«كاوست» تصمم إطار عمل لدراسات دقيقة عن مستقبل المحيطات

تحديد أدق لمستويات ثاني أكسيد الكربون المحلية أثناء التجارب العلمية

يُنظر إلى الشعاب المرجانية كعلامة تُنبئ بالأثر الذي يخلفه الاحترار  وتحمّض المحيطات على أشكال الحياة البحرية الأخرى
يُنظر إلى الشعاب المرجانية كعلامة تُنبئ بالأثر الذي يخلفه الاحترار وتحمّض المحيطات على أشكال الحياة البحرية الأخرى
TT

«كاوست» تصمم إطار عمل لدراسات دقيقة عن مستقبل المحيطات

يُنظر إلى الشعاب المرجانية كعلامة تُنبئ بالأثر الذي يخلفه الاحترار  وتحمّض المحيطات على أشكال الحياة البحرية الأخرى
يُنظر إلى الشعاب المرجانية كعلامة تُنبئ بالأثر الذي يخلفه الاحترار وتحمّض المحيطات على أشكال الحياة البحرية الأخرى

فهم عواقب ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون والاحترار العالمي على الحياة البحرية يتطلّب إجراء تجارب علمية معقدة، من شأنها تقييم استجابات الكائنات الحية في ظروف بيئية مختلفة.
ويتعيّن أن تتمكن التجارب من تمثيل مستويات ثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة في المستقبل بالضبط والتمام، كي تقدم تنبؤات دقيقة بالتأثير المحتمل لتلك المستويات في الأنواع المختلفة بشتّى أنحاء محيطات العالم.
وفي سبيل تحقيق هذا، ابتكر باحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، إطار عمل مُبسّطاً لجمع المعلومات لمساعدة علماء البحار على تصميم تجارب أكثر دقّة، تساعد بدورها على فهم التأثير المتوقع للاحتباس الحراري في الحياة البحرية فهماً أفضل.
تدقيق الدراسات
يشير الباحثان الدكتور ناثان جيرالدي، والبروفسور كارلوس دوارتي، وزملاؤهما في مركز أبحاث البحر الأحمر بـ«كاوست» إلى أن بعض الأوراق البحثية المنشورة المختصّة بالعلوم البحرية لا تطابق التوقّعات الواردة في تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بشأن مستوى غاز ثاني أكسيد الكربون، ما دفع الفريق البحثي إلى الاستفاضة في الاستقصاء.
وحدَّد الفريق عدداً من أوجه القصور التي تشوب المعرفة العلمية الحالية؛ فرغم وجود بعض البيانات بشأن تأثير ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، وما يُصاحبه من احترار المحيطات، فإنها مُفرّقة بين مواقع شتّى ولا يتسنّى الوصول إليها عبر قاعدة بيانات مركزية. فضلاً عن أن الأرقام الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن مستويات ثاني أكيد الكربون والارتفاع المتوقع في درجات الحرارة، تتعلّق غالباً بالغلاف الجوّي وسطح الأرض، لا البيئات البحرية.
وبوجه عام، يزداد احترار المحيطات على نحو أبطأ مما يحدث على اليابسة، ومن ثمّ، يتعيّن أن يؤخذ ذلك في الاعتبار تحت مظلّة دراسات «مستقبل المحيطات». وعلاوة على ذلك، فإن توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ على صعيد الأقاليم المختلفة لا تشمل في الوقت الراهن المناطق القطبية، رغم حقيقة تسارع وتيرة الاحترار في القطب الشمالي أكثر من المتوسط العالمي.
مستقبل المحيطات
أهمية مستقبل المحيطات كانت قد أشارت إليها السيدة إيزابيلا لوفين التي شغلت منصبي وزيرة التعاون الإنمائي الدولي وشؤون المناخ، ونائبة رئيس وزراء السويد ما بين 2014 - 2019 في مقالة لها حيث أوضحت أن «المحيطات تنتج نصف حجم الأكسجين المتاح لدينا، وأن أكثر من 93 في المائة من حجم الحرارة التي تسبب جميع سكان العالم في انبعاثها على كوكب الأرض منذ خمسينات القرن الماضي، قامت المحيطات بامتصاصها، إلا أن تكلفة ذلك لم تتضح إلا أخيراً». إن الارتفاع في درجات حرارة المحيطات وزيادة نسبة التحمض فيها، أصبح الآن جلياً في ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي وتبيض المرجان. كما أن ظاهرة احترار المحيطات حدثت على مدى الـ60 سنة الماضية على نطاق من الصعب استيعابه. ويوضح تحليل صدر في عام 2015 من معهد جرانثام أنه إذا كانت نفس كمية الحرارة التي أضيفت إلى أعلى كيلومترين من المحيطات بين عامي 1995 و2010، قد أضيفت بدلاً من ذلك إلى الـ10 كيلومترات الدُنيا من الغلاف الجوي، لكنا قد شهدنا ارتفاع درجة الحرارة على الأرض بمقدار 36 درجة مئوية. ولذلك فإن المحيطات قد وفرت لنا الحماية من أسوأ آثار تغير المناخ. ولكن هناك عدم يقين لدرجة هائلة بخصوص قدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون في المستقبل.
قوة الإطار الجديد
يقول كارلوس: «التكهن باستجابات الكائنات البحرية لظروف المحيطات في المستقبل يظل تحدّياً، لكن من الضروري التنبؤ بالمخاطر والآثار المحتملة لتلك الظروف. وجرت العادة أن يُستعان بالتجارب التي تحاكي الظروف المتوقّعة في المستقبل لتحديد تلك الاستجابات وتقييمها. ومع ذلك، فإن العوار الذي يعتري هذا النهج يكمن في أن المتغيّرات التجريبية لا يمكن الاعتماد عليها عادة، ما يتمخّض عن مُغالطات».
ويفسّر ناثان جيرالدي هذا العوار قائلاً: «لا يوجد طريق مباشر حالي يسلكه الباحثون لتحديد المستويات المستقبلية لثاني أكسيد الكربون عند إجراء التجارب على الحياة البحرية. كما أن الظروف الحالية والمستقبلية في أي منطقة تعتمد على كثير من العوامل. وفي ضوء درايتنا بحاجة الباحثين إلى تبسيط المتغيرات الطبيعية، أردنا طرح إطار عمل يسترشد به الباحثون في اختيار مستويات ثاني أكسيد الكربون ودرجات الحرارة الملائمة لدراستهم».
وتعتمد توقّعات الاحترار على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والظروف المحلية؛ وعلى سبيل المثال، قد تؤثر الكيمياء الأرضية ونوع الغطاء النباتي في مستويات ثاني أكسيد الكربون في منطقة بعينها. ومع ذلك، فإن مراقبة مستويات ثاني أكسيد الكربون المحلية والإقليمية باستمرار عملية باهظة التكلفة بالنسبة لأي فريق بحثي بمفرده.
وركّز فريق «كاوست» على مناطق الشعاب المرجانية كموضوع لدراسة إطار العمل الذي وضعوه، لأن استجابات المرجان للتغيّر العالمي قد قُتلت بحثاً وتمت دراستها على نطاق واسع في السنوات الأخيرة. ويقول جيرالدي: «يُنظر إلى الشعاب المرجانية كعلامة تُنبئ بالأثر الذي يخلّفه الاحترار وتحمّض المحيطات على أشكال الحياة البحرية الأخرى».
واستعان الفريق بالبيانات التي انطوت عليها تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، إلى جانب المعلومات التفصيلية التي جمعتها دراسات تناولت الشعاب المرجانية حول العالم. ومن شأن مجموعات البيانات، التي تتمخّض عنها تلك الجهود، أن تُتيح للباحثين اختيار توقّعات أكثر دقّة بشأن مستويات ثاني أكسيد الكربون في المناطق المحددة المشمولة بدراستهم في أي فترة زمنية خلال الأعوام المائة المقبلة. ولخَّص الفريق أيضاً مواطن الشكّ الحالية بشأن مسارات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وسلّط الضوء على التحدّيات التي تعوق مسيرة التنبؤ بحساسية نظم إيكولوجية وكائنات مختلفة للاحترار ولزيادة مستويات الحموضة في المحيطات.
ويتوقّع الفريق أن يوفّر إطار عملهم - إذا ما استخدِم على نطاق واسع - أساساً متيناً سيساعد الباحثين على تعزيز رصانة الدراسات المتنامية التي تتناول البيئات البحرية المختلفة، وقابليتها للتكرار.
ويعلّق جيرالدي قائلاً: «نقطة القوّة التي تُميّز إطار عملنا هي بساطته، لكنها موطن قصور أيضاً بالنظر إلى تغيّر درجات الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون بتغيّر الأماكن والأزمنة. لكن في الظروف المُثلى، ستكون بحوزة الباحثين المصادر اللازمة لتحديد سمات التقلّبات المحلية في ضوء هذه المتغيّرات، كي يتسنّى للتجارب مُحاكاة الظروف المحلية. وفي نهاية المطاف، يمكن للدراسات الجديدة زيادة مخزون قواعد البيانات ورفع مستوى التوقّعات». ويشير الفريق أيضاً إلى أن إطار عمله قد يُطبَّق عملياً على دراسات النظم البيئية البرّية ونُظم المياه العذبة.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً