مطالب بعودة «الأمبودسمان» للحد من «الأخبار المزيفة»

مطالب بعودة «الأمبودسمان» للحد من «الأخبار المزيفة»
TT

مطالب بعودة «الأمبودسمان» للحد من «الأخبار المزيفة»

مطالب بعودة «الأمبودسمان» للحد من «الأخبار المزيفة»

خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت دعوات ومطالبات في وسائل ومعاهد الإعلام الغربية بعودة «الأمبودسمان» (أو محرر شكاوى القراء) للحد من انتشار «الأخبار المزيفة» في بعض وسائل الإعلام، وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي. ومع الدعوات العالمية، وتأكيد الخبراء أهمية دور «محرر القراء» هذا، كان الأمر مختلفاً عربياً، فهذه الوظيفة التي دخلت سوق الإعلام في الستينيات من القرن الماضي «لم تجد مكاناً لها عربياً، ولم تطبق بالشكل المعروف عالمياً»، وفقاً للخبراء.
تعود أصل كلمة «أمبودسمان» (Ombudsman) إلى السويد، وتعني في الأصل: «مفوض الشعب» (أو أمين لجنة المظالم). وهي وظيفة حكومية نص الدستور السويدي الصادر عام 1809 على وجودها، مهمتها «التحقيق في شكاوى الشعب، والرقابة على أداء مؤسسات الدولة». وفيما بعد، دخل «الأمبودسمان» عالم الصحافة والإعلام في الستينيات من القرن الماضي، وبدأ من الدول الإسكندنافية، ثم انتقل إلى باقي أوروبا وأميركا وكندا والأرجنتين، وبعض الدول في آسيا (مثل الهند وباكستان).
ووفقاً لمقال نشره جوشوا بينتون، نهاية مارس (آذار) الماضي، بموقع «نيمان لاب»، المتخصص في قضايا الإعلام التابع لجامعة هارفارد الأميركية، فإن صحيفة «لويفيل كوريير - جورنال - لويفيل تايمز» هي أول صحيفة أميركية تعين «أمبودسمان»، وكان ذلك في يوليو (تموز) عام 1967، بعدما خرجت هذه الوظيفة خارج حدود الدول الإسكندنافية التي احتكرتها لعقود. ولقد أوجدت نيوزيلندا وكندا وبريطانيا وظيفة «أمبودسمان» في دوائرها الحكومية، ونقلها باري بينغهام إلى الصحافة الأميركية، لكن الفضل يعود إلى الصحافي في «نيويورك تايمز» إيه إتش راسكين الذي دعا إلى تعيين «أمبودسمان» في الصحف.
وبحسب بينتون، فإنه «مع بداية تراجع عائدات الصحف، كان الأمبودسمان هدفاً سهلاً لتخفيض الميزانية، وتراجع عدد الأمبودسمانات في الولايات المتحدة الأميركية من نحو 35 شخصاً إلى 6 أشخاص؛ 4 في وسائل إعلام عامة، بينما لا يمكن حساب الاثنين الآخرين أمبودسمانين حقيقيين».
الدكتورة حنان الجندي، أستاذ الإعلام بالجامعة الكندية في مصر، ترى أن «أزمة الإعلام تعود إلى سنوات بعيدة، اعتمد فيها على نظرية تلخص عناصر الاتصال في المرسل والرسالة والوسيلة والمستقبل، ولم يكن للجمهور (وهو هنا المستقبِل) دوراً، حتى ظهر مصطلح الرجاع (أو رجع الصدى - Feedback) الذي أظهر بداية احترام للقارئ، وكيف يخلق هذا الاحترام نوعاً من الولاء، ويزيد من مصداقية الوسيلة الإعلامية».
وقالت الجندي، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «دور الأمبودسمان خطير مهم جداً في جميع المؤسسات الإعلامية، وهو تجسيد لهذا الاحترام للقارئ، إذ يلقب بأمين المظالم، أو محرر شكاوى القراء، بل محامي القراء... لكن لقبه الأهم هو مُذيب الجليد بين الإعلام والقراء». وأردفت: «ظهر الأمبودسمان بداية في الدول الإسكندنافية، وتحديداً في المؤسسات الحكومية، وهو موجود حتى الآن في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية الأوروبية... ويعد المرجعية التي يلجأ لها المواطن عند وجود مشكلة مع جهة ما».
أما في الإعلام، فإن «دور الأمبودسمان هو الاستماع للقراء، وتجميع شكواهم بأي وسيلة ممكنة... سواء عبر البريد أو التليفون والمقابلات الشخصية، أو حتى السوشيال ميديا. وبعد ذلك، يعمل الأمبودسمان على تنقيح هذه الشكاوى، والتحقيق فيها، والرد عليها. وإذا ما ثبت أن الصحافية أو الصحافي أخطأ في نشر معلومة أو صورة أو تحقيق، يصار إلى نشر اعتذار في عمود مخصص للأمبودسمان»، على حد قول الجندي.
وعلى صعيد متصل، نشر معهد «بوينتر» الأميركي للصحافة، مطلع أبريل (نيسان) الحالي، مقالاً بعنوان «هل تحتاج وسائل الإعلام إلى الأمبودسمان لاستعادة الثقة والمصداقية؟»، استعرض خلاله آراء 8 صحافيين شغلوا وظيفة «الأمبودسمان» في عدة صحف أميركية، في جزء من رسالة ماجستير بجامعة ميسوري الأميركية، حيث أكد معظمهم «الحاجة إلى الأمبودسمان الآن أكثر من أي وقت مضى، مع زيادة النقد على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالوا إن وجوده الآن ضروري لاستعادة الثقة والمصداقية». وأشار المعهد إلى أن «تراجع مستوى الثقة في وسائل الإعلام، بسبب الانحياز والأخبار المزيفة، يشكل قضية ملحة مقلقة لمستقبل الإعلام بشكل عام».
ووفقاً لاستطلاع نشره معهد «غالوب» نهاية عام 2020، فإن «نحو 60 في المائة من الأميركيين المُستطلعة مواقفهم لا يثقون في وسائل الإعلام»، في حين أظهر تقرير حال الإعلام لعام 2020، الصادر عن معهد «رويترز لدراسة الصحافة» التابع لجامعة أوكسفورد البريطانية، أنه «مع هجمة جائحة (كوفيد-19)، بلغ معدل الثقة في وسائل الإعلام أدنى مستوياته، وسجل 38 في المائة، متراجعاً بنسبة 4 في المائة عن عام 2019».
وهنا، يعلق الكاتب الصحافي خالد القضاة، سكرتير تحرير جريدة «الرأي» الأردنية عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، قائلاً إن «وظيفة الأمبودسمان يمكن أن تعيد المصداقية المفقودة لوسائل الإعلام»، لكنه في الوقت نفسه أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «تفعيل دور الأمبودسمان في الإعلام العربي أمر صعب بسبب نمط ملكية وسائل الإعلام العربية الذي يجعلها إما صوتاً للدولة أو المعارضة. وبالتالي، فإن رضا الجمهور ليس واحداً من اهتماماتها».
وتابع القضاة أنه «لو طبق مفهوم الأمبودسمان عربياً، سيكون دوره هزيلاً... وسينحصر في معالجة الشكاوى الخدمية الصغيرة، إذ لا يمكن لإعلام بنمط الملكية العربي أن يعطي صوتاً وسلطة لصحافي. وحتى لو منح الصحافي الذي يلعب دور الأمبودسمان هذه السلطة، فسيكون ولاؤه لمن وضعه في هذه المكانة».
وفي هذا الصدد، توضح حنان الجندي أنه «على الرغم من وجود هذه الوظيفة في العالم الغربي، فإنها لم تنتقل بهذا الشكل للعالم العربي. وحتى عندما طبقتها بعض وسائل الإعلام، كان دور الأمبودسمان شبيهاً بدور محرر شكاوى القراء ضد الحكومة، وليس ضد الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية». وتستطرد شارحة أن «السبب في ذلك هو غياب ثقافة الاعتذار... ذلك أنه يفترض بالأمبودسمان أن يكون صحافياً يتمتع بقدر من الخبرة والحكمة، ويُعين من قِبل مجلس أمناء الوسيلة الإعلامية، وتكون كلمته وقراراته حاسمة، وتطبق على الجميع، بما في ذلك رئيس التحرير».
وللعلم، كانت الجندي قد خصصت جزءاً من رسالة ماجستير أعدتها قبل سنوات لموضوع «الأمبودسمان»، وبالتالي التقت «أمبودسمانات» في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وهنا تذكر: «التقيت أندرو ألكساندر، أمبودسمان (واشنطن بوست)، وحكى لي كيف أنه نشر اعتذاراً للقراء في صحيفته بعدما نشرت صورة لمثليين أزعجت القراء». وفي هذا المجال، تشدد على أن «الاعتذار أساس المصداقية، وما دامت ثقافة الاعتذار غير مفعلة في منطقتنا الإعلامية، لا يمكن استعادة المصداقية».
وعلى صعيد ثانٍ، نشر معهد «رويترز لدراسة الصحافة» ورقة بحثية، نهاية الشهر الماضي، أعدتها كاثي إنجليش التي شغلت وظيفة محرر القراء في صحيفة «تورونتو ستار» الكندية لمدة 13 سنة. ومما قالته أنه «في الوقت الذي يشهد فيه الإعلام أزمة قلة ثقة، وقائمة طويلة من الشكاوى المتعلقة بالتمييز العرقي في التغطية والتعيين، فإن الحل يكمن في تعيين محرر قراء أمبودسمان». وأكدت أنها «من واقع خبرتها، ترى أن التزام الإعلام بتعيين محرر قراء يرسل رسالة قوية، مفادها التزام الصحيفة بتقديم إعلام حقيقي يستحق النشر».
وتشير إنجليش إلى أنه «على الرغم من أهمية هذه الوظيفة، فإن عدد شاغليها على مستوى العالم يقل عن مائة شخص، علماً بأن منظمة الأمبودسمان الإخبارية تضم نحو 60 عضواً، وهي المنظمة المعنية بالأمبودسمانات في الإعلام، وكانت قد أسست عام 1980».
وعودة إلى خالد القضاة، فإنه يرى أن هناك مشكلة أخرى قد تواجه تفعيل دور الأمبودسمان في الإعلام العربي، وهي «استخدامه سلاحاً في وجه المعارضين»، موضحاً أنه «يمكن توجيه اللجان الإلكترونية للهجوم على صحافي أو كاتب رأي، وهنا يتدخل الأمبودسمان ويوقف هذا الصحافي، بحجة إرضاء الجمهور الغاضب»، وبناءً عليه، كما يضيف القضاة، فإن «الفكرة ممتازة، لكن الأزمة لدينا تبقى في التطبيق، والالتفاف على الأفكار الجيدة لخدمة مصالح شخصية».



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».