لبنان: الانهيارات تسابق التسويات

بعد فشل المبادرة الفرنسية

لبنان: الانهيارات تسابق التسويات
TT

لبنان: الانهيارات تسابق التسويات

لبنان: الانهيارات تسابق التسويات

يشبه لبنان اليوم قطاراً فقد مكابحه ويتجه بسرعة قصوى إلى اصطدام يهدد نظامه بعد انهيار قسم من مؤسساته وقطاعاته. إذ فشل اللبنانيون في التقاط حبل النجاة الأخير الذي ألقاه لهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) الماضي، والذي تمثل بما عرف بـ«المبادرة الفرنسية» القائمة على فكرة تشكيل حكومة اختصاصيين تسارع لإنجاز إصلاحات تسمح للبلاد بالحصول على مساعدات خارجية.
وعلى الرغم من التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المتمادي والضغوط الدولية، التي قادتها فرنسا تحديداً، أخفقت القوى السياسية بالاتفاق على تشكيل حكومة، وبالأخص، بعد تصاعد الخلاف بين المعنيين الأساسيين دستورياً بعملية التشكيل، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، وانقطاع التواصل بينهما منذ أشهر.
وسط الأزمة السياسية اللبنانية المستعصية لوّحت مصادر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أخيراً بورقة الاعتذار خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، الذي هدّد من بيروت بفرض عقوبات إضافية على المسؤولين اللبنانيين للحؤول دون «انتحار جماعي». ومعلوم أنه في محاولة لمضاعفة الضغوط على الطبقة السياسية، فرضت فرنسا الشهر الماضي قيوداً على دخول شخصيات لبنانية تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد. ولكن لم يجر حتى الآن الإفصاح عن هوية هؤلاء الشخصيات أو ماهيّة القيود.
- المبادرة الفرنسية انتهت
الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية ميشال دويهي يقول، إن «المبادرة الفرنسية» انتهت ولم يبق منها إلا الاسم منذ التعديلات التي بدأها الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه عليها»، وذلك «من خلال إشراك الطبقة السياسية الفاسدة بحل الأزمة، وانتقاله بعدها للاجتماع والتفاهم مع السياسيين، لا سيما عبر الاجتماعات الأولى في قصر الصنوبر (مقر السفارة الفرنسية في بيروت)». ويتابع دويهي في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «المبادرة الفرنسية فشلت عندما قرّر ماكرون الفصل بين السياسة من جهة والاقتصاد والإصلاح من جهة أخرى، ومن ثم رضخ لرفض معظم القوى السياسة طرح الانتخابات النيابية المبكّرة مقابل تشكيل حكومة». وشدّد على أن «الإشكالية في البلد (أي لبنان) بالسياسة وليست بالاقتصاد... باعتبار أن الانهيار الاقتصادي الذي نشهده ليس محصوراً بالسياسات المالية والاقتصادية الخاطئة، بل وبشكل أساسي بالطبقة الفاشلة ومن ثم الفساد والزبائنية وغياب المحاسبة والرقابة».
دويهي يعتبر أن الإدارة الفرنسية تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأمور «لأنها صدّقت أن هذه الطبقة ستقوم بالإصلاحات المطلوبة، في حين الحقيقة أنها تعي أن الإصلاح في أي قطاع سيشكل نهايتها؛ كونه سينسحب بعدها على كل القطاعات، ثم إن النظام الإيراني بواسطة (حزب الله) لن يعطي فرنسا مكتسبات سياسية... لأنه يفضل أن يتواصل مباشرة مع الأميركيين»، لافتاً إلى أن «الفرنسيين حاولوا أن يرضوا الجميع، في حين أنه لا يمكن لأي مبادرة أن تنجح على هذا الأساس».
- تجاهل موضوع السلاح
ويذهب المحلل السياسي سام منسّى أبعد من ذلك، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مقتل المبادرة الفرنسية كان بتجاهل ماكرون موضوع سلاح (حزب الله)، وهيمنة الحزب على صناعة القرار في لبنان، والذهاب للاجتماع بممثل عن الحزب هو عبر النائب محمد رعد من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنه إذا أرادت إيران أن تقدّم تسهيلات ما، فهي ستقدّمها للأميركيين وليس للفرنسيين».
ويرى منسّى أن «الانتكاسات الكثيرة والمتسارعة التي أصيبت بها المبادرة الفرنسية جاءت لتقوّض الاستماتة الفرنسية لتحقيق إنجاز انتشال لبنان من أزمته. وهذه استماتة تعتمد، لا شك، على حسابات فرنسية مرتبطة بالدور الإقليمي لفرنسا وعلاقة باريس بطهران... وذلك باعتبار أن جانباً من الهروَلة الأوروبية لدفع واشنطن إلى العودة إلى الاتفاق النووي وتحسين علاقات الولايات المتحدة الأميركية بطهران هدفه تشجيع الاستثمارات الأوروبية، فرنسية وغير فرنسية، في إيران».
في المقابل، بخلاف التقارير عن أن باريس تخلّت عن جهودها والمساعي التي تبذلها في لبنان، نقلت «الشرق الأوسط» أخيراً عن مصادر فرنسية تأكيدها أن باريس «لم تتخلَ عن لبنان»، بل ما زالت ماضية في متابعة أوضاعه، ولكن «وفق منهج مختلف» عما طرحته في المرحلة الأولى. وتضيف، أن هذا المنهج ينطوي على طريقين: فرض عقوبات إضافية من جهة، ومن جهة أخرى الاستمرار في دفع جهود الاتحاد الأوروبي إلى الأمام من أجل التوافق على عقوبات أوروبية جماعية، على الرغم من التردّد الذي أبدته بعض حكومات دول الاتحاد.
- ترقب نتائج المفاوضات
في هذه الأثناء، لا تقتصر تداعيات سقوط «المبادرة الفرنسية» على عملية تشكيل الحكومة التي لا تزال عالقة في عنق الزجاجة؛ إذ ينبّه العميد المتقاعد خالد حمادة، مدير «المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات» في بيروت، من أن «انتهاء المبادرة الفرنسية وعودة لودريان إلى باريس خالي الوفاض قطعت آخر خطوط التواصل بين لبنان والعالم الغربي، بعدما كانت باريس تسعى لوضع لبنان على قائمة القضايا التي تناقشها الأسرة الدولية». ويرى العميد حمادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «لبنان أصبح خارج كل ما يتّصل بالقرار الدولي. يضاف إلى ذلك توقف المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسيط الأميركي... وهو نطاق كان يمكن العبور منه لمعالجة الأزمة اللبنانية».
ويضيف حمادة، أن «لبنان بات معزولاً دولياً، هذا بالإضافة إلى أنّ حالة العدمية السياسية والانهيار الاقتصادي وفوضى الأسعار قد تؤدي إلى احتمالات مفتوحة لا نستطيع التنبؤ بها. فبعدما تخلى لبنان عن أبسط مقوّماته كدولة وأضحى يفتقر لأي اهتمام، قد تتجه الساحة اللبنانية نحو شكل من أشكال الانفجار ليس بفعل العاملين الاقتصادي والاجتماعي فقط، إنما أيضاً لتنفيذ أجندة سياسية تستخدم الساحة اللبنانية». ويتابع «ربما سيكون هناك نوع من الاجتهاد من قبل بعض الدول الغربية لإعادة بعض الخصوصية للبنان مقابل تقديمات أخرى ومكاسب لإيران، لكن في كل الأحوال ما يمكن تأكيده أن لبنان تحوّل من دولة إلى ورقة تفاوض». وهنا يستبعد حمادة تماماً أن تؤدّي التطورات في المنطقة إلى «تعويم العهد»، معتبراً أن «العهد (أي رئاسة الرئيس ميشال عون) سقط وانتهى ولا أحد يسعى لتعويمه... فحتى (حزب الله) يريد في المرحلة المقبلة أن يصبح مقبولاً دولياً بمعزل عن تحالفه مع (التيار الوطني الحر)؛ وهو ما يسمح بالاستغناء عن حلفائه المحليين الذين باتوا يمثلون عبئاً وشراكة لا تقدّم له شيئاً».
في سياق موازٍ، بدأ «التيار الوطني الحر» - الذي أسّسه عون - يبني على الحراك الحاصل في المنطقة والمفاوضات الناشطة على أكثر من صعيد ليثبت «نجاح خياراته السياسية». ويبدو أنه يتّجه نحو التشدّد أكثر في عملية تشكيل الحكومة لاعتقاده أن المسارين الدولي والإقليمي للأحداث يصبّان لصالح المحوَر الذي ينتمي إليه ولصالح حليفه «حزب الله». وهنا تعتبر مصادر «التيار» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تلويح الحريري بورقة الاعتذار أخيراً «إنما يندرج ضمن إطار قراءته لتطور الأوضاع لصالح اخصامه، لكنه حتى الساعة لا يزال يدرس حجم الخسارات التي سيتكبّدها... وما إذا كان قادراً على استيعابها قبل سنة واحدة من موعد الانتخابات النيابية».
حول هذه النقطة، يرى ميشال دويهي أن «وضع الحريري بات صعباً، خاصة أن مستقبله السياسي لا يبدو واضحاً إذا قرّر الاعتذار مثلاً... وإن البعض سيقرأ بذلك رضوخاً منه للعهد». في حين يعتقد سام منسّى، أن «مشكلة الحريري الأساسية تكمن في كون روح المبادرة الفرنسية غير موجودة أصلاً في تعاطيه مع كل الملف الحكومي». أما الكاتب والباحث قاسم قصير – القريب من بيئة «حزب الله» – فيعتبر أن كل الخيارات والاحتمالات واردة، «فإما التوصل إلى تسوية حكومية بعد عيد الفطر أو الذهاب إلى المزيد من الأوضاع الأمنية في وضع بات مرتبطاً أكثر من أي وقت مضى بما ستؤول إليه المفاوضات الناشطة في المنطقة»، ويلفت قصير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المساعي التي بُذلت في الأيام الماضية لصياغة تسوية داخلية اصطدمت بحجم الهوة التي أضحت غير مسبوقة بين بعبدا (عون) وبيت الوسط (الحريري)؛ ما يجعل الجميع مترقباً تسوية دولية أو إقليمية كبرى ينصاع لنتائجها الفرقاء اللبنانيون».
- مصير لبنان
هنا يتحدث البعض عن تسوية داخلية محدودة قد تبصر النور نتيجة تطورات المنطقة، فتكون شبيهة بالتسوية الرئاسية التي أمكن التوصل إليها عام 2016 وأدت إلى انتخاب عون رئيساً للجمهورية، بينما لا يستبعد آخرون أن نكون قد اقتربنا أكثر من أي وقت مضى من إعادة النظر بالنظام ككل.
العميد خالد حمادة يعتقد أن أحداً من اللاعبين الدوليين لا يريد تقسيم لبنان أو تعديل دستوره. ويقول إن «الخلافات الداخلية حول أدوار الطوائف في النظام وحصة كل منها داخل التركيبة، موضوع لبناني بحت لا يتصل إطلاقاً بما يجري تداوله على الساحتين الدولية الإقليمية»، ويستطرد «كيفما كان شكل النظام اللبناني فإن استمرار لبنان في حالة التماهي مع طهران من دون أن يكون له أي حيثية وطنية، سيبقيه فاقداً قراره السياسي والاقتصادي». ثم يشير إلى أن لبنان «دخل مرحلة العدمية السياسية والاقتصادية، ولم يعد هناك مؤسسات صانعة للقرار أو جمهور لبناني ينظر باحترام إلى السلطة السياسية»، موضحاً «نحن مستمرون كدولة مفكّكة إلى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المفاوضات الناشطة حالياً، ولا يبدو أن ذلك سيحصل قريباً».
ومن جهته، يعتبر سام منسّى أن «ما نشهده اليوم هو تغيير هوية وبنية البلد الاجتماعية. فالتركيبة المتعارف عليها سقطت تماماً كما لبنان الذي كنا نعرفه، علماً بأن النظام على مستوى الممارسة لا يطبَّق إلا نظرياً منذ الحرب الأهلية من خلال تركيبات تعكس موازين القوى».
مع هذا، لا يبدو منسّى ممن يروّجون لانفجار اجتماعي مقبل، لافتاً إلى أنه «رغم كل الصعوبات التي مررنا ونمرّ بها، من فقدان الودائع وانهيار الليرة وتفجير مرفأ بيروت والدمار الذي خلفه، وكلها تؤشّر لإمكانية الوصول لانفجار اجتماعي، فإنني أستبعد ذلك. لكنني في الوقت عينه أرجح ازدياد الجرائم والسرقات والفلتان والاضطرابات في بعض المناطق. ذلك أن انهيار الوضع الأمني لا يبدو لي حاصلاً؛ لأن هناك سلطة للجيش موجودة ودوره منسَّق مع (حزب الله) ولا وجود لطرف ثان يستطيع خوض المواجهة مع الحزب». ويتابع منسّى، أن «أساس الأزمة اللبنانية هو وجود قوة تابعة لدولة لها مصالحها وأدوارها التي لا شك ستنعكس على لبنان. وميزان القوى اليوم ليس لصالح لبنان الذي نعرفه ولم يعد هناك مِن دور يلعبه بعدما تلاشى الاهتمام الخارجي به، أضف إلى أنه لا أدوات ولا قضية للقوى الأخرى في لبنان».
قصير يقرّ بأن «لبنان يعيش مرحلة انتقالية صعبة»، وهنا يشدد دويهي على أن «الانهيار المالي والاقتصادي يؤدي تلقائياً إلى انهيار اجتماعي في ظل توجه الناس لتناتش السلع والخدمات؛ لأن الدولة لن تكون بعد اليوم قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين». ومن ثم، يقول إنه «حتى إبّان الحرب الأهلية (1975 - 1990) لم يعرف لبنان الجوع والمجاعة؛ لأنه كان هناك دولارات تدخل إلى البلد بخلاف ما يحصل اليوم عندما غدا اللبنانيون متروكين لمصيرهم... ولكن رغم كل ذلك نستبعد حرباً أهلية بالتوازي مع توقع ارتفاع معدلات الجرائم والسرقات والعنف».
- أخيراً... ماذا عن الحلول؟
كثيرون ينظرون إلى الانتخابات النيابية المقبلة - المفترض تنظيمها بعد سنة بالتحديد - على أنها ستكون بوابة الخلاص للبنانيين. ويعتقد هؤلاء أنها ستؤدي إلى خرق كبير لقوى ومجموعات المعارضة؛ نظراً إلى أن المناخ العام هو ضد الطبقة السياسية التقليدية منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تاريخ «الانتفاضة» الشعبية الأخيرة. بيد أن آخرين لا يظنون أن حصولها محسوم لأن القوى السياسية قد تعمد إلى تأجيلها تخوفا من نتائجها، وهو ما يعبّر عنه سام منسى الذي يرى أنه «من السابق لأوانه الجزم حول ما كان تطور الأمور يجعل الانتخابات النيابية موجودة على (أجندة) فريق (الممانعة)، أي الفريق الانقلابي الذي حلف عون – (حزب الله)، وإذا ما كان المطلوب إجراء الاستحقاقات في مواعيدها أو إعادة النظر بنظام وشكل الحكم ككل».
من جانبه، يؤكد دويهي أن «كل الطبقة السياسية الحالية لا تريد أن تخوض انتخابات نيابية لتخوّفها من أن يحاسبها الناس في صناديق الاقتراع... فهي لطالما وظفت القوانين الانتخابية لتجدد شرعيتها لا لضمان انتقال للسلطة»، معتبراً أن «الضغوط الدولية الكبيرة التي بدأت لضمان إجراء الانتخابات في موعدها، والتي تترافق مع ضغوط تمارسها قوى المعارضة في الداخل، خطوات أساسية للتصدي لمخططات قوى السلطة”. ومن ثم، يرى دويهي - كما كثيرون سواه – في الانتخابات المقبلة «آخر فرصة للتغيير السياسي وفق الآليات الدستورية... فهي قد تكون بداية خلاص لبنان. ولكن المطلوب من قوى المعارضة توحيد خطابها المفترض أن يكون مقنعاً ويقدم مشاريع حلول فلا يقتصر على انتقاد الطبقة السياسية».
والجدير بالذكر، أن الوزير الفرنسي لودريان التقى أثناء زيارته الأخيرة إلى بيروت ممثلين عن مجموعات معارضة، شاركت في «انتفاضة” عام 2019، ونقلت هذه المجموعات للمسؤول الفرنسي خشيتها من أن تعمد الطبقة السياسية إلى تأجيل الانتخابات التشريعية المرتقبة في ربيع 2022.
- 5 معضلات شائكة تعمّق الانهيارات
> يتحدث مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو مبادرة بحثية تهدف إلى دراسة الأزمات في لبنان ورصد تداعياتها واقتراح طرق لمقاربتها، عن خمس قضايا يجب ترقّبها ومقاربتها في المرحلة المقبلة، ولا سيما بعد رفع الدعم عن السلع الأساسية، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، هي:
- زيادة كبيرة في معدّلي البطالة والفقر. إذ يتوقع أن يؤدّي التدهور الاقتصادي مصحوباً بالتضخّم إلى إغلاق المزيد من المؤسّسات وتوقّف العديد من القطاعات. وهو ما يعني فقدان العديد من فرص العمل، القليلة بالأساس، وارتفاع معدّل البطالة وتدني القوّة الشرائية وارتفاع معدّل الفقر.
- تأزم أوضاع القطاع الصحّي وهجرة العاملين فيه، ما يُهدّد بفشل احتواء جائحة «كوفيد - 19»، وتراجع مستوى الخدمات الطبية، وخسارة لبنان دوره الرائد كـ«مستشفى الشرق الأوسط».
- تدهور مستوى التعليم، وخصوصاً نتيجة تراجع قدرة العائلات على تعليم أبنائها في المدارس والجامعات الخاصّة، ونضوب الموارد المالية المُتاحة للاستدانة ودعم الطلب على هذا التعليم، فضلاً عن تفريغ هذه المؤسّسات الخاصّة من كوادرها وتراجع مستوياتها نتيجة تراجع الأجور وتدحرج الانهيار.
- زيادة التوترات الاجتماعية والعنف ومعدّلات الجريمة، فخلال فترة «الكساد الكبير» عام 1929 في الولايات المّتحدة كان الناس يرمون بأنفسهم من النوافذ انتحاراً نتيجة تنامي معدّلي الفقر والبطالة، في حين نشط عمل المافيات وعصابات الجريمة المنظّمة والسرقات. هذه السيناريوهات تكاد تكون واحدة في معظم المجتمعات التي تشهد أزمات اقتصادية، وهو ما يرجّح حصوله في لبنان أيضاً.
- تنامي النزعات الانفصالية وتعميق سياسات الهوية، باعتبار أنه خلال الأزمات العميقة، تبرز غالباً النزعات القومية والانعزالية، وأخطرها تلك التي تعبّر عنها التنظيمات السياسية اليمينية والشعبوية؛ نظراً لقدرتها على حرف الخطاب العام عن أسباب المشكلة نحو النتائج التي أوصلت إليها، بما يؤدّي إلى تكرار الوقوع في المشكلة نفسها.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»