نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مجلس الوقت الضائع

اليوم الخميس، ينهي المجلس المركزي الفلسطيني أعماله. ووفق الجدول الذي وزع مسبقا على الأعضاء، فهنالك ثلاثة عشر عنوانا سميت بالملفات، يتعين معالجتها واتخاذ قرارات بشأنها.
والمجلس المركزي لمن لا يعرف، هو أعلى سلطة قرار فلسطيني في حال عدم تمكن المجلس الوطني (برلمان المنفى) من الانعقاد، ولقد اكتسب المجلس المركزي أهميته من خلال قراره التاريخي بتأسيس السلطة الوطنية، بعد اعتماد اتفاقات أوسلو، ومنذ تأسيسه وحتى يومنا هذا، كان محط أنظار الطبقة السياسية الفلسطينية، ذلك أن كل فصيل يدّخر مطالباته الممكنة منها والمستحيلة إلى حين انعقاد المجلس، وفي حالات نادرة شاركت حركة حماس في اجتماعاته، وأذكر جلسة عقدت في غزة، شارك فيها المغفور له أحمد ياسين موجها رسالة وحدوية، فسرت في حينه على أنها مقدمة لاستعداد حمساوي للدخول في مؤسسات منظمة التحرير، بعد أن كانت محرمة على نفسها الدخول في مؤسسات السلطة.
ونظرا لعدم انتظام انعقاد المجلس، وبعد المسافة الزمنية بين دورتين، فقد أثقل المجلس الحالي بأجندة تحتاج إلى شهور وليس ساعات لبحثها واتخاذ قرارات بشأنها، إلا أن هذا المجلس يواجه مهمات مفترضة يصعب اتخاذ قرارات حاسمة بشأنها، وأولى هذه المهمات، مراجعة العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، بعد أن بلغت حالة من التردي السياسي، بحيث لم يبق من إرث أوسلو فيها، سوى بقايا أمر واقع احتفظت به الضرورة، وأبقت عليه عدم قدرة أي طرف على إعلان النهاية، خشية تحمل تبعات هذا الإعلان، وهي كثيرة وثقيلة ومأساوية، وحين يتصدى المجلس المركزي لأمر كهذا فهو في واقع الأمر يضع نفسه في مواجهة تحدٍ شامل يشبه الانقلاب على قواعد اللعبة، والدخول في مسار مختلف لا يعرف أحد كيف سيكون وإلى أين سيفضي، فالمراجعة الشاملة تعني أول ما تعني التنسيق الأمني، وهو أهم ما تبقى من أوسلو، ولو أجري استطلاع محايد لمعرفة موقف الفلسطينيين من هذه النقطة بالذات، فإن المطالبين بإلغائها يتجاوزون الثمانين في المائة إن لم يكن أكثر.
ومنذ انهيار العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية، والولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغطا مكثفا على الفلسطينيين، كي لا يقتربوا من هذه النقطة بالذات، أما الإسرائيليون فكانوا ولا يزالون يتعاملون مع الفلسطينيين في مسألة التنسيق الأمني، بقدر كبير من اللؤم واعتصار الجرح، حتى إنهم يظهرون استخفافا بفكرة نكوص الفلسطينيين عن التنسيق، قائلين إنكم أكثر حاجة إليه منا، ونتحداكم أن تتخذوا قرارا واضحا بهذا الاتجاه.
ونظرا لحراجة هذه النقطة بالذات، فإن الرئيس محمود عباس من جانبه تعامل معها بحذر شديد حتى إنه وصف التنسيق الأمني ذات مرة بالأمر المقدس، الذي لن يسمح لأحد بالاقتراب منه، لهذا وإن كانت جميع الفصائل السياسية بما في ذلك فتح وحماس، تتفق على حتمية إلغائه، خصوصا بعد أن ضربت إسرائيل بعرض الحائط كل التزاماتها في أوسلو، إلا أن ما يمنع صدور قرار صريح بهذا الأمر هو الاستنتاج المسبق لرد الفعل الأميركي والإسرائيلي، الذي لن تستطيع السلطة تحمله خصوصا إذا ما صدر القرار في موسم الانتخابات الإسرائيلية، والانشغال الأميركي بملفات أكبر وأكثر إلحاحا. لذلك فالأرجح أن يلوذ الفلسطينيون بصياغة حذرة في أمر العلاقة الشاملة مع إسرائيل وحذرة أكثر في أمر التنسيق الأمني.
أما الملف الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول، فهو المتعلق بالمصالحة الفلسطينية، في هذا الشأن إما أن يصغي المجلس لنصائح الرفيق نايف حواتمة، ويضع حركة حماس أمام أمر واقع بتحديد موعد نهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية، وساعتئذ يحال ملف المصالحة الفاشل حتى الآن بامتياز إلى المنتخبين الجدد، كي يعالجوه بعد أن فشل المنتخبون القدامى فشلا ذريعا في هذا الملف، وإذا لم يستطع المجلس تبني دعوة حواتمة، فليس أمامه سوى اللجوء إلى المخارج اللغوية المألوفة حيال القضايا الصعبة، فإما أن يشكل لجنة من بين أعضائه لمتابعة الملف، وإما أن يكلف القائمين على هذه المهمة المستحيلة باستئناف جهودهم وكفى المجلس شر المجازفة، ولسوء حظ هذا المجلس أنه ينعقد بعد غياب طويل، في وقت يمكن أن يوصف بالوقت الضائع، فالإسرائيليون غارقون حتى آذانهم في الحملة الانتخابية، وسيتصيدون كل كلمة تصدر عن المجلس، للإفادة منها في استقطاب الأصوات، والأميركيون يراوحون بين «داعش» والملف النووي الإيراني، ويملأ رأس إدارتهم صداع نتنياهو الذي لا علاج له، أما العرب فحدث ولا حرج عن اهتماماتهم وانشغالاتهم. ولا يلام الفلسطينيون لو قالوا بين يدي مجلسهم.. لا وقت للقرارات الحاسمة.