تقرير: الخوف من الصين يرغم أميركا على تغيير سياستها الاقتصادية

عاملان يضعان ديكورات على ركن من أركان شارع في بكين (أ.ف.ب)
عاملان يضعان ديكورات على ركن من أركان شارع في بكين (أ.ف.ب)
TT

تقرير: الخوف من الصين يرغم أميركا على تغيير سياستها الاقتصادية

عاملان يضعان ديكورات على ركن من أركان شارع في بكين (أ.ف.ب)
عاملان يضعان ديكورات على ركن من أركان شارع في بكين (أ.ف.ب)

إذا كان البعض يشعر بالاستياء إزاء الممارسات الصينية الأخيرة من قمع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، وسجن دعاة الديمقراطية في هونغ كونغ، والتحرش بتايوان، لأنها تظهر عدم قدرة الولايات المتحدة على التصدي لأكبر منافس يهددها حالياً، فالواقع يقول إن هذه الممارسات الصينية تستحق الشكر من جانب الأميركيين بحسب المحلل السياسي والخبير في الشأن الصيني مايكل شومان.
ويرى شومان مؤلف كتابي «قوة عظمى غير مستمرة: التاريخ الصيني للعالم» و«المعجزة: القصة الملحمية لبحث آسيا عن الثروة» إن تصاعد الخطر والتحدي الصيني كان الدافع وراء إصلاح الولايات المتحدة لسياستها الاقتصادية بما يضمن استمرار التفوق الأميركي العالمي.
وفي هذا السياق، يشير شومان في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إلى «قانون الإبداع والمنافسة الأميركية» الذي قدمه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر والعضو الجمهوري في المجلس تود يونج وتمت الموافقة عليه يوم 8 يونيو (حزيران) الحالي بأغلبية 68 عضواً مقابل 32 عضواً، باعتباره مؤشراً على التغير الإيجابي في السياسة الاقتصادية الأميركية.
يعرف هذا القانون باسم «قانون الصين» لأسباب وجيهة، حيث يمكن القول إن بكين كانت الملهمة لهذا القانون الذي يحاكي النموذج الاقتصادي الذي تقوده الدولة في الصين من خلال إنشاء صندوق حكومي برأسمال 250 مليار دولار لتمويل الأبحاث العملية، ودعم صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. كما أن صعود الصين وسياستها الخارجية العدائية والخوف والقلق اللذان تثيرهما في واشنطن، هو الشيء الوحيد الذي دفع الجمهوريين والديمقراطيين إلى التحرك المشترك والقيام بعمل واحد.
في المقابل فإن المسؤولين الصينيين هاجموا القانون رغم أنه عليهم أن يلوموا أنفسهم قبل أي أحد آخر لصدور هذا القانون بحسب شومان، الذي يقول إن تحرك الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى كان حتمياً لمواجهة الدعم الحكومي الصيني الباهظ للصناعات المتطورة بما في ذلك السيارات الكهربائية والذكاء الصناعي والرقائق الإلكترونية ببرامج كتلك التي تتبناها الصين.
فنظراً لعدم قدرة الولايات المتحدة على الضغط على الصينيين لتقليص الدعم السخي لشركاتهم من خلال المحادثات أو الرسوم الجمركية العقابية، قررت فعلياً تبني مبدأ «إذا لم تتمكن من التغلب عليهم، فانضم إليهم». في المقابل قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن مشروع قانون مجلس الشيوخ «يشوه مسار التنمية في الصين. وهذا التصريح هو شهادة نجاح للقانون الأميركي من وجهة نظر شومان».
وقد نجحت الصين فيما فشل فيه الكثير من خبراء الاقتصاد وصناعة السياسة في أميركا وهو إقناع واشنطن المشلولة آيديولوجياً بأن الدولة يمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً في التقدم الاقتصادي. وقد اعتاد السياسيون الأميركيون على الإيمان بذلك. وقد ساعدت أموال دافعي الضرائب الأميركيين في بناء «شبكة السكك الحديدية» وشبكة تقاطعات الطرق السريعة الأميركية وصناعة أشباه الموصلات قبل عشرات السنين.
ولكن منذ ثورة ريجان، سيطر الإيمان الغيبي بالسوق الحرة على صناعة السياسة الأميركية وتلاشى استثمار الدولة في الاقتصاد. ورغم فشل هذه الرؤية الاقتصادية الريجانية، يصر الكثيرون من السياسيين على أنه يمكن
حل كل وأي مشكلة اقتصادية من خلال الإعفاءات الضريبية فقط دون الحاجة إلى تدخل ملموس من الدولة.
والآن عادت الدولة في أميركا لممارسة دوراً اقتصادياً. فإلى جانب القانون الذي أقره مجلس الشيوخ، وانتقل إلى مجلس النواب، هناك «خطة الوظائف الأميركية» لإدارة الرئيس جو بادين، التي تقدم الحكومة باعتبارها حكومة يسارية، وتتضمن رصد 174 مليار دولار من أموال الحكومة، لتشجيع صناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة على الطريقة الصينية.
مثل هذه الأهداف السامية التي تدعمها الدولة تمثل تحولاً كبيراً للسياسة الاقتصادية الأميركية عن فكرة أن الإنسان لا يمكنه التفوق فكرياً على السوق. وقد يعترض بعض المحافظين المتشددين في واشنطن على هذا التحول، لكن التفوق الصيني المطرد، سيقلب المد الآيديولوجي الجديد ضد هؤلاء المحافظين.
والحقيقة أن هذا التحول في السياسة الاقتصادية الأميركية يكشف عن تنامي النفوذ والتأثير الصيني على الاقتصاد العالمي. وقد ظهرت قوة الصين بالفعل في التجارة والتكنولوجيا خلال السنوات السابقة، والآن تفرض وجودها على المجال النقدي للأفكار الاقتصادية.
فخلال القرنين الماضيين اقتبست الصين الأفكار من القوى الغربية بالنسبة لكل شيئاً بدءاً من عادات المواعدة بين الشباب والفتيات وحتى الدساتير.
والآن قامت الصين الحديثة وتبنت إصلاحات السوق الحرة، كان صناع السياسة فيها متأثرين بشدة بالاقتصاديين الغربيين والنظرية الاقتصادية الغربية.
ولكن الموقف تغير الآن. وأصبحت إدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل عام ضد الدعوات إلى التوسع في حرية السوق، لصالح زيادة دور الدولة.
في المقابل، فإن صناع السياسة في العالم، يراقبون الصعود الصاروخي للصين، ليكتشفوا أن بكين طورت مزيجاً خاصاً من الأفكار لتشجيع الرخاء الاقتصادي، وهي وصفة تستحق النسخ والتكرار في أماكن أخرى.
ويختتم شومان تحليله بالقول: «ربما يتعين علينا (كأميركيين) شكر الصين مرتين أخريين، لأنها نبهتنا ليس فقط إلى المزايا الاقتصادية المحتملة لتدخل الدولة، وإنما إلى مخاطره أيضاً.
وكما قال كلايد بريستوفيتز مؤلف كتاب «العالم ينقلب رأساً على عقب: أميركا والصين والصراع من أجل قيادة العالم»، إن «الأمر يتعلق بثقة الصينيين في الدولة أكثر مما يجب وثقة الأميركيين فيها بأقل مما يجب».
وهناك الكثير الذي يجب أن يتعلمه الأميركيون والصينيون على السواء.



تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة كما هو متوقع.

وخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام يوم الخميس، وأبقى الباب مفتوحا لمزيد من التيسير، على الرغم من أن بعض المحللين شعروا أن إشارة رئيسة البنك كريستين لاغارد في هذا الاتجاه كانت أقل وضوحا مما كانوا يأملون.

وبدا أن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالو، وزميله الإسباني خوسيه لويس إسكريفا، والنمساوي روبرت هولزمان، وغاستون راينش من لوكسمبورغ، قد أكدوا الرسالة يوم الجمعة.

وقال فيليروي دي غالو لإذاعة الأعمال الفرنسية: «سيكون هناك المزيد من تخفيضات الأسعار العام المقبل». وفي حديثه على التلفزيون الإسباني، أضاف إسكريفا أنه من «المنطقي» أن «يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماعات مستقبلية» إذا استمر التضخم في التقارب مع الهدف. وكان 2.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الذي يدفعه على احتياطيات البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0 في المائة يوم الخميس، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى بقيمة 100 نقطة أساس على الأقل بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

ورفضت لاغارد التكهن بالمسار المستقبلي للأسعار، مشيرة إلى المخاطر التي تتراوح من التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة إلى عدم اليقين السياسي في الداخل، حيث إن فرنسا حالياً دون حكومة، بينما تواجه ألمانيا تحديات انتخابات جديدة، فضلاً عن التضخم المحلي المرتفع.

وألقى فيليروي دي غالو، الوسطي الذي أصبح مؤيداً بشكل متزايد للسياسة التيسيرية في الأشهر الأخيرة، بثقله وراء توقعات السوق. وقال: «ألاحظ أننا مرتاحون بشكل جماعي إلى حد ما لتوقعات أسعار الفائدة في الأسواق المالية للعام المقبل».

وحتى محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، وهو من الصقور وكان المعارض الوحيد للتيسير، أيد عودة أسعار الفائدة إلى مستوى محايد، لا يحفز الاقتصاد ولا يكبح جماحه، عند حوالي 2 في المائة. وقال للصحافيين: «ستتجه أسعار الفائدة في هذا الاتجاه. وإذا تحققت تقييمات السوق كما هي في الوقت الحالي، فسوف تتطابق مع توقعاتنا. وإذا تطابقت توقعاتنا، فربما يتعين علينا تعديل أسعار الفائدة لدينا لتكون متسقة».

وقال راينيش من لوكسمبورغ، والذي نادراً ما يناقش السياسة في العلن، لوسائل الإعلام المحلية أنه «لن يكون من غير المعقول» أن «ينخفض ​​سعر الودائع إلى 2.5 في المائة بحلول أوائل الربيع»، وهو ما يعني على الأرجح خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) المقبلين.

بينما قلل إسكريفا من احتمال خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو الخيار الذي طرحه بعض زملائه وتبناه البنوك المركزية في سويسرا والولايات المتحدة. وقال محافظ البنك المركزي الإسباني المعين حديثا: «في المناقشات التي أجريناها (الخميس)، كانت الفكرة السائدة هي أنه يتعين علينا الاستمرار في إجراء تحركات هبوطية بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الشكل الذي سيسمح لنا بمواصلة تقييم التأثيرات من حيث انكماش التضخم».

في غضون ذلك، ظل الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو دون تغيير في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالشهر السابق، متجاوزا التوقعات بانخفاض طفيف، لكن البيانات تشير إلى عدم وجود تعافي في الأفق لقطاع غارق في الركود منذ ما يقرب من عامين. وجاء الرقم الذي لم يتغير، والذي أصدره «يوروستات»، أعلى قليلا من توقعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 0.1 في المائة، ويأتي بعد انخفاض بنسبة 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن قراءات سلبية خلال الشهر، بينما ظل الإنتاج الإيطالي راكدا، تاركا إسبانيا الدولة الوحيدة من بين أكبر دول منطقة اليورو التي سجلت قراءة إيجابية.

وعانت الصناعة الأوروبية لسنوات من ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، وتراجع الطلب من الصين، وارتفاع تكاليف التمويل للاستثمار، والإنفاق الاستهلاكي الحذر في الداخل. وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس وخفض توقعاته للنمو، بحجة وجود حالة من عدم اليقين في الوفرة.

وبالمقارنة بالعام السابق، انخفض الناتج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.2 في المائة، مقابل التوقعات بانخفاض بنسبة 1.9 في المائة. ومقارنة بالشهر السابق، انخفض إنتاج الطاقة والسلع المعمرة والسلع الاستهلاكية، وارتفع إنتاج السلع الرأسمالية فقط.