«ألمظ وسي عبده»... التراث الغنائي المصري في ثوب استعراضي

المسرحية تمزج بين الدراما والتوثيق

TT

«ألمظ وسي عبده»... التراث الغنائي المصري في ثوب استعراضي

لأن التاريخ لم يعد يشكل عنصر جذب لدى صناع الحركة المسرحية العربية الحديثة، ربما بسبب التخوف المستمر من تكلفة وصعوبات تصميم أزياء وديكورات تناسب أزمنة بعيدة انقضت، تأتي أهمية العرض المسرحي «ألمظ وسي عبده» الذي يُعرض على مسرح البالون في القاهرة حتى العاشر من شهر أبريل (نيسان) الجاري، والذي يحمل عنوان «ألمظ وسي عبده»، كما تتمثل صعوبة إنتاج أعمال جديدة تتناول أحداث قديمة في صعوبة الإسقاط على الواقع الحالي وتوصيل رسائل من الماضي لتشتبك مع الحاضر، بالإضافة إلى عدم حماس الجمهور لمتابعة تلك الأعمال، لذلك فإن العرض المصري الجديد يتمرد على تلك الهواجس ولا يبالي بهذه المخاوف ويغوص في عمق القرن التاسع عشر ليخرج بعمل مختلف يتناول واحداً من أشهر وأقدم الثنائيات في الغناء والحب وهما عبده الحامولي «1836 - 1901» وألمظ «1860 - 1896».
ويعد هذا الثنائي نموذجاً للبدايات الأولى في محاولة البحث عن هوية غنائية عربية بعيداً عن المقامات التركية التقليدية، حيث مهّدا الطريق أمام النقلة الكبرى التي أحدثها سيد درويش ثم محمد عبد الوهاب في الموسيقى في بدايات القرن العشرين، واللافت أنّ العلاقة بينهما بدأت بعداء شديد، حيث كان الحامولي «مطرب القصر» والفتى المدلل لدى الخديو إسماعيل «1830 - 1895»، وحين ظهرت ألمظ على الساحة أصبحت تمثل تهديداً مباشراً للمطرب الذي كان يتربع بمفرده على القمة. وسرعان ما تحولت حالة العداء إلى حب، فزواج، حيث أصبحت الزوجة الثانية لـ«سي عبده» الذي انقسم المؤرخون حوله، فهناك من ينصفه بوصفه زوجاً شرقياً يغار على زوجته ويمنعها من الغناء في قصور السادة، وهناك من يزعم أنه أراد التخلص من المنافسة الأولى له.
هذا المد والجذر في تلك العلاقة المعقّدة بين الشخصيتين، استطاع كل من مروة ناجي ووائل الفشني التعبير عنها بتوجيه جيد من المخرج مازن الغرباوي الذي لم تكن مهمته سهلة على الإطلاق، فهو يحرّك بطلين هما بالأساس مطربان قبل أن يكونا ممثلين، وهذا تحديداً ما جعله يلجأ إلى وسم العرض بالسمت الغنائي الاستعراضي عبر عدد من التابلوهات الموسيقية الراقصة التي تأتي تعقيباً على تطور الحدث الدرامي أو قد تكون تمهيداً له.
بدت مروة أكثر تلقائية مقارنةً بوائل، ربما بسبب خبراتها الدرامية السابقة التي كان آخرها العرض المسرحي «سيرة الحب» الذي يتناول حياة الموسيقار بليغ حمدي والذي قدمته على المسرح ذاته، عبر جهة الإنتاج الحالية «البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية» التابع لوزارة الثقافة المصرية، وجاء صوت الفنانة المخضرمة سميحة أيوب «سيدة المسرح العربي» المهيب، ليضفي على العمل عمقاً وبعداً جديداً يتمثل في الطابع التسجيلي حيث تروي بصوتها المعبر العميق بعض فصول من السيرة الذاتية للوطن والطرب في القرن التاسع عشر دون أن تظهر على الخشبة مكتفية بظهور صورة ضخمة لها في الخلفية بينما الممثلون يدورون في دوائر خفيفة كفراشات تنجذب للنور الذي لم يكن هنا سوى صوت عملاق مخضرم وصدى عذب غامض لموسيقى عذبة تنبعث من مكان ما.
واستطاع صناع العمل لا سيما عبر قصة وأشعار د. مصطفى سليم، وأزياء مروة عودة، وإضاءة أبو بكر الشريف، الإفلات من هاجس المقارنة بالفيلم الذي يحمل الاسم ذاته وأُنتج في عام 1962 من بطولة الفنانة وردة الجزائرية وعادل مأمون، وإخراج حلمي رفلة، وقصة عبد الحميد جودة السحار، ليقدموا دراما راقصة مبهجة تسعى لتقديم التراث في ثوب استعراضي راقص وبـ«أداء عصري يناسب جمهور العصر»، على حد تعبير المخرج مازن الغرباوي الذي يضيف في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أنّه لم يتخوف من صعوبة القصة بوصفها دراما تاريخية قديمة وإنما العكس هو الصحيح، فقد تحمس للغاية بسبب إيمانه بدور المسرح في تنوير الأجيال الجديدة بتراثنا الوطني والغنائي، موضحاً أن التحدي تمثل فقط في كيفية تقديم تلك الدراما التاريخية بشكل شيق بعيداً عن المتوقع والمألوف مع توثيق الحقائق والمعلومات ليصبح العمل وثيقة للأجيال خصوصاً أنه سوف يُبث لاحقاً على قناة وزارة الثقافة على «يوتيوب».



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».