طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

فريد يحتفل بذكرى «ثومة»

كان فريد الأطرش كريما في حياته وظل محتفظا بكرمه حتى بعد رحيله، جمعية محبي فريد أعلنت عن إقامة حفل في الذكرى رقم 39 لرحيل أم كلثوم التي تحل اليوم. سبقها فريد إلى العالم الآخر بأربعين يوما فقط.
لا يوجد أي عمل فني جمع بين فريد وأم كلثوم ولكن هناك عشرات من المحاولات سعى فيها فريد لأم كلثوم ورحبت ثم تراجعت.
كثيرة هي المرات التي كان فريد يذهب إلى فيلا أم كلثوم ومعه عوده، ولديه حلمه باللقاء المرتقب. لم ييأس وظل حتى رحيله يضع اللحن تلو الآخر، والذي يتخيل فيه صوت أم كلثوم، نعم كان فريد يسعى أيضا لأن يغني عبد الحليم من موسيقاه، ولكن رهانه على أم كلثوم كان أكبر وجرحه من أم كلثوم كان أيضا أكبر.
المحاولة الأولى لكي يضع اسمه على خريطة أم كلثوم في منتصف الأربعينات بأغنية «حبيب العمر» وباءت بالفشل، ثم رفضت بعدها غناء «الربيع»، و«أول همسة». وقالت لفريد معللة أسباب اعتذارها إنها طلبت من شاعر الأغنيات الثلاث مأمون الشناوي أن يغير بعض الكلمات ولكنه لم يستجب فكانت هذه الأغنيات من أنجح ما ردد فريد بصوته.
فريد لم يتوقف عن الأمل وبعد هزيمة 67 وجد أن الفرصة مواتية لكي تغني قصيدة وطنية «وردة من دمنا» لشاعر لبنان بشارة الخوري، ولكنها أخبرته أنها تريد لحنا عاطفيا، فقدم لها بشعر أحمد شفيق كامل «كلمة عتاب»، وماطلت أم كلثوم كعادتها فغناها بصوته وبعده غنتها وردة.
كثيرة هي التفسيرات التي حاولت أن تبحث عن أسباب حالت دون لقاء القمتين، كان فريد لديه سببان يبوح بهما لأصدقائه، وفي جلساته الخاصة، الأول أنه شقيق أسمهان التي هددت في توقيت ما منذ نهاية الثلاثينات وحتى رحيلها عام 1944 عرش أم كلثوم الغنائي ولهذا لم تغن له انتقاما منها، والثاني أن عبد الوهاب خاصة بعد لقائه مع أم كلثوم صار يضع العراقيل حتى لا تلتقي مع منافسه فريد، بينما في أحاديثه المسجلة عندما كان يسأل عن الملحنين الذين أضافوا لأم كلثوم يقول على طريقة المثل اللبناني الشهير «الكلام إلك يا جارة» إنه بعد زكريا أحمد ومحمد القصبجي يذكر بإعزاز شديد فقط لا غير اسم رياض السنباطي.
أم كلثوم بالتأكيد كانت من المقدرين لألحان فريد ولكنها لم تجد أن صوتها من الممكن أن يتواءم مع طبيعة تلك الأنغام، أما حكاية الغيرة من أسمهان فلقد كان صحيحا بالطبع أنها نافستها، ولكن الصحيح أيضا أن القصبجي وزكريا والسنباطي لحنوا لأسمهان بل إن رامي المتيم عشقا بأم كلثوم كتب لها، فلماذا لم تنتقم منهم وتوقف التعامل معهم؟!
أتذكر أنني سألت الشاعر مأمون الشناوي الذي اقترب كثيرا من فريد وأم كلثوم والتقت معه ثومة في العديد من الأغنيات بداية من «أنساك»، سألته ماذا لو غنت أم كلثوم رائعة فريد «الربيع»؟ هل كان النجاح سيتضاعف في هذه الحالة؟ أجابني: صوت أم كلثوم بالطبع لا يضاهيه صوت آخر، ولكن «الربيع» وصلت للذروة على حنجرة فريد، كان بين صوته والنغمة والكلمة كيمائية يندر أن تتكرر، يبدو حقا أنها الكيمائية المفقودة التي حالت بين أنغام فريد وصوت أم كلثوم، إلا أنه لم يفقد الأمل في التواصل حتى من العالم الآخر، والدليل أن الجمعية التي تحمل اسمه تحتفل بذكرى «ثومة»!