بري يطرح تسوية لتشكيل الحكومة ويشترط موافقة باسيل

يستعد للدخول على خط الاتصالات لتسريع ولادتها

TT

بري يطرح تسوية لتشكيل الحكومة ويشترط موافقة باسيل

كشفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يدرس الآن إعادة التحرك لعله يتمكن هذه المرة من تذليل العقبات التي لا تزال تؤخر ولادة الحكومة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن بري يربط تحرّكه بموافقة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على أن تتشكل الحكومة من 18 وزيراً ويترك له إيجاد مخرج لتسوية الخلاف حول من يشغل وزارة الداخلية ولا يُعطى الثلث الضامن لأي فريق، وهذا يتوقف على تواصل «حزب الله» معهما وما إذا كان على استعداد لممارسة ضغطه بدلاً من الاكتفاء بالتمنّي عليهما للسير في مبادرة حليفه رئيس المجلس.
ولفتت المصادر السياسية إلى أن تلويح بري بمعاودة تحركه لتعويم المبادرة الفرنسية يأتي بالتزامن مع تجميد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم تحركه مع الأطراف المعنية بالحكومة، رغم أنه كان على تواصل معها، إضافة إلى تواصله مع باتريك دوريل مستشار الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون كونه أحد أعضاء خلية الأزمة الفرنسية التي شكلها وكلفها بالتشاور الدائم مع القيادات اللبنانية لتسهيل تشكيل الحكومة.
وعزت السبب إلى أن اللواء إبراهيم طرح مجموعة من الأفكار لتجاوز أزمة تأليف الحكومة، وقالت إنها حظيت بتشجيع من الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي كان له دور في تزخيم تواصله مع دوريل، لكنها بقيت محدودة بسبب استمرار الخلاف على من يتولى وزارة الداخلية من جهة، وإصرار عون على موقفه بعدم إعطاء أي جواب على العرض الذي حمله إليه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي أودعه إياه وحاول التلطّي بتحرك اللواء إبراهيم ليوحي للداخل والخارج على السواء بأنه ينتظر جواباً من الحريري على مبادرة إبراهيم.
وقالت المصادر نفسها إن إبراهيم قرر وبقرار ذاتي تجميد تحركه بعد أن أُعلم بوجود نية لدى بري بمعاودة التحرك لقطع الطريق على من يحاول أن يُدرج تحركه في سياق أنه يضع نفسه في مبارزة معه، إضافة إلى أن مصادر مقربة من الحريري أخذت تتحدث عن أن الأخير لم يكن على علم بوجود مبادرة، طالما أن ما طُرح عليه منذ أسابيع عدة بقي مدار أخذ ورد من دون أن يصدر عن عون أو فريقه السياسي ما يؤشر إلى موقفه من العرض الذي حمله إبراهيم وباشر التحرك لدى الأطراف في محاولة لتسويقه.
ورأت المصادر أن الأفكار التي نُسبت إلى اللواء إبراهيم الذي رفض التعليق عليها، تضمّنت بنداً بأن يترك لعون تسمية من يتولى وزارة الداخلية شرط أن يتقدم بلائحة تضم عدداً من المرشحين لتولّيها ويترك للحريري حرية اختيار أحدهم، وهذا ما يتناقض مع اللائحة التي كان الحريري عرضها على عون وسلّمه لائحة بأسماء الوزراء. واعتبرت أن اللواء إبراهيم حاول جاهداً أن يفتح كوة في جدار الحائط المسدود الذي يعيق تشكيل الحكومة، وقالت إن الحريري لن يتزحزح عن موقفه، وهو ينتظر جواباً من عون على التشكيلة الوزارية مع أنه بادر للانقلاب عليها والتفلت منها، وهذا ما سمح لـ«التيار الوطني» بمواصلة حملته عليها من زاوية أنها تصادر الصلاحيات المناطة برئيس الجمهورية وتطيح بمبدأ الشراكة في تشكيل الحكومة.
وأكدت أن الأفكار للخروج من أزمة تشكيل الحكومة التي نُسبت إلى اللواء إبراهيم أثارت لغطاً في الوسط السياسي، مع أن الحريري، وبحسب أوساطه، لم يعلم بها عندما التقاه بالتزامن مع ارتفاع منسوب تبادل الحملات بين عون وتياره السياسي وبين تيار «المستقبل»، خصوصاً أن هذا اللغط سرعان ما انتقل إلى باريس التي سعت للاستفسار عنه في اتصالاتها مع معظم القيادات الرئيسية.
ولاحظت المصادر نفسها أن ما تردد حول استعداد بري للتدخل لتذليل العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة تلازم هذه المرة مع التحذيرات التي أطلقتها باريس وواشنطن وموسكو ولندن ومعها مجموعة الدعم الدولية للبنان التي جاءت من العيار الثقيل وبشكل غير مسبوق لتدارك تدحرج البلد نحو الفوضى التي تأخذه إلى المجهول ما لم تبادر الأطراف المعنية للإفراج عن حكومة اختصاصيين تأخذ بالمواصفات التي أوردها ماكرون في خريطة الطريق الفرنسية لإنقاذه.
لذلك، فإن الخطوط العريضة للمبادرة التي يدرس بري طرحها تنصبّ على أن تشكَّل الحكومة من 18 وزيراً وأن يسمي عون 6 وزراء من بينهم الوزير الذي يسميه حزب «الطاشناق»، فيما يُترك لرئيس المجلس إعداد لائحة تضم عدداً من المرشحين لتولّي الداخلية لاختيار أحدهم بموافقة عون والحريري باعتبار أن الداخلية أصبحت العقدة المستعصية التي تؤخر تشكيل الحكومة.
ويربط بري مبادرته بالحصول على ضمانات تتجاوز إعطاء الثلث الضامن لأي طرف وتشترط تأييد «التيار الوطني» لأنه من غير الجائز أن يترك لعون تسمية 6 وزراء من دون أن يمنح تياره السياسي الثقة للحكومة وهذا ما يصر عليه الحريري.
ويبقى السؤال، هل ينجح «حزب الله» في مسعاه في إقناع باسيل بمنحه الثقة للحكومة، وهذا يتطلب منه الانتقال في موقفه من التمنّي إلى الضغط عليه، مع أنه لا يزال يصر على مراعاته، وهو يدرك سلفاً تمسّكه بالثلث المعطّل، وكان حاول مراراً إقناعه بوجوب تنعيم موقفه من دون أن يلوّح له برد فعل لا يبقى تحت سقف الوقوف على خاطره ومراعاته.
وعليه، فإن مبادرة بري في حال قرر إدراجها على طاولة المفاوضات ستصطدم حتماً بعناد عون - باسيل، وأن الأخير يتصرف على أنه الآمر الناهي، إلا إذا أدرك عون أن المجتمع الدولي يدرس تزويد تحذيراته من استمرار الفراغ بجرعة يضع فيها النقاط على الحروف وتتيح له الانتقال من توجيه الإنذارات إلى فتح حوار دولي يدفع باتجاه إنقاذ لبنان اليوم قبل الغد.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».