مرونة وانفتاحاً على المقترحات المؤدية إلى توحيد المشيخة، إضافة إلى تعيين قاضيين في المجلس المذهبي خلفاً لاثنين من القضاة انتهت ولايتهما.
وأكدت المصادر في «التقدمي» أن لدى جنبلاط كل استعداد لتوسيع المشاركة في المجلس المذهبي، نافية ما ذهب إليه البعض في تحميله زيارة وفد منه لمقر «التيار الوطني» في الدامور أكثر مما يحتمل، وصولاً إلى التعامل مع الأجواء التي سادتها وكأنها مؤشر لقيام تحالف انتخابي لخوض الانتخابات النيابية المقررة في ربيع 2022، على لوائح موحدة في دائرتي الشوف - عاليه والمتن الجنوبي - بعبدا.
واستغربت المصادر ما أثير من تسريبات في هذا الخصوص، وقالت إن الزيارات تأتي في سياق لقاءات مماثلة تُعقد بين «التقدمي» وتيار «المستقبل» وحزب «القوات»، وقالت إنه من السابق لأوانه إقحام الحرص الجنبلاطي على التهدئة في الشوف وعاليه في بازار التحالفات الانتخابية، وعزت السبب إلى أن الأولوية لجنبلاط حتى إشعار آخر تكمن في تأمين لقمة العيش للسواد الأعظم من اللبنانيين، وتوفير الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية، لمنع انهيار البلد، لأنه من غير الجائز أن تجري الانتخابات فيما يتدحرج نحو السقوط النهائي.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.